اللؤلؤ المكنون : حول كتاب «ناحية أتروش» للباحث مصطفى موسى أتروشي

إبراهيم محمود

ألا هِبْني كتاباً أرى فيه ما يمدُّ في سمعي وبصري. ألا عرّفني بكتاب يبصّرني بما يرفع من سويتي النفسية والثقافية. ألا خذ بيدي إلى كتاب يمضي بنا إلى عالم فيه ما فيه من مآثر لها مجتمعاتها الحية، ذاكرتها الجماعية الحية، ماضيها الحي كثيراً. ألا تعال إلى كتاب نأتنس باسمه، واسمه يستشرف بنا ما يقرّبنا من بعضنا بعضاً، فليس كالكتاب ما يعزّز غداً ويضيء ماضياً.
أقولها بداية، ولو بصيغة إنشائية، وأنا أجدني إزاء كتاب لا يخفي شِعرية المكابدة في تأليفه، رغم أن كلمة ” تأليف ” لا تقال بسهولة، نظراً لحاجتها إلى إبراز ما هو جديد وإبداعي، ويشد قارئه إليه. نعم، نعم،، هناك ما يكون استعارة أو اقتباساً أو ما يقربه من التوثيق والخاصية الإحصائية الميدانية، في كمّ وافر من معلوماته، وصوره، وملحقه اللافت بحجمه، سوى أن كل ذلك لا يغيّب جملة الجهود المبذولة والشاهدة على ميزتها العلمية والفكرية وخطاب الحقيقة في عمله المؤثّر.
انطلاقاً من هذه الإشارة المسماة ذات العلاقة بالموضوع طبعاً، أشير إلى ذلك الجهد المعرفي والرياضي في طريقة بنائه من الداخل، جهد الكاتب الباحث مصطفى موسى أتروشي” 1946- ..”، الذي نشَر قبل أشهر كتابه النفيس بمركّبه الجغرافي، التاريخي، الثقافي، السياسي والاجتماعي: أتروش ” دراسة جغرافية تاريخية- حضارية 1299-2002 ” دهوك- 2023. 
الكتاب في مجلدين، متباينين في عدد الصفحات، الأول، بالكردية” البهدينانية ” وثمة صفحات تتسلسل بالعربية، كما نرى، وتحت عنوان: أتروش ” موطن تليد وتاريخي: دراسة جغرافية- تاريخية- حضارية، مراجعة وتقديم البروفيسور الدكتور: عبدالفتاح علي بوتاني ” في قرابة 1000 صفحة “، والثاني، بالعربية، يوجز الأول بالعربية، وتحت عنوان” ناحية أتروش “، في السياق السالف الذكر نفسه، وبحجم أقل” 328 صفحة ” توخياً مع المقتصَد فيه .
من المؤكد أن أي متعامل مع الكتاب معرفياً، حين ينظر في هذا الكتاب، سيقدّر الصعوبة التي عاناها الكاتب، وسوف يكون تقديره حول أن قراءته بالمقابل، لن تكون سهلة في محله، خصوصاً وأنه متنوع، ويتطلب ذهنية واعية متفتحة ومنفتحة على محيطها الجغرافي، الثقافي والاجتماعي.
إن ما ثبّته الكاتب طيَّ العلامات الفارقة لكتابه هذا، جهة أتروش وبين قوسين، بأنها ( عرِفت ببلدة العلم والعلماء )، يغذّي الفضول المعرفي، ولفضيلة الإرادة العلمية مقامها، لحظة النظر في أصل الكتاب، وما يعنيه أن يكون كتاباً في تشعب موضوعاته، أي في مجتمعه ذي الرابط القديم والنابض بالحياة، والشاهد على جلاء أمرها في الذاكرة الجماعية لأهليها ونفوسهم.
تحمل العبارة المذكورة أكثر من شارة” سَيْر ” معرفية تحويلية في النظر إلى الداخل، إنما الداخل الذي يمضي بقارئه إلى ماض، خارجاً كان، ولا بد أنه لم يقف منزوياً أو منطوياً على ” نفسه ” كما هو شأن الطلل/ الخراب، وخلوّه المرئي مما هو حياتي، فهو إشعار بحاضر قائم، من خلال لائحة كبرى من الصور، الوثائق، الشهادات الجغرافية، الحضارية، وتصميم على معانقة الآتي.
ومما يجدر ذكره، هو أن لصلة الدكتور بوتاني بالكتاب، وتخصيص كاتبه له بالشكر، ذلك الموقع الاعتباري المعلوم، لأنه قد أسهم في رفْده بما يرفع من مستوى الكتاب، بالمفهوم العلمي، ويجيز له استمرارية أمضى في الحياة، وهو الذي يعرَف بالعشرات من المؤلفات التاريخية، وسواها، وعلى تماس مباشر بما هو جديد كردستانياً، وهو الآن رئيس الأكاديمية الكردية في هولير .
إن مجرد تقليب صفحات الكتاب، في مجلده الأول، على وجه العموم، يظهِر مثل هذا الجهد، ومدى ثراء ” مجتمعه ” بما هو مفيد، وما هو مختلف في أصل الفائدة، كونه مركَّباً ثقافياً متنوعاً.
لهذا كان العنوان: اللؤلؤ المكنون!
لقد أجهد المؤلف نفسه كثيراً، بما يتناسب والمقرَّر للكتابة بداية، أي تخطيطه له، وكان لا بد أن يكون مثل هذا الجهد قائماً، لأن مكنون ما كان، وما هو قائم في نفوس أهل أتروش مفعَّلاً بعمق.
ويمكنني التأكيد في ضوء المثار على أن ” مهمَّتي ” إذ أقدّم قراءة استكشافية لمعالم الكتاب، وأنا أضع التاريخ بشريطه الزمني الطويل، بين ما كان، منذ ثلاثة عشر قرناً، وإلى  الآن، وما هو ممكن التذكير به، وتثبيته على الورق، متجاوباً مع عملية القراءة والمتوخى منها، مهمة لا أحسَد عليها، وما فيها من وجوب تيقظ، لحظة المضي إلى داخل الكتاب، والممكن تثبيته على الورق، والممكن النظر فيه، أو اقتباسه، ومن ثم الإشارة إليه، بغية الحفاظ على توازن معطى البحث.
