بطاقة حمار

إبراهيم محمود

ليَ في الحيوانات ذات الحوافر حمار
خفيف الروح بظلّه المتوَّج بالسكَينة
صريحٌ بنهيقه
نهيقه منغَّم على قياسه
صريح بعناده كصخرة عارية 
صريح بوحدته كريح تصادق أصولَها
صريح بمشيه كشجر لا يضل طريقه عميقاً
حكيمٌ كنبع متصالح مع مائه العميق
رشيق بما لا يقاس في قرارة نفسه
حيث تلتقط أذناه المرهفتان أدق الأصوات
وهي تختزن في كامل جسمه
صريح بكامل جسمه دون ستار
لا يتحرك أبداً وراء ستار
حمار اسمه حمار
لا اسم حركياً أو لقب له شأن كثيرين
اسمه بالكامل حمار
إنه حمار فقط
لا يُسمي نفسه أبداً
لا أبعدَ منه عن التعريف بنفسه حيواناً آخر
لا أبعد منه عن الألغاز
اسمه في مسماه
بعيداً عن خزعبلات الاسم الثلاثي
أينما كان يبقى الحمارَ نفسه
لا يحب الأضواء
هل رأيتم حماراً يعتلي منصَّة؟
عصيٌّ على الترويض
هل رأيتم حماراً في سيرك؟
لا يحب الإطراءات
هل رأيتم حماراً يرقص ؟
لا يحب الحديث عن نفسه وحماريته
هل رأيتم صفحة فيسبوك حمارية؟
ليس لديه أي صورة سيلفي
هل رأيتم حماراً ينظر إلى نفسه في مرآة ؟
يسكن إليه خيالي
إذ تعلمتُ منه الكثير الكثير 
وهو بشفافيته حيث يتبارك الهواء بشعره الخشن قليلاً
ويصبح أكثر ضبطاً لهبوبه
يسكن إليه خيالي
وهو في كلّيته فعل
ساعة الزمن موزعة في كامل جسمه
واحد في جسمه المستطيل
ذيله مع رأسه
رأسه مع ذيله
أسفله مع أعلاه
هلّا تخيلتم بدعة هذا التآلف؟
إذ يمارس هوايته مخفّفاً الوحشة عن العشب
يستحم في هواء المكان
يؤتمَن عليه
لا وساطة تلزم لمصافحة اسمه
أو لملامسة وجهه الأقرب إلى قصيدة الهايكو
ربما يكون بورخيس قد استمد قريحة خياله من هيئته
هوذا الحمار الذي تستغرقه حماريته 
مطلقاً العنان لخياله الحيواني
ليس لديه مواهب 
ليشارك بها في المناسبات
الطبيعة وحدها ساحته الكبرى
لا حاجة له لمَا يثبت وجوده
إنه منغرس بكامله في الوجود
هويته حيث يُرى ويُسمَع 
خيال خصب مجنّح
لا يخرج عن طوعه
لا محل لنجمة شاردة في حمَى خياله
لا فراشة تحلّق في الجوار على تخوم خياله
خيال يُسمّيه وحده
محرّكه وجهٌ حماري ليس غيره
أنثاه حيث تسكِنه في أبدية الحيوانية الخاصة بنسله
ليس لديه سوى حماريته
يشغل بها ليله ونهاره
تاريخ مكتوب على ظهره 
مهذّب أكثر من كثيرين ممن يزيّفون أنفسهم 
لا يحتاج إلى شهادة تثبت إخلاصه لجنسه
لا شبهة تُذكر في علاقاته مع حيوانات أخرى
ليس لديه عروض 
ليعلِم الآخرين بمدى قوته 
أو علامة سخرة
لعله في قرارة نفسه يسخر من بني جلدة الداب على اثنتين
حدوده محمولة على ظهره
وهو يزعم أنه مالكه
ذاكرته بحجم احتياجاته
لا يخفي شيئاً في داخله، كما قلتُ
تسكن الأرض إلى هدوئه
القناع عدوه اللدود
لا يحب المزاح إلا للضرورة القصوى
لا يحتاج إلى فرشاة ليبيض أسنانه
متواضع إلى درجة ملامسة الأرض
دون أن يصدر ضجيجاً
لم يقِم بحركة عارضة يوماً
ليأخذ الآخرون بوجوده علماً
لغته في هيئته دون رتوش
لا يشغل نفسه بما لا يعنيه
حدوده حيث تقوده حماريته 
يولد هادئاً
ويموت دون نعي يُذكر
لا حاجة له إلى نعي كسواه
ملؤه طمأنينة أنه عاش حياة تليق به
دون أن يشغل نفسه بكل ما يقال فيه وعنه
وحدها الحياة الحقة تعرفه حق معرفة
ماذا لو خلت الحياة من الحمار؟
ذلك يكفيه فخراً في سلالته
وهو بالحياة الموهوبة له
يعني:
يكفيه أنه :
يولد حماراً
يكبر حماراً
يموت حماراً 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

“كنتُ قصيدةً تائهة” – للشاعرة شيرين دريعي

هناك نصوص لا تُقرأ… بل تُرتَجَف

وقصائد لا تُنشَد… بل تُبكى في القلب.

“كنتُ قصيدةً تائهة”… ديوانٌ نسجته أنثى من خيوط الغربة، وبقايا الحنين، ونبض القلب حين يخذله الحب، وتخذله الحياة.

هنا، لا تكتب الشاعرة الشعر، بل تكتب نفسها، بكل ما فيها من شروخ وهمسات، من خوف واشتهاء، ومن ضياعٍ جميل يبحث…

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…