حسن خالد
صدرت عن [منشورات لوتس للنشر الحر] في القاهرة لعام ٢٠٢٣ (رواية الزلزال) [للروائي الكوردي السوري: ريبر هبون] وهي مؤلفة من٢١٦ صفحة، وهي من بواكير أعماله الروائية، وإن كانت له تجربة متعمقة في المجال الشعري والنقدي
. والفكري، حاول فيها تناول حدث آلمنا جميعا لاعتبارات إنسانية قبل الاعتبارات الأخرى
حيث كان قلمه سبّاقاً في تناول هذا الحدث (الزلزال) الذي ضرب في غالبيتها المناطق الكردية في غرب كوردستان (عفرين_
. جنديرس) وشمال كوردستان،
ًصحيح بأنه تناول ظاهرياً الزلزال الطبيعي، لكنه سلط الضوء على مفهوم الزلزال من جانبٍ آخر (زلزال الاحتلال) وتناول أيضا
ً الزلزال الذي ضرب [الشخصية الكردية] في إرتدادات علاقتها بشركاء الوطن أيضا
ففي الفصل [أفواه فاغرة بفم الحطام] ص٤، وهي تسلط الضوء وتُفصّل في مأساة عفرين التي كانت تعاني من “زلزال الاحتلال” والتهجير القسري، وصل حدّ التغيير الديموغرافي، وهو في عرف القانون الدولي الانساني، جريمة حرب، قبل أن تقع فريسة الزلزال المزدوج [الاحتلال والزلزال]، بحيث حاول جاهداً أن يسلط الروائي: [ريبر هبون] على تفاصيل ما تنتجه الزلازل عادةً بوجهيها الطبيعي والاحتلالي، ومعاناة الناس عبر شخوص وأبطال بأسماء كردية (لازگین، بێکەس، رونيا…)
وفي محطة:[الموت الساخن] اصطياد للحظة الحدث، (الزلزال) في التوقيت الحقيقي (ساعة ٤ و١٨ دقيقة)
وفي محطة [أوراق على قيد الحياة] يُركز الروائي وكاتب [رواية الزلزال] الضوء على الحدث من خلال أوراق “يوميات” أحد أبطال الرواية [لازگین] والذي لجأ فيه إلى أرشفة يومياته والأحداث التي كان يمرّ بها ومحاكاته لحبيبته، أحداث وتفاصيل (الزلزال الاحتلالي) وعثور بيكەس عليهما ص١٥ كما وثّق الكاتب
رحلة بطليه (بيكەس وزيلان) إلى آمد في محطة [موت طارئ]،حوار العم أوسمان و زيلان في محطة [هزات ارتدادية] وتحمل هذه المحطة في طياتها تفاصيل هامة تختزل الوجع الكردي والتهميش الكردي إن في شمال الوطن (آمد) وتعامل المحتل التركي مع الشعب الكردي، عبر حوارٍ مطول وبمثابة سلسلة وثائقية من خلال ما مرّ به “العم أوسمان” وسرده للأحداث التي مرّ بها ل
. [زيلان _ الفتاة الجامعية]حيث ذكر لها[سجن قوجة إيلي – خوجة علي] قرب أنقرة ص٥٨
ركّز الكاتب على جزئيات وتفاصيل الزلزال الاحتلالي وكأنه لم يكن زلزال كافياً، فاتبعته الطبيعة بزلزالها، حيث، سرقة المساعدات المادية والعينية التي تأتي للنازحين والناجين من الزلزال، تفضيل إنقاذ النازحين والناجين العرب على حساب الضحايا الكرد، حتى إن نشطاء وجهات عربية فضحت هذا السلوك والممارسات العنصرية تجاه الضحايا الكرد، فكانت الأولوية توجيه الآليات لإنقاذ المستوطنين العرب وكذلك تقديم الخدمات والمساعدات وحتى الخيم، على ما شابتها من عمليات نهب منظم من فصائل الجيش الحر، وصل الأمر إلى أن الفصائل تقاسمت المناطق الكردية في الزلزال الطبيعي لنهب البيوت
وسيشعر القارئ بمأساة الشعب الكردي في شمال الوطن وغربه من خلال [قصة زيلان الشخصية] بتفاصيل دقيقة