في الطريق إلى أتروش 
نعم، أتروش الناحية، والأكبر في تاريخها التليد  زماناً ومكاناً، تستوقف قارئها، من خلال هذا الجاري ضخّه معلوماتياً، إيفاء بالمعنى، وما لم يتم الحصول عليه، لأسباب مكانية وغيرها، رغم الجهود المستفيضة التي قام بها المؤلف، في سياحاته المنتظمة، ومسحه الجغرافي والميداني، وتلك اللقاءات بـ” أولي الأمر ” وكل من قدّر فيه أنه يمتلك شارة معلوماتية لتجد مستقراً لها في الداخل المسطور هنا، وما تحسّر عليه، ولم يصبح قبض اليد، لنثره كتابةً.
ماذا يقول باحثنا التاريخي بوتاني حول الكتاب، وبدءاً من حديثه عن ” أتروش “؟:
( تُعَدُّ ناحية ” المزوري ” ومركز بلدة أتروش من المناطق المهمة في تاريخ وجغرافية كوردستان، ومع هذا لم تحظ إلى الآن بدراسة أكاديمية، كما لم تشهد تطوراً عمرانياً على الرغم من أنها كانت ناحية منذ العهد العثماني..)، ولهذا، كان ثناؤه على الجهد المثمر لمؤلفه، حيث ( دفعه حبه وتقديره لبلدته وأهلها أن يضع كتاباً شاملاً عن هذه الناحية)، وما يلي يفصح عن هذه الإمضاءة على الأثر المقدَّم( ويمكن أن يكون هذا الكتاب مصدراً لرسالة جامعية أو دراسة أكاديمية لاحقاً، لما فيه من معلومات جغرافية وتاريخية واجتماعية، وهي أشبه بـ ” مادة خام ” جمعها خلال أكثر من عشر سنوات.. ص 13 ) .
وكذلك لا يخفي الدكتور بوتاني متعة قراءته له، وثمة ملاحظات طفيفة تظهر شمولية قراءته له، في نقطتين:
حيث لم يشر المؤلف إلى أبناء أتروش الذين كانت لديهم أدوار سياسية سلبية تجاه نضال شعبهم- وفي ضوء ذلك، كان عليه الكتابة عن نفسه بالتفصيل، لأن تاريخه الوطني مشرف، ويستحق أن يطلع عليه القراء، إنه جندي مجهول وقائع منسي.” ص 14 ” 
بوتاني يطالب أتروشي في أن يكون شاهداً على الحقيقة، وإلا فإن هذه الحقيقة التي تُموضعه في التاريخ، سوف تشهد عليه، في كونه لم يقم بـ ” واجبه ” التاريخي إزاءها. ذلك مفتتح القول في كل متابعة معرفية، ومختتمها، ولا تاريخ إلا بتعرية نواقصه وثغراته، ومن يحرصون عليها، وبوتاني كباحث تاريخي مخضرم، يذكّرني بما قام به في عمله الموسوعي ” منطقة بادينان: 1925- 1970 “، وهو أشبه بـ ” الدرة اليتيمة ” في هذا المضمار” 1 “، العمل الذي أثار ردود أفعال لافتة، جرّاء المطالبة بالكشف عن الذين اعتبرهم سلبيين وضد بني جلدتهم الكرد.
طبعاً، بالنسبة للباحث أتروشي، ربما كان وضعه مختلفاً، وإن كان الذي ينوّه إليه بوتاني يسمّي تاريخاً لم يجر تنويره، لتصح تسميته بالتاريخ واقعاً، حيث الاختلاف في الموقع، إنما تشكّل الملاحظة الرئيسة في هذا الجانب معتبَرة، وحاجتها إلى الوقت الذي يشكل ولادة لحقيقتها.
أتحدث عن اختلاف التجربة والموقع، وما في ذلك من اعتبارات لا تنفصل عن الواقع، ولعل الذي عاناه أتروشي في ” مسيرته ” البحثية، كما هو مبثوث في مستهل كتابه وأماكن أخرى، جهة الذين لم يتجاوبوا معه، أو يشعِروه بمدد معنوي، يعلّم ويعلِم بما هو متداول.
أتروشي، يترجم جانباً حياً مما هو وجداني أو محفّزه على الكتابة، ما ورد شعراً في التقديم والإهداء، انطلاقاً من ” جمعية أتروش ” في نهاية القصيدة:
الإهداء إلى الكــــــــردي الذي يوحّد الكرد  يجعل الكــــــــــرد دولة في أربعة أجزائها
ثم: 
الحياة رائعة إن انعــــــــــــــــــــدم التشاؤم   الحياة رائعــــــــة إن توافـر السلام والعدل
تُرى، إلى متى يعيش الكرد دون عــــــــدل    وكيف تستحيل أدواء الكرد الأخرى راحة” ص15 “
ويظهر أن الكتابة عن أتروش كانت هاجس الكاتب، كما يقول في البداية حتى قبل هجرته الاضطرارية، كغيره من كرده في إقليم كردستان العراق إلى إيران في ( 20-3/ 1975 . ص19).
ليشير إلى الذين التقى بهم، واستفاد من المعلومات التي قدّموها له” ص 19-20 “.
ولأن عمله يستغرق ماضياً فيه من الكثير ما كان خفياً، أو مبعثراً، أو ناقصاً، ومن خلال تقصّيه للحقائق التي تخص أتروش، وفي ضوء معايشته لتاريخية البحث المتشعبة، أشار إلى تلك النقاط التي تعترض كل باحث في وضع كوضعه، والاعتذار عن ذلك:
في حالة نسيان اسم، أو ما يعادله في الزمان والمكان. أو معلومة غير دقيقة، أو ظهور خطأ ما، والرغبة في سماع ملاحظات عما قام به، ممن تبيّن له مثل هذا القصور، والشكر لكل الذين ساعدوه في هذا الشأن، وأن كتابه إهداء إلى قريته، وفي حال نشر معلومات قليلة حول سيرة بعض الأشخاص، وأنه يتقبل كل ملاحظة موجهة إليه، من قبل أي قروي بصدر رحب… لكنه في الوقت نفسه يشير إلى التعامل السلبي لأشخاص معه، وهو يطلب مساعدتهم، ولأجلهم، ومنهم من ماطل أو تلكأ أو لم يف بوعده في تقديم المنتظَر والمفيد للجميع وليس له وحده ..” ص 22 “. 
