فرمز حسين
هو عنوان المجموعة القصصية التي نَقلتُها إلى العربية و لوحة الغلاف للصديق الفنان سعد حاجو. المجموعة الآن قيد الطبع عن دار ميزر للنشر في مدينة مالمو السويدية و بموافقة من دار نورستيدت صاحبة حقوق نشر مؤلفات داغرمان. المجموعة تضم قصصاً لنخبة من الكاتبات و الكتاب السويدين الكلاسيكين الكبار:
في قصة عربات القطار الحمراء لستيغ داغرمان: شاب يعاني من الهوس و الذهان، تختلط عليه الأمور أكثر و يفقد توازنه مع رؤيته قطار يعبر كل ليلة من تحت نافذة غرفته و تعلو عرباته رسوماً حمراء مرعبة ، هذه الرؤية تحرك رغبات الشر و الجنون الكامن في دواخله و تزداد عنده رغبة التحول من متلقياً للصدمات ومن دور السندان الذي كان عادة يرى نفسه فيه إلى لعب دور المطرقة . ستيغ داغرمان يتابع نهجاً كافكاوياً مع هوس بطل قصته و كأنه في وحدته ،بؤسه ،خوفه ، قلقه و سوداويته يندمج مع ثلاثية العزلة في روايات كافكا :القلعة ، أمريكا،المحاكمة. في قصة المحكوم عليه بالاعدام: انعكاسات سلوك رجل بريء تنقذه و عكة الجلاد الصحية و اغماءه من تنفيذ حكم الاعدام فيه لكنه بدل الشعور بالسعادة و الاحساس بالفرح و نشوة النجاة من الموت المحقق يبقى سجين طقوس العزلة التي صنعها لنفسه و انسجم معها في السجن أثناء انتظار اعدامه .
في قصة ألعاب الليل لداغرمان أيضاً: “أوكي” الصبي الصغير الذي يعاني من الخوف و القلق و هو يسمع على الدوام نحيب أمه من جراء ادمان والده على شرب الخمر يبقى مستيقظاً في سريره في الليالي طالقاً العنان لخياله ليقوم بدور المنقذ لأبيه الثمل الذي ينفق جُلَّ ما يجنيه من عمله كدهّان في الشرب. “أوكي” يأخذ على عاتقه في أحلامه انقاذ أبيه و احضاره من الخمارة التي يعتادها بدل ورشة العمل و بذلك يضع الأمور في نصابها. في قصة المحاكمة: يمتثل بيتروس “ج ” أمام القاضي بعد أن يتم القبض عليه متلبساً و هو يقود كاسحة جليد استولى عليها متأثراً من زحمة الأفكار في خياله و توارد الخواطر في ذهنه حيث خيل له في ذلك الحين بأن كل شيء يطفو على سطح الماء و عليه أيضاً أن يفعل ذلك. كلب تقصي الحقائق يقود بتروس”ج” ليلتقي بمن تم معاقبتهم على أفعالهم، كل ذلك قبل أن ينطق القاضي بالحكم عليه. في مأساة بسيطة لداغرمان أيضاً: ساعي بريد يغرم بسيدة جميلة أثناء القيام بتوزيع الرسائل، يخفي الأمر عن زوجته، لكنه يتشجع بعد حضورهما فيلماً في السينما تدور أحداثه حول قصة حب ممنوع منذ زمن بعيد و تصارحه زوجته بأنها تحب أن تسمع عن مآسي الماضي الكبيرة. في أيام زمان: الخادمة الحامل و التي على وشك الولادة لا تريد أن تنفذ أوامر سيدها التاجر العجوز وتخشى الخروج في ذلك الطقس البارد لتذهب سيراً على الأقدام الى بستان الفلاح و تبلغه بأن والدته قد فارقت الحياة حيث وجِدتْ متجمدة على درج سيدها التاجر منذ أكثر من يوم مضى و هي الآن جثة هامدة في إحدى الغرف الباردة عندهم. تضرعت إلى الله في قرارة نفسها و تمنت أن يأتيهم زائر ما. في ذلك الوقت كان رجلاً يحملاً سكيناً في يديه يتربص للدخول عند البوابة، لم تكن الآلهة قد أرسلته تلبية لدعاءها بل كان قد قدم من مقاطعة أخرى بعيدة و سار لعدة أيام باحثاً عن شخص ما ليقتله، شخصاً لا أحد يشعر بغيابه و لا أحد يفتقده.