كما يظهر دور سماسرة الدين في التجارة به عبر دغدغة المشاعر الدينية من خلال تحويل [كاتدرائية آيا صوفيا] إلى مسجد ص ٦٥،وربما أراد الكاتب التركيز على الزلزال النفسي الذي يعيشه الكردي دائماً وما يلقاه من شركاء الوطن وفي كلا الجزئين من كردستان، آلام وركام ممارسات السجن والاعتقال/ابو بروسك وقصة رونيا المقاتلة السابقة في وحدات حماية المرأة والرجولة في سجن تديره فصائل الجيش الحر ، ترحم أسعد الزعبي على صدام حسين وعبر الإعلام الفضائي
لم يغب الجنس عن حبر الروائي المسال، وهي عادة من المواضيع المسكوت عنها، إنما طرحها بكل وضوح، حتى أن أكثر من بطلات وشخوص الرواية طرحت المسألة ربما إلى حدّ السادية
كما يتم تسليط الضوء على استغلال الثوار الدين مطية لوحشتيهم الكامنة واتخاذهم المساجد وما تعنيه في العرف الديني وخروجهم لمجابهة السلطة في أيام الجُمع ص٧٧
وهناك إسقاط واختزال في عبارة
(قلبي الكوردي مقسم إلى أربعة أجزاء)ص٧٩
ًبدون رتوش ومواربة فإن الإطلاع على ذكريات [معتقلة في المعتقل الانفرادي] تزيد على الجرح ملحا.
يبدو أن الكاتب أراد أن يرسل رسالة للمتلقي في تركيزه على المكان كبطل في روايته الزلزال)
حضرت “جامعة حلب” و “محل فلافيلو للفلافل” قرب “المدينة الجامعية” ص ٨١ وما (مكتبة الفرقان للخدمات الطلابية) ص٩٣
كمونولوج داخلي مع الذات والاسترسال في الخيال واستيراد الذكريات كفلم كرتون[وداعا ماركو]
وشقاوة المراهق في بيوت الدعارة “الماخور” ص٨٥ الفلسفي من خلال عبارات “قانون الغاب الذي يعطي الحق للأقوياء أن
: يمارسوا الإجرام ويزاولوا عملهم كقضاة” ص٨٦وتظهر البطلة هنا في موقف فلسفي مقارن عندما تقول
“متناسية أن المحكمة حكمت عليّ بالسجن الأبدي، هو حكم رحيم بالمقارنة مع القتل والتمثيل بالجثة…” ص ٩٠.
كما إن البطلة في حوارها مع ذاتها_ أناها ك [مونولوج داخلي لا تجد حرجاً لتفضح الممارسات التي يقوم بها أبطال الحرية والكرامة] في حوار السجانين معها، وفهمهما المعاكس لمفهوم الشرف، فالسجان يشعر برجولته من خلال فض بكارة الأنوثة
: فيقول أحدهم
[ألا تخجلين لاغتصابنا المتكرر لكِ]
تردّ: [شرفي تلك الأرض التي انتزعتموها من أهلها…]ص٩٢
ويحضر هنا الأسلوب اللغوي الفلسفي من خلال العبارة
[حضارة التعذيب] عميقة المعنى؟! ص٩٢
ويحاول الروائي ريبر هبون التركيز على جميع الجوانب في الحياة ويبين تأثيرات ظهور وتبعات الجانب الاقتصادي في حياة الناس وانعكاساتها من خلال انتشار ظاهرة النقود المزورة (ص٩٤)
سلسلة لا تنتهي من الأسئلة التي تبحث عن إجابات قلما تجد صداها الشافي، أسئلة تبحث عن أجوبة، ما تلبث أن تتحول بدورها لسؤال آخر لا يجد الجواب المقنع كعبارة:
[فقد مات لدي إحساس السؤال أو المبادرة]ص٩٧.
كما يسلط الروائي عدسة قلمه على ظاهرة لطالما كانت تحمل جدلاً بين الطرفين، ما بين القبول والرفض، مثل [تعاونكِ معنا في جهازنا الاستخباري] ص٩٨
كما يطفو على السطح السؤال البيزنطي ماذا فعل لنا الآباء والأجداد لننعم بالراحة والكرامة والحرية، في أوطاننا..