إن نظرة فيما جرى تسطيره هنا، تذكّر بما هو شائع أو قائم هنا وهناك، حيث الموضوع فيه من التشخيص الكثير، كون العلاقات التي تمرّر فيها تلك المعلومات التاريخية، وهي ثلاثية الأبعاد بالتأكيد تسمي وقائع حية، أو تستنطق ما هو مسكوت عنه، أو تميط اللثام عما هو خفي، وفي الوقت نفسه، تعرّي حقائق جانبية، لمجتمع كان يمتد في حاضره، فلا يغفَل تالياً، عن تلك القيم أو المؤثرات ذات الصلة بما هو اجتماعي، بطابعه المراتبي، الفئوي، العائلي، المذهبي، أو الثقافي، والتحزبي كذلك، وما في ذلك من وضع ما هو قومي ” كردستاني ” طي المجزأ وتضحية به، وهي الداء الأكبر” كورونياً، إن جاز التعبير” في الوسط الكردي. حيث الحسد، والنبذ من موقع جانبي، والرفض من منطلق انتماء عائلي أو نسَب عشائري أو اعتقادي، يفسِد المسمّى.
وربما من هذا المنطلق أذكّر بما ركّز عليه بوتاني، وما أفصح عنه أتروشي مرفقاً بتحسر. لكأن الذي يتعرض له الكاتب، وكل من يعمل بالتوازي معه، في بحث ميداني جدير بالتقدير، يكون على حساب من يشعر بدونية موقعه، ومنافسة تعتّم على مكانته، فيغلّب الجزئي على الكلّي.
في سردية أتروش الكبرى
يا له من تاريخ متشعب، تاريخ مهيب وغرائبي ضمناً، تاريخ ليس في المستطاع رفع النقاب عنه، لوجود أكثر من خريطة سياسية عن أتروش،  وكون الذين غزو المنطقة، وكردستان في الصميم، سعوا ما وسعهم جهدهم الاستعماري، إلى تشويه معالمها، وليست أتروش استثناء.
حيث إن إلقاء نظرة على فهرس الكتاب( قرابة عشر صفحات، بعناوين دقيقة طي ( خمسة فصول )، إلى جانب ملحق: بارْزينك ( من الصفحة 671، وما بعد)، والعناوين كثيرة، ولكل عنوان ما يترجم محتواه ويثري ساحة المعروض فيه، ويظهِر ثقل كل من التاريخ والجغرافية في آن، وفي الوقت نفسه، يستدعي تبصرة بما هو مثبت كعنوان، وما يصله بسابقه ولاحقه.
لهذا، لا يخفي كاتبها متاعب البحث، وعوائق الاستمرار إلى حيث تزداد صورتها صفاء.
( أتروش بلدة كردية، تقع جنوب شرق الموصل، على بعد 65 كم وعن قضاء شيخان مسافة 19 كم . ).
وثمة علامات فارقة، تمثّل إضاءات لها: ارتباطها بقضاء دهوك ما بين عامي( 1517-1918 )، وبقضاء شيخان إبان العهد الملكي العراقي ما بين عامي ( 1921-1958 )، وكان هناك ما مجموعه ( 116 ) قرية تتبع أتروش سنة ( 1901-1902 )، وحينها كان عدد سكانها قرابة ( 5000 شخص )، وبشهادة مديرها: صديق الدملوجي ( وهو باحث تاريخي كذلك ) سنة 1905، أشار إلى أن أهلها ( يتميزون بالذكاء والطيبة)، وهناك بروز مجموعة من علماء أتروش ومثقفيها وسياسييها، وأن الدكتور” صديق أتروشي ” هو أول من حصّل شهادته من الغرب..( ص 29 ).
طبعاً، ليس في مقدوري أن أمارس مسحاً لعموم صفات أتروش، ومناقبها الاجتماعية وسواها، إذ لا جرْد في هذا المقام، وإنما ما يفصح عن عراقة الاسم وتاريخ الاسم ومجتمعه. وتلك هي النقطة الرئيسة في أي عمل بحثي باعتماد أمثلة أو نماذج تشهد بجانب صواب حقيقة ما . 
وما يستوقف عن حقيقة اسم أتروش، حيث وجّه سؤال عن ذلك إلى ذوي الشأن الثقافي دون تقديم الجواب الكافي. وما يشير إليه المؤلف يضيء خلفية العلاقة هذه، جهة التعتيم على تاريخ الكرد في مناطقه وأهليه، ومن قبل الأعداء الذين قسّموا كردستان( في كردستان الشمالية، جرى تغيير أسماء ” 12211 ” قرية كردية. ومهما حاول المحتلون، لن نستسلم لهم، وسنحبطهم.ص31).
ثم هناك متابعة للاسم، وكيف تعرض لسلسلة من التغييرات ذات الصلة بما هو مكاني وثقافي، ومن منطلق قواعدي لهذا( أصبحت” ئاترش ” “ئه ترووش ” ولاحقاً ” ئه ترووش” وكذلك ” ئاترس ” و”روز” و”روش “. وأنا أرى أن الاسم موجود قبل الميلاد.ص33).
والمكاشفة القاموسية والتنقيبية تظهر جانب التعقيد في المساءلة، سوى أن هناك تأكيداً ما على صلة الاسم بما هو قدسي وسلطوي، ويصله بالشمس، ( صلة الاسم بمن كان يحكم.ص35). 
