ويا عام… يا عام 2024

إبراهيم محمود

أيا عام عمْتَ انتباهاً 
وبعضاً من الانتظامْ 
ففيك الذي ما اهتداني إليه  
وينخر حتى العظام
تباغتني بالحضور
وتأخذني بالغياب
وبي الأرض دائرة 
والسماء معلَّقة في الظلام
وعمري استبيحَ كثيراً
بأيدي الذين يجيزون لأنفسهم كتْم صوتي
وإخراج صورتي من سجل الحياة
تماماً تمام
موقعة باسم رب السماء 
وتضفي على شجني المستدام
فنونَ شجون
وفي وردة القول أكثر من شوكة
وأنّى التفتٌّ  يكون صفير السهام
وأنت المذكَّر عاماً على عجل ٍ
تتراءى 
وتُحسَب في النائبات
خفيفاً كجمر تموضع في الصدر
منتشراً كالزكام
تُرى كيف أطرق بابك أو
حيث تدخل بيتي
تضيف إلى لغتي وجعاً
قلقاً
غفلةً تلسع القلب في دائه الزمنيّ
وعيناً أبت أن تنام
بأيّ مدى ألتقيك لأطلق جرحي  الذي لا يحاط به
لاتناه ٍ
 ورغم الرحابة يشكو الزحام
 فكيف تطمئنني حضرتُكْ
وكيف تهدّئني رؤيتك؟
وكيف تلقّنني درسَك السنوي
وتشغلني بالذي تشتهي بالتمام
بأي هوىً إذ تراني أمد يدي دون عسر ٍ  
باي صدى أنتقيك وصوتي شهيد الكلام
بأي سلام أسمّيك يا عام قل لي
لأعرف حجم وجودي وأحسن تدبير روحي
وأعرف موقع قبري
وفيك الذي يصدم الصمت 
في كل عام وعام
أفدْني لأعرف وجْهة وجهي
وخفقة قلبيَ في النائبات
وحين يكون الخواء
وحين يكون الزحام
تراني أشد ظلالي ورائي
وأبذل عمراً لأسلخ عني عمائي
وأرفع روحي إلى أفقها
وأسند قلبي وفيّ مديد الرجاء
وأنفخ في الريح عاصفة
 وأسدّد خطوي وبي شغف لعبور السخام
***
يحيّرني لون صوتك يا عام
حين ألامس فيك المرارة
يسخر من لمستي صوتك الهش
أسأل أو أتساءل عما تلبَّسك من بله أو حطام
خواء يلف محياك هل أنت حقاً تجيد الإقامة
مثل الذي كان قبلك عاماً
وتورثنا فوق ما نحن فيه 
من الهم والغم 
أكثر مما يُسمَّى وأكثر مما يقال 
وفي وجهك الوجه زاو ٍ
فلا ظله الظل والظل في أصله متهاو ٍ
وليس لدي الذي ما يناسبه من كلام 
أنا كاملي كامل الحزن في حزن وجهي التليد
مهاباد جرحي الشديد
وهولير جرحي العنيد
وآمد جرحي المجيد
 وقامشلو جرحي العتيد
وخاصرتي لا تشد قوامي
فكيف أشد الحزام؟
*** 
فيا عام يا عام أنت تجيء إلينا
تمهَّل قليلاً لأسمعْك مما أعاني
وأودِع من وجعي ما يهز شباك المعاني
أسمّي صنَافة صوتي نزيفاً 
وفي نزفه القهر عام.