فيظهر في الحوار: [لوم الآباء والاجداد على تركتهم لنا لأنهم لم يتركوا لنا وطنا حرّاً، ويبدو إننا بدورنا لن نترك لأبناءنا وطنا حرّاً]ص٩٩
كما يعكس جزءاً من شخصية الكردي في تجميل القبيح وتقبيح الجميل، ودور الشعارات الرنانة التي تلجأ إليها أحزاب الحركة السياسية ككل، دون اتهام أحد أو تبرئة أحد فتظهر مقولة” (نغسل عار هزائمنا بالشعارات) ص٩٩
ويظهر من خلال حوار الطلبة الجامعيين “فراس الموالي والذي انضم لاحقا للجان الشعبية_ “الشبيحة”، خناف الموضوعية، روني الإصلاحي، لزكين”
والتي تعكس بدايات الصدام بين توجهات المجتمع السوري، وكيف أن جهات خارجية أرادت وعملت على توجيه الأحداث من خلال أحداث الربيع العربي ص١٠١
ويظهر هنا المفهوم المختلف(أيديولوجياً وعقائديا واستيعاب مفهوم الله، لدى الشرائح والفئات المختلفة)
[فالله في التوراة لا يشبه الله في الإنجيل، وكذلك الله في القرآن…] ص ١٠٣
[لوحة شاه ماران اللجوء الى التراث والأساطير الكردية] ص١٠٥
الحنين لأناي في الماضي وأيام المدرسة الأولى[سندويشة معجون البندورة] ص١٠٧
تفاصيل ارتدادات الذي يعيش في سجون الأعداء، والممارسات الوحشية فيه، التعذيب الجسدي والنفسي وحتى الاغتصاب عقدة
” الرجولة العربية”
[فالقمل يحيطني وقد استوطن جسدي كله، كما استوطن الأغراب في مدينتي] ص ١١٠
وتظهر دلالات الخروج من المعتقلات والسجن الانفرادي، وما تعكسه هذه المقولة [نقلي إلى المشفى من السجن القبر بالنسبة لي بمثابة حفل زفاف] ص١١٢
يلفت نظر البطلة(رونيا) تعامل وحوش وفصائل الجيش الحر مع الطفولة
[لا يفلت من هؤلاء السفلة أحد] ص ١١٣…
وهنا يظهر مدى الوحشية الحاضرة لدى شركاء الوطن مع غياب تام للجانب الإنساني عدا عن الحس الوطني لديهم، وكأن ٤٠٠ عام من الاحتلال لم يترك في نفوسهم أثراً، بل جعلتهم يمتهنون العبودية والارتزاق للمحتل التركي وريث العثماني الدموي
[ادخلوني في براد لحفظ الموتى وأنا ما زلت حية، عكس ما كان يفعله النازيون باليهود] ص١١٤
في مشهد مؤلم ويعكس سلوكاً للمحتل في تعامله مع قداسة الانسان، حتى في لحظة الموت واحترام الجثة البشرية تنتصر وحشيتهم على الإنسانية
[استلام أبو بروسك لجثة ابنته رونيا] ص١١٥
رواية الزلزال من نوع [الرواية الواقعية] مليئة بالألم والخوف والوحشية التي يتعرض لها الكردي في جغرافيته المحتلة، وهي من نوع الروايات التوثيقية تسلط الضوء على أحداث واقعية “الآن”والتاريخية، وتظهر تفاصيل الحياة المعاشة
شخصياً تأثرت أكثر بحوار العم أوسمان وزيلان، كذلك المونولوج الداخلي للسجينة رونيا وهذه أكثر ، ولحظة وضعها في برّاد لحفظ الموتى وهي حية آلمتني حد الإجهاش بالبكاء، لكني تمالكت نفسي ودمعتي
أشجّع محبي الروايات، السعي إلى إقتناء نسخة من [رواية الزلزال] الإقبال على قراءتها
[ملاحظة]
ريبر هبون: يكتب الشعر بالكردية والعربية) والقصة القصيرة، وله دراسات ومقاربات نقدية
ويشتغل على [الحب وجود والوجود معرفة]، التي يسعى من خلالها إلى بناء جبهة تضم كافة المعرفيين
.هذه تجربته البكر في كتابة الرواية التي يمكن تسميتها بالرواية الواقعية _ التوثيقية
:لتحميل رواية الزلزال