وهو يشير إلى قِدَم الاسم في ” ناحية أتروش ” عندما يذكر أن ( اسم ” عطروش ” هو اسم لحاكم كان يحكم المنطقة آنذاك. ص21 )
وما يفصح عن تركيبة لغوية في الاسم، جهة إضاءة مكانة مقطع ” ش ” ( والتي تعني الآلهة، كما كانت توضع في نهاية أسماء الملوك لإعطائهم الهيبة والعظمة ..ولكي يكونوا مقدسين أمام شعوبهم، مثل ( كانداش، وبكاش، وكاشتيلياش ) كما ارتبط بشكل كبير بأسماء المدن منها( توثلياش وأتروش )..وهناك الكثير من الاسماء التي لحقت بها ( يش، اوش، اش ) وتتوزع في كوردستان، مثلاً( تروانش، متلاوش،بنياننش، قدش، اروش، أتوش، أتروش، القوش، مانكَيش)، ولا نستبعد أن أصول كل هذه الكلمات واحدة. أما مقطع ( وش ) الموجود في أتروش فلها عدة معان في القواميس المسمارية، تأتي بمعنى( استقرار، نظر، الذهاب..)..ص22 ) .
في السياق نفسه، هناك متابعة للعلاقة بين أتروش وداسن، حيث يتقابل التاريخ والجغرافية، ولا أكثر من الإحالات المرجعية وتباين الرؤى والتفاسير، إنما أشير كمثال إلى النقطة ” 18 ” وبلسان صديق الدملوجي السالف ذكره( والإيزيدية تجمعهم ” بالبهدينانيين ” أواصر اللغة والعنصرية والمنشأ  وهم بهدينانيون ولغتهم البهدينانية التي تفرق عن بقية اللغات الكردية ومنشأهم جبل ” داسن ” وهو جبل المزورية، ولذلك يسمون ” بالداسنيين. .ص39)، وما يعزّز هذا المقام( قدسية داسن في الجلوة نسخة ( المائي ): ( قلب الأرض ( داسن) وقلب ( داسن ) وادي لالش. مجلة لالش العدد ( 6) لسنة 1996، ص111.)…إلخ 
ولعل التوقف عند تلك” المآثر ” الجغرافية، الطبيعية: من جبال وتلال وينابيع وأنهار وغابات وسواها، يوسّع نطاق البحث كثيراً، فتكون القراءة متوقفة على قراءة الأسماء، وليس إيرادها في ” حصّالة ” المكتوب هنا، تعزيزاً لإرادة معرفية لدى من ينشغل بميكروسكوبيات معالم فاعلة كهذه.، كما في ( صص 50-61) ..والأمكنة التاريخية ” ص 75-78″ . 
أشير هنا، جهة هذه القائمة من الأسماء الطبيعية، إلى أنها بالنسبة للباحث المتعمق، تكون معتبَرة، كونها شواهد على جماليات الجغرافية، وتأثيرها في المناخ الاجتماعي والثقافي، وفي تلوين تلك السياسات التي اعتمدت من قبل الذين داهموها، وهي تضاف إلى سجل الموقع استراتيجياً، وكذلك ما يؤخَذ بعين الاعتبار، من الناحية الأدبية والفنية كمعززات استلهام تخيلية للمبدع بجلاء. 
ليكون هناك كشف عن البصمة التاريخية عن دور الداسنيين في جغرافية المنطقة، كما في هذه الشهادة التاريخية( إن الداسنيين تركوا اسمهم على الأماكن التي سكنوها مثل جبل داسن في الهكارية في بهدينان و” بي طاس ” أو بيت داسن..هتد”1 “ويذكر أبو التاريخ هيرودوت في كتابه الأول بقوله: كان الشعب المادي ينقسم إلى ست قبائل.. منهم بارتاسني ” 2 ص 24 “. وعند احتلال نينوى سنة 612 ق.م شارك الداسنيون معهم” الميديين” في احتلال المدينة.”2، ص 36 “. ص 84 ) .
المأتي على ذكره يضفي على المكان الجغرافي طابعاً من المأثرة الجغرافية، وهي مأثرة لا تنفصل عن التجذر الحضاري من قبل أهليها كردياً، وما في هذا السياق من عدم استقرار، على خلفية من الأهمية الطبيعي والحيوية للجغرافية، والصراعات التي شهدتها، منذ أقدم العصور.
لا شك أن الحروب لا تنفصل عن القيمة المعطاة لأي شهادة تنصب على المكان وألسنته وجهاتها بالمقابل، وتلك الآثار التي تحتفظ بسجلاتها التاريخية ومتضمناتها، وما يشير إليه الآثاري البريطاني هنري لايارد” 1817-1894 ” بالمقابل، حديثاً، يضاف إلى ما تقدم ذكره في الأهمية، وهو معروف بدفاعه عما هو تاريخي وآثاري، وبصفته صديقاً للإيزيدية، ويعرَف باكتشافاته الآثارية في المنطقة ” سهل نينوى، مثلاً “، ومن ذلك قوله، عن طبيعة بيوت القرية الكردية” خالوني”( كانت البيوت المبنية من الحجارة.. وقرون الماعز الجبلي تزين الأقواس الصخرية فوق أعتبة منازل هذه القرية المحاطة ببساتين العنب. ص86) . 
من المؤسف أن أي إشارة إلى المواد المستخدمة في البناء، تقدّم شهادة أخرى عن تلك العلاقة بين الوعي السكاني للمكان الطبيعي وتضاريسه، وتحضرهم، من خلال المواد التي يمتزج فيها الطبيعي بالمصنع، ومن ثم تلك الصورة المركَّبة، من الحالتين، والاهتمام براحتهم. 
وفي مسار آخر، لحظة الحديث عن طواحين مائية، تمثّل عنصراً معرفياً، يحوَّل فيه ما هو طبيعي إلى ما هو ثقافي، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، وثمة أمثلة حول ذلك” ص 92 “. 
ومن باب الربط بين الذين كانوا يتآمرون معاً، على صعيد معاداة الكرد، ما أشار إليه المؤلف عن محاولة البعث العروبي السوري، دعم النظام العراقي في ستينيات القرن الماضي ( الشهر العاشر سنة 1963، مع هجوم عسكري لجيش يرموك، بقيادة فهد الشاعر، إلى سهل أتروش وشمكاني. ص 94) . ويفصّل في ذلك تالياً، في الفصل الثالث من كتابه هذا..
