جنون الشعبوية

ابراهيم البليهي
معارض فاخرة تبيع حذاء بسبعة ملايين ريال وخمسة ملايين ريال لمجرد أن أحد اللاعبين قد لبسها ….
    فحين تريد أن تعرف مستوى التفكير البشري لا تنظر إلى المخترعات الدقيقة المدهشة ولا عظمة العلوم باكتشافاتها الباهرة ولا الإنجازات الحضارية العظيمة فهذه كلها إنتاج أفراد خارقين يفكرون خارج كل الأنساق الثقافية ويتحركون عكس كل التيارات الجارية إنهم أفراد غير قياسيين فلا يقاس عليهم ولا يمثلون التفكير العام ….
     التفكير العام يمثله الهوس باللاعبين إلى درجة أن حذاء أحدهم تباع بالملايين !!!!
ولو توقف الأمر عند الهوس باللاعبين ودفع الملايين قيمة لحذائهم لكان الخطْب سهلا لكن التفكير الشعبوي يؤثر على كل جوانب الحياة فتأثير الأكثرية قاصم للحقيقة ومفسد للحياة إن مواقف العموم هي التي تفرض معايير الحياة …..
       يجب أن ننتبه بأن الأصل في الأفراد من كل المجتمعات في الماضي والحاضر أنهم مبرمجون بأنساق ثقافية متوارثة ممتدة من أعماق التاريخ وأنه لم يكن للأفراد ولا للمجتمعات الحاضرة أي دور في تكوين هذه الأنساق وإنما هي نتاجٌ تاريخي تلقائي التكوُّن وحاسم الفاعلية …..
     ورغم تضاد الأنساق الثقافية 
 التي تتبرمج بها مختلف الأمم فإن كل أمة تعتقد أن نسقها الثقافي المتوارث هو النسق الوحيد الممثل للحق والمتسم بالصواب لأن كل الأمم تبقى مأخوذة بأوهام هذا التفرد فالعقل الفردي والجمعي يُكَوِّنه ويحتله ويتحكم به الأسبق إليه فالإنسان لا يولد بعقل جاهز وإنما يولد بقابليات فارغة مفتوحة لأي تَطَبُّع …..
      لذلك تبقى كل الأمم تتوارث بشكل حتمي تلقائي نسقها الثقافي دون أن تتساءل حول صحته وإنما هو في نظرها يمثل الحق المطلق والصواب المحض لأن التفكير محكوم بالأسبق الذي تبرمج به بشكل حتمي تلقائي ومقابل ذلك فإن كل أمة ترى بأن الأمم الأخرى تعيش الضلال المحض والوهم الصريح وتشتعل الحروب والمذابح بسبب سيطرة أوهام متضادة عند كل الفرقاء …..
     قلة من الأفراد في كل أمة خلال التاريخ ينفصلون ذهنيا عن أوهام النسق فيفكرون بشكل مغاير للسائد ويتحركون عكس كل التيارات الجارية …..
       وبواسطة هذا التفرد الاستثنائي تنمو المعرفة الموضوعية المغايرة لكل الأنساق الثقافية المتوارثة وبتكرار هذا التفرد الخارق تقدمتْ الحضارة ولولا هذا التفرد المغاير للكل لبقيت البشرية تجتر أنساقها الثقافية المتوارثة المتضادة دون أن يحصل أي نمو معرفي أو تطور حضاري …….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…