في قصة المتعقب لكارين بوي:امرأة شابة تلمح شخصاً و تشعر بأنه يتعقبها وهي في أشد حالات اليأس و فقدان الرغبة في الاستمرار بالعيش و كانت قد قررت الانتحار. ظنها كان في محله و الرجل كان يلاحقها فعلاً لكنه لم يكن يضمر لها شراً بل على العكس من ذلك و حوار قصير معه كان له ذلك التأثير الكبير الذي جعلها تعدل عن رأيها و لاتقدم على ماكانت عازمة عليه. و بدأت فجاة ترى الحياة من منظور آخر أكثر اشراقاً و تفائلاً.
في يد الشبح لسلمى لاغرلوف: صبية تعيش مع عمتيها الكبيرتين في السن في وضع شبيه بالسجن، يتقدم لخطبتها طبيب و هي توافق دون أن تكنّ له أية مشاعر، لكنها أرادت الارتباط به فقط للخلاص من العيش مع عمتاها اللتين لا تغادران البيت أبداً. يد الشبح المخيف يظهر لها فجأة لأنها كذبت و هذا ما جعلها ترتعب و تمرض لكي في نهاية الأمر تعترف لخطيبها بأنها لاتحبه و في المقابل يصارحها خطيبها أيضاً بأنه لايكنّ لها أية مشاعر حميمة لكنه فقط يكره العيش بمفرده و هذه المصارحة هي التي تقودهما إلى الارتباط من خلال علاقة جديدة و بمشاعر حقيقية متبادلة.
في نصف ورقة لأوغست ستريندبيرغ: رجل فقد زوجته للتو و ترمل، يريد الانتقال من منزله ليبدأ حياة جديدة في محاولة لنسيان هذا المكان و أحداث الحياة التي جرت فيه في ما مضى من الأيام، لكنه فجأة يرى نصف ورقة معلقة على الجدار فوق منصة الهاتف و عليها رؤوس أقلام و كتابات كثيرة لتأخذه محتويات تلك الورقة و يغوص في ذكريات و تفاصيل حياته السابقة كلها تلك التفاصيل التي كان يريد نسيانها، كل ذلك في نصف ورقة فقط. و في قصة طائر الفينيق لستريندبيرغ أيضاً : رجل يُغرم بفتاة جميلة في الأربعة عشرة من عمرها لكنه يسافر للدراسة في مدينة أخرى لمدة عشرة أعوام ليعود إليها من جديد و يتزوجها و تكون الفتاة قد أصبحت إمرأة في الرابعة و العشرين من عمرها ضامرة بعض الشيء و أقل رونقاً و جمالاً. يرزقان بولدين و صبية، الرجل يتعلق كثيراً بابنته لكنها تصاب بمرض شديد و تموت و يحزن كثيراً عليها و لكن مع مرور الزمن يخف الحزن لكنه يفجع هذه المرة بفقدان زوجته و هو في الخمسين من عمره و يبدأ بافتقادها من جديد. تمضي الأيام و يلتقي بامرأة شابة تذكره بزوجته الأولى عند لقاءهما الأول و كأنها مثل طائر الفينيق جاءت في حلة جديدة. كانت شبيهة لزوجته في جمالها لكنها كانت مختلفة عنها تماماً في خصالها و طباعها. الغيرة و مرارة العيش معها تجعلانه يحن إلى زوجته المتوفاة و يراوده ذلك التساؤل بأن زوجته الأولى كانت الانسانة و الشريكة الحقيقة له في حياته و لم تكن هذه الأخيرة هي طائر الفينق بل هي و بقي يفكر في ذلك التساؤل التي ربما عرف الاجابة عنه حين نام و لم يفق من نومه بعد ذلك. و في الصفقة كذلك لستريندبيرغ: تشترط المرأة حق الاحتفاظ بما تملك لكي توافق على الزواج والرجل يوافق لكن على أن يكون لكل طرف حق الاحتفاظ بما يملك و هكذا يتم الزواج بعد عقد الصفقة و تمضي الأيام و يمرض الرجل و يتوفى و حين يتم حصر التركة تذهب أمواله كلها لخزينة الدولة طبقاً لتلك الفقرة القانونية التي كانت الزوجة قد اشترطت على زوجها و هذا ما جعلها تعود في نهاية المطاف كئيبة خاوية الوفاض إلى بيت أبيها. في قصة الأقوى: يعكس ستريندبيرغ المعروف بميله إلى أن مكان المرأة في البيت و خدمة الرجل وأن الزواج الحقيقي هو من أجل أن تنجب المرأة أطفالاً و عن حقوق المرأة التي كانت حينها القضية الأكثر مثاراً للجدل و أن في نهاية الأمر الغلبة للأقوى إمرأة كانت أم رجلاً.
فرمز حسين
ستوكهولم
2023-12-16