ولعل سعيه وراء جهوده المتعددة المصادر والإحالات التاريخية والجغرافية، هو الوصول إلى أمرين اثنين: 
أولاً، عراقة المنطقة، وهي بطابعها الكردي.
ثانياً، استماتة الكرد اليوم في الدفاع عن تاريخهم ذاك، وهويتهم القومية.
وليكون هناك ربط بين ما كان وما هو حاضر ويتجه إلى المستقبل، في توأمة ثقافية، وتثبيت ما هو مقروء هنا وهناك، أي ما يأتي بالعربية( إن كردستان هي موطن لأقدم الأقوام في العالم، وتعتبر العمود الفقري للشرق الأوسط، ففي قلب آسيا تمتد بين البحر الأسود وبلاد ما بين النهرين من جهة، وما بين شرقي طوروس وسهل إيران من جهة أخرى، كما أن كردستان هي مهد الحضارة فـ” جرمو ” في وادي جمجمال هي أقدم قرية في الشرق الأوسط.. ص 97 ) . 
معايشات في قلب الواقع المفتوح
باحثنا أتروشي لا يخفي حماسه المعرفي لموضوعه، وهو يوسّع في محتواه، لأنه من صلبه، وكونه يتحرى أصول تاريخه، مما يدفع به إلى أن يستزيد مما ينشغل به، فيصل ما بين ما هو طبيعي وما هو مصنّع، بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي وثقافي، في لحمة واحدة، فلمل عامل طبيعي، اجتماعي، سياسي، اقتصادي، ثقافي، وفني لسان حاله، وموقعه في التصريف الحضاري على أرض مؤهَّلة لمثل هذه العلاقات، وما ينبني قانوناً معبّراً عما هو تنظيمي للمجتمع.  “
حين يفرد مساحة للمهن” ص 133″ ويأتي على ذكر المعروفين في هذه الخانة المتعددة المنازل. وتلك المراتبية في العلاقات الاجتماعية، كما في حديثه عن مكانة عشيرة ” المزورية “حيث ( يتقدم رئيسها جميع رؤساء القبائل في مجالس الأمير..ص137) . 
وما يخص الحياة الاجتماعية ” ص 145″ إلى جانب الصور الداعمة للفكرة المطروحة.، وأسماء العائلات المعروفة في المنطقة” ص 151 “. ليقول ما هو حسابي، في التفاعل الاجتماعي، بأن منبت جميع عائلات أتروش جهة القرابة واحد . ص 157) . 
وما يخص عدد القرى الملحقة بأتروش” 120 قرية ” ” ص 162 ” .
وما يدخل في باب الطرافة، وعلى صعيد التوثيق، بصدد دخول السيارة إلى أتروش ” سيارة من نوع شوفروليه ” لمحمد حسن أبو حميد محمد حسن، سنة 1954 . ص 183 ) . 
معلوم، أن الحديث عن السيارة، هو انفتاح على العالم الخارجي، وتعبير عن معايشة مدنية أيضاً، ورؤية السيارة كمنتج صناعي حديث” غربي ” يؤثر في الأفكار ويعمّق صلتها بالمكان . 
وكذلك الحال مع الحياة الإدارية والثقافية ” ص193 ” وهو باب واسع يشهد على ظهور جمهرة كبيرة من رموز الإدارة الثقافة في أتروش، بالأسماء والصور، فيقول أنه في ( سنة 1761 م، كان هناك معهد علمي ديني ، واستمر خمسين عاماً. ص 193 ) . 
هكذا الحال في الفصل الثالث: الحياة السياسية والنشاط السياسي لغاية 14 تموز 1958 ” ص 221 “.
الحديث يتجذر مكانةً من خلال التأكيد على العمق النضالي لأهل أتروش تعبيراً عن كرديتهم.
إنما ما لفت نظري، هو تلك الصورة الواضحة بملامحها، لرمز النضال العالمي: نلسون منديلا، وفي الصفحة ” 222 ” صورة وجهية تواجه الناظر، وفي الاسفل عبارة مسطورة بالعربية لها دلالتها الصارخة، أوردها لأهميتها( لا يدافع عن الفاسد إلا فاسد، ولا يدافع عن الساقط إلا ساقط، ولا يدافع عن الحرية إلا الأحرار، ولا يدافع عن الثورة إلا الأبطال، وكل شخص فينا يعلم عما يدافع ).
السؤال المطروح: ما موقع هذه الصورة والعبارة التي تسمّي منديلا في إعراب الكتاب كردياً؟
لا بد أن ذلك يستدعي ما تردد في البداية عن الذين ينسلخون عن تاريخهم، ويعادون شعبهم، ويدخلون في طواعية الأعداء، وما يشكل وصمة عار لهم، أو سبّة تاريخ قائمة. أي ما يعزز مكانة الحقيقة في التاريخ، وكيفية التأكيد على ما هو قومي، وهي بلاغة يُعتدُّ بها. 
في هذا القسم، الفصل، نقرأ كما نشاهد عشرات الأسماء والصور التي تخص الكرد الأتروشيين الذين جسّدوا تلك الكردية المقاومة جغرافياً وتاريخياً، معلمين، بيشمركة، وشهداء القضية القومية أيضاً، وفي صفحات تترى ” صص 221-363 “
مساحة واسعة وعميقة المعنى، ومكثفة بالأسماء المذكورة، وتلك اللقاءات مع الذين عبّروا عن هذه العلاقة النضالية، ومن ضحوا بدمائهم في تلك الأيام الصعبة، وما يعنيه النضال ضد الساعين إلى محاولة النيل مما هو كردي، ومن سعوا إلى محاولة تعريب المنطقة” وثيقة، ص 353 ” وما يجعل من ” الأنفال ” في تاريخها السيء الصيت عار النظام البعثي العراقي ” سنة 1988 “، وما يضفي على الكتابة بُعداً ملحمياً، ومكاشفة ما ينير هذا الجانب.