أردد بيني وبيني
ألا ليتني كنت ما كنت
أو كنت حيث أكون أنا
في صريح القوام
أعاين فيك الذي يحتويني
وما نسبي منك عنك
فلا سامي سام
ويافث أبعد منه
ولا كان لي في الهوية حام
أنا خارج الاسم والاحتمالات
في ربقة اللامسمَّى
كأنّي وجدتُ
لئلا أكون
ولو ذرة في غبار الطريق
ولو حجراً يتظلل نبتٌ به
حلُمُاً عابراً في المنام
***
أيا عام يا عام مهلاً
أنا نسْل شعب تناسل في دمه جرحه غائراً واستقام
وفي إثره مثله
ومثله أكثر منه على إثره
عاصياً وعصياً على البرء في جنسه
فلا زمنُ يهتدي إلى هدنة
أو نظام
ولا فسحة تصطفي شجراً
لها في الاعتبار مَقام
إذن أي معنى لغناء يسمّيك
لتوهمني أنني في كتابك 
اسمٌ له لغة وكيان صريح ورسم مُقام؟
فمن نافل القول أن تتنبَّه
كي تشد إليك زماناً
مكاناً وبعضَ احترام
أنا أمَّة من سلام
أمَّة الماء والتربة الخصبة الوافرةْ
أنا أمة النور واللغة الشاعرة
أمة الصفو في أمم سلبتها السلام 
وأقصت محاسنها جانباً
ومناقبها جانباً
ومباهجها جانباً
ورواياتها جانباً
وزمرتها الدموية دون احتشام
***
ولي في الوجود الذي يرتقي وجوداً
يقاسمني حجلي حزن عمري
ويلهمني جبلي الصبر كي لا أضام
وأجعل من سلّم الروح متكئاً
لأجيز لقلبي صعوداً إلى شجر في الأعالي 
ويوهَب منه وسام 
وأمضي إلى نجمة لي لأسقي خطاي الطريق
وأسكب في أفقي ما يُرام
وفي ذمَّة الله اسمٌ وممتلكات
وشرْع يُسمّي عقيدة مائي
وجودة أرضي
وجرح سمائي العصي على الالتئام
ولي ما يخص من الحب نبع
وليس ما يجاز من الخلْق أصل وفصل
ولي في انضباطي سجلٌّ عريق
ولي ما ينبغي قوله شرعة في الأنام
أوجّه أرضي إلى ضوئها
وأمضي بروحي إلى برئها
لتُهدى يدي في الحنين إلى ضوئها
وفي استبرق القول في سندس اللفظ ما ليس حشوا
وإن شئت ما ليس لغوا
وإن شئت حقاً ففيه المرام
***
ولكن.. ولكن…
سأسرد بعضاً يسيراً لمَا يصطفيني
ويكثِر فيّ طعان الزمان
كأن الخليقة قد ميَّزتني لهذي المكيدة
أو أوقعت بي إلى أبد الآبدين طريد المكان
فلا الغرب ألبسني بقليل من الود فيه
ولا الشرق هدَّأ روعي ببعض وئام
ولي في الشمال سلاسل من وجع واحتقان
ولي في الجنوب عواصف رملية وسخام
فكيف تصافح روحي أذاها
وكيف تطمئن رجْلي خطاها
وأسكُنني في يقين حماها
وأمضي بروحي إلى مرتجاها
بدون اصطدام
***
ويا عام يا عام ثمة قول المزيد 
لنا الحب لا الحرب
والحرب عند الضرورة دون مجانبة الحب
كي نمنح النور وجهاً يليق بنا ويكف الخصام 
وكي نوهبَ الماء روحاً تسرُّه في سيره
نحضن الأرض حباً ومفخرة ما استطعنا إليها سبيلاً
ونحفر داخلها صورة العشق تروي حقيقة مأساتنا
وإلى الشمس نرفع هاماتنا
صوتنا حيث نُحرَم من نبعه 
لغة إذ تصادَر منا ولادتنا كي نقيم علينا سواها الإمام
لنا الحب والحرب جمعاً، 
إذا اختلط الأمر طبعاً
إذا سُدَّت الطُرق السبع والعشْر
أكثر أكثر في وجهنا
وأعمى خطانا بغاة اللئام
وفي حالة دون أخرى
هي الحرب
إذ نلبس الأرض ثوباً لأرواحنا