من ذلك استشهاده بقول للشاعر السوري المعروف أدونيس( كنت أتمنى من الله ألا يطالب الكرد بقراءة القرآن، لأنهم عندما يصلون إلى سورة الأنفال سيموتون جميعاً . ص 356 ) ” 2 “
أتروش في ظل حكومة إقليم كردستان
طبعاً، أول ما يمكن التفكير فيه، هو ما سعت حكومة الإقليم إلى تفعيله من نواحيَ مختلفة، وبدءاً من ( 5-3/ 1991 . ص 365 ).
ولعل أول خطوة متوقعة، تتمثل في إعادة الأمور إلى نصابها من جهة مصادقة الواقع: التخلص من الآثار البغيض لنظام البعث، كما في ( إعادة أسماء قرى أتروش التي عرّبت إلى سابق عهدها.) وهي كثيرة، حيث جدوَلها المؤلف ” صص 365 -367 ” . 
في السياق نفسه ترد قوائم اسمية للذين مارس النظام البعثي ظلماً بحقهم في طردهم من الوظيفة، أو نقلاً لهم إلى أماكن أخرى، وما في ذلك من إجراءات تعسفية وعنفيه” مثلاً، صص 466-468″.
ومن باب التأكيد على مدى تعلق أهل أتروش بالعلم وارتقائهم فيه، ثمة قائمة طويلة تسميهم في تحصيلهم الجامعي العالي ” صص 570-574″ وكذلك في نضال العمل العسكري والمراتب المختلفة ” صص 575-578 ” وفي الجانب المدني، الهندسي ” صص 578580 “…إلخ. 
وما يرجع بنا إلى الوراء قليلاً في زحام البحث عما هو وثائقي، ولإكمال” مشروعه ” المقدّر وهو وطني وقومي، نقرأ تلك الشكوى الآلمة له، والتي تمثلت في مواقف الذين تجاهلوا نداءه وغضوا الطرف عما كان يسعى إليه، طالباً مساعدة من كان يرى فيه عنصر دعم، وليحص العكس،وهو يسمّي أحياناً من له صلة بما يقول مع تثبيت التاريخ ” صص 629-631 ” 
تُرى، كيف يمكن معاينة حالات كهذه؟ أهو قصور في رؤية الجاري، أم ترجمة لما هو أناني يصب في خانة الانقسام في الذاكرة الجماعية، وتفضيل العائلي، العشائري على سواه؟
بعيداً عن أي تسمية، أشير إلى أن ذلك لا يقتصر على إقليم كردستان العراق، إنما يسمّي جهات كردستان الأربع، حيث الوعي القومي الكردستاني رغم سماع هذه الصيغة في مناسبات مختلفة، وفي مجالس مختلفة، إلا أن الواقع العملي، وفي النطاق الثقافي لا يخفي بؤسه .
وكأن المدفون في باطن الأرض، أو الجاري التعتيم عليه، يرسل نداءات الاستغاثة، ليبصر النزر، لكأن ” صرخة جلادت بدرخان بك ” حيث نتذكر صحيفته المعروفة ” لاتزال قائمة.
في الملحق، وثراء الملحق
هناك رصيد تاريخي، معلوماتي وموثق في الملحق، ويضيء ما أشيرَ إليه سابقاً. ولا غنى عن قراءته صفحة صفحة، وأحياناً كلمة كلمة، لأهميتها، وهي تقرّبنا من الواقع نفسه.
نقرأ نصوصاً شعرية، ووثائق، وشهادات، وأقوالاً، وهي تتكامل فيما بينها. 
إن ما نقرأ في مستهل قصيدة ” أتروش ” تعزيز لوقع التشبث بما هو كردي:
منزل الآباء والأجداد  الحاذقين والعلماء والخبراء
البيشمركة والعمـــال  موطــــــــن الشهداء والآثار ” ص 683 “
وما لفت نظري في هذا النبراس الكردستاني، هو حديث المؤلف عن فناننا الكردي الكبير محمد شيخو، وما يعرَف عن كردستانيته، كونه غنى لشعراء ينتمون إلى أجزاء كردستان الأربعة، ومثّل صوته وموسيقاه نبض الكردي المطالب بالحرية والمدافع عن قوميته المحارَبة.
والمهم والمؤثر هو حديثه عن الشاعر الكردي المعروف مصطفى تروشي الذي رفد صوت نظيره الكردي شيخو بـ” 24 قصيدة ” فكانت شهرة الاثنين، إنما وحدة الصوت والكلمة، ومن ذلك:
كَافا ئه ز مرم-خودا حافيز-تويى روميو ئه زم جولين-ره فندم-دلفينا من-سى زه ري هاتنه به ر ده ري- تويه كويستان ئه زم كه في- شيرى شيرا فيتنام وكوبا – زه نكّلا زيري.. ” ص 862 “.
” الصورة تشير إلى فناننا الكبير محمد شيخو وصديقه وابن الكاتب. التاريخ يتكلم هنا “
اللافت أيضاً ” وما أكثر ما يلفت النظر، جهة ما يُعتد به، وما يتأسف له كذلك ” هو ما جاء باسم جمعية أتروشي، ناحية أخطاء الكرد الكثيرة، وفي نص شعري، من ذلك
لدى الكرد أخطاء كثيرة سوف أسمّي عشرين منها في الخاطر
” ضريح فناننا الراحل محمد شيخو، في حي الهلالية، غرب قامشلو، كما هو معروف، بجوار شاهدته أخوه الفنان بهاء شيخو، ومسطور على الشاهدة التالي:  عندما أموت أيها الأحياء-لا تدفنوني كالآخرين-احفروا قبري في ظل الجبل-نبّهوني في كل آذار-لأقيم فرحاً لأجلنا جميعاً “
تتسلسل الأخطاء بدءاً بغياب مربّ ومحبّ للكردية، وهمّ كردستان، والصراعات الحزبية، والاستخفاف بما هو كردي، وصواب الموقف، والتناقضات القائمة، والتباهي بالألقاب، وعدم الاتعاظ من التاريخ، وعدم الثبات في الموقف والاستقامة، والاستكانة للأعداء، ونسيان النكبات سريعاً، وإهمال القراءة، ومفارقة قراهم سريعاً، وعدم الاهمام بآثارهم، وعدم الاهتمام بالبيئة، وينشدون الطعام الشهي وليس الصحي.. “
“صورة شاعرنا الكردي الكبير مصطفى أتروشي، في تربية أصفهان إيران “
لا شك أن هذه الأخطاء تشكل خلاصة تاريخية وجغرافية اجتماعية، وتسجيلاً دقيقاً للكثير مما يترجم واقع الكرد إجمالاً، واستمرارهم من هزيمة إلى أخرى، وعدم تفاعلهم مع بعضهم بعضاً. 
مع ناحية أتروش
هذا الجزء، أو الكتاب الآخر استكمال آخر للكتاب الأول الأكبر حجماً والأكثر احتواء بالمعلومات التي انبنت على ما هو وثائقي وأرشيفي وبحثي ومتابعات ميدانية كذلك. 
الفهرس، من جهته لا يخفي ثراءه في عناوينه الكثيرة وشهادتها على قِدَم المكان ” أتروش “.
وما يستهل به أتروشي لمؤلَّفه عن أتروش، هو استدعاء التاريخ شاهداً على عراقة المنطقة الكردية، ومن هم أجداد الكرد، كما في حال الكوتيين، وجانب الثراء في موطنهم.
وما يُرفَق بما يقوله هنا وهناك، أي ذلك الحبل المشيمي الجغرافي- التاريخي الواصل بين أولئك وأحفادهم، وتلك الدماء التي تسيل دفاعاً عن وحدة المكان، ومن ذلك استشهاده بقول للكاتب الألماني كارل ماي( 1-ص 51 ) ( إن رائحة الدم والقرى المحروقة ترتفع من أودية كوردستان لتصل إلى عنان السماء. إن حياة المرء في هذا البلد وحريته وممتلكاته معرضة دوماً للتهديد وهو أمر يندر وجوده في أية بقعة أخرى على سطح الأرض . ص17) ” 3 “
تلك حيلة المثقف المأهول بتاريخه، وحرصه على قوميته، وما يشير به إلى المتوخى لو أنه تحقق لكان هناك مسار آخر في حياة الكرد، وهو يستشهد بخاني الشاعر الكردي الكبير:
ولم لا يكون لنا أيضاً
وطن وملك ولو لدينا ملك
ولما انتصر الترك علينا
وحل بنا الخراب. ” ص 19 “
تالياً نتابع معه وما كتب عن أتروش، كما نوهت إلى ذلك سالفاً. حيث يأتي هنا ترجمة بالعربية للوارد هناك بالكردية، وبعيداً عن تلك الصور والجداول الكثيرة والمهمة التي عرِف بها الكتاب السالف، وما في ذلك من جهد آخر ترافق مع الجهد الأول.
والملحق نفسه جاء مختصراً ” صص 201-326 ” ، من ذلك، في الملحق الأول” عدد من الحوادث في عشيرة المزورية ومعلومات أخرى. ص 301- 307 ” والملحق الثاني” توزيع اليهود في كردستان الجنوبية. صص 309-311 ” 
في هذا الجزء، يسهل النظر في الكتاب، وتتبع معلوماته الموزعة بين فصوله الأربعة، ولسهولة حمله، وتقليب صفحاته، والتركيز على كل معلومة واردة، وبلورة فكرة عامة عن الكتاب تالياً.
التاريخ الحديث يواجهنا بالكثير من المآسي في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة، وكيفية الزج بالكرد في مشاكل جانبية، أو الحيلولة دون استقرارهم، طبعاً، ذلك يتجاوب مع بنية الدولة العراقية الحديثة قبل قرن ونيف، أي ما يجعلها دولة دون الدولة، ونظاماً سياسياً أبعد ما يكون عما هو سياسي بمفهومه الحديث، وخاصية الحديث التي التبس المعنى فيها خلاف المتداول غربياً (إن دولة العراق الحديثة التي شكلتها القوى الامبريالية بعد هزيمة الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ما هي إلا الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من البنى السياسية التي أقيمت على ضفاف نهري دجلة والفرات والمناطق المحيطة بهما ) ” 4 “.
وربما كان النظام البعثي وفي شخص من طينة صدام حسين التركيبة الأكثر جلاء بعنف القائم سياسياً في تصفية الخصوم، أو من هم خارج ” مستعمرة العقاب ” البعثية،، وكما هو منشود بالمفهوم القومجي العروبي أي (من وحشية صدام التي بلبلت العرب كما يذهب مكية إلى وحشية داعش كما أرى يمكن قراءة المختلف والمتشابه.) ” 5 ” 
وما يبقي الكرد في وضعية ” حيص بيص ” أي الاستمرار في ” الـأحبولة ” الجغرافية المركَّبة من قبل متقاسمي كردستان والكرد ضمناً، وهم لا يهدأون في مقارعة أعدائهم، وهم لا ينفكون يتعرضون لمكائد وشدائد وضغوط وغزوات والسعي إلى التنكيل فيهم، فيكونون بين ثورة وانتكاستها، لتكون كردستانهم بحق ( أرض الألف ثورة والألف حسرة ) ” 6 “
ذلك من شأنه أن ينعكس قلقاً على أهل السياسة الفعليين، إنما على المثقف الفعلي، أو من يعمل في الحقل الثقافي، وتلك الضغوط التي يتعرض لها، مما يمركز سلطته، ويعزّز في نفسه تلك القوة السلطوية التي يواجهها خارجاً، وحائلاً دون ظهور المثقف الفعلي، المثقف الناقد لأخطاء مجتمعه والسياسية منها في الواجهة، كما تلمسنا ذلك في قصيدة العشرين خطأ أرتوشياً.
كل ذلك يصب مصب الساعين إلى تعميق أثر التخلف وتنميته، وتغذية ذاكرة الكراهية مجتمعياً.
وما يحول دون ظهور المؤرخ الذي يشعر بعدم استقرار الأرض من تحت رجليه، وفيه توق إلى معاينة الخلل القائم، وتقديم ما هو تاريخي، فيكون هو نفسه داخلاً في خانة اللااستقرار نفسه  (المؤرخ متجاذب بين ذاكرة ماضية ومخيلة مستقبلية، والحاضر يقف بينهما كنقطة توازن أو نقطة ارتكاز. )” 7 ” تحت وطأة هذا الضغط عليه من الخارج: رغبته في أن يقدّم رؤية صحيحة لا تخفي مبضعها النقدي في مكاشفة ” الجرح السياسي – التاريخي ” إثر معايشته للمستجدات الثقافية خارجاً، وصدمته للمهدّد له بعدم تجاوز حدوده ” الخطوط الحمراء ” الموضوعة أمامه مباشرة، أو المنبَّه إليها من جهة المعنيين بإدارة الأمور من حوله .  
ولعل لدى باحثنا مصطفى موسى أتروشي، مثل هذا الشعور المركّب ومأساته كمثقف، في الوقت الذي يأتي كتابه هذا ترجمة لجوانب حيّة في وجدانه الحي، وتوقيعاً له على تاريخ، يريده ناطقاً بما هو مؤثر، ويوسّع الطريق إلى حياة تتميز بالمكاشفة والمصارحة بالحقيقة، وهي التي تكفل بحضور التاريخ، وتنوير مقامه، ومصادقة الواقع المجتمعي مدنياً.
مصادر وإشارات:
1-الأستاذ الدكتور عبدالفتاح علي البوتاني: منطقة بادينان 1925-1970 ” دراسة في الوقائع والتطورات السياسية ” تقديم الدكتور: عدنان عودة عبّاس، منشورات الأكاديمية الكردية، أربيل، 2017، في جزئين، الأول يستغرق الفترة الزمنية ما بين عامي: 1925-1958،ويقع في ” 634 صفحة “، والثاني يستغرق الفترة الزمنية المتبقية، ويقع من جهته، في ” 810 صفحات ” ومن القطْع الكبير.
2-أشير إلى أنني، وكوني أعمل بصفة باحث في مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية، جامعة دهوك، سئلتُ عن قول أدونيس هذا، حيث كان مؤلف الكتاب يتردد على إدارة المركز، وينضّد كتابه فيه، من قبل زميل العمل في المركز الأستاذ خالد توفيق، أي التدقيق في معلوماته.
3-للمزيد من المعلومات، ينظر في : ” دراسات الأوربيين عن الإيزيدية ” والصادرة معاً وفي طباعة أنيقة وضمن بوكس جميل ، عن مركز لالش الثقافي والاجتماعي ( مطبعة هاوار- دهوك- 2023 )، إعداد وتقديم داود مراد ختاري، الجزء الأول: هنري لايارد والإيزيدية ” علاقته بالإيزيدية ( حسن بك، بابا شيخ، قوال يوسف وعائلة ميسكي زازا). وما يخص كارل ماي” 1842-1912 “، وخاصة روايته ” عبر كردستان الوعرة، في هذا الجزء ” ما بين صص : 371-550 ” .
4-جاريث ستانسفيلد ” باحث انكليزي”: العراق ” الشعب والتاريخ والسياسة “، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتجية، أبو ظبي، ط1، 2009 .ص 17 .
5- كنعان مكية: القسوة والصمت ” الحرب والطغيان والانتفاضة في العالم العربي”، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا،2005،ص 280 .
6-التعبير للصحفي الأميركي جوناثان راندل، في كتابه: أمة في شقاق ” دروب كردستان كما سلكتها ” ترجمة: فادي حمود، دار النهار، بيروت،ط2،1999، ط1، 1997 ، ص 15 .
7-وجيه كوثراني: الذاكرة والتاريخ في القرن العشرين ” دراسات في البحث والبحث التاريخي ” دار الطليعة، بيروت،ط1، 2000، ص 26 .
ملاحظة، من كاتب الكاتب: صدر هذا الكتاب قبل شهور. وكنت أتهيأ له للكتابة عنه، دون أن أفلح نظراً لمشاغلي ذات الصلة بعملي في مركزي البحثي، والتزاماتي البحثية الأخرى التي تمتد إلى خارج الإقليم.
وما كتبته، ربما لم يف كتاب باحثنا مصطفى موسى الأتروشي حقه، نظراً لثراء محتوياته. سوى أنني أردت تأكيد واجب معرفي أجدني ملتزماً بأداء فرْضه.
ذلك أنني تابعت الكتاب وهو قيد التنضيد والإخراج في مركزنا، كما تقدم، وكنت أقرأ أحياناً حيث يجري تسطيره من قبل زميلنا مدير الإدارة، الأستاذ: خالد توفيق آميدي، وتابعته حتى خروجه مطبوعاً، وبين الفينة والأخرى كنت نتناقش ونتحاور حول الموضوع وما يصله من موضوعات أخرى هي هموم الكاتب، مع مؤلفه. وأعترف أنني كنت أتحاشى أحياناً الحديث عن الكتاب بعد نشره، حيث نلتقي في المركز، شعوراً ضمنياً مني، أن الكتاب يستحق تنويراً، على الأقل، وطرحه في مقال، ولو في عناوين سريعة، حباً بالمكان الذي ينسّبنا إليه، ووفاء للكلمة الجامعة .
وحين أصل إلى هذه النقطة، لا أشعرني ممتلئاً بهجة، وأنا أتنفس الصعداء، إنما على الأقل، أشعرني أقل تعرضاً للضغط جهة الواجب المعرفي، وقد جرى سَدَاد دِيْن ما، إشعاراً بأن هناك ما ينبغي التوقف عنده، أن هناك ما يستحق التوقف عنده إن أخلصنا له، تقديراً للذين جسّدوا الكلمة ذات الرصيد الاعتباري: القومي الكردي، والجهر بحقيقته، لعل نهار التاريخ يصبح أكثر صفاء.
شكراً لباحثنا الأتروشي على نفيس ما جاء به قلمُه ومازجه ألمُه، وهو علَمُه !
دهوك، في 9-12/ 2023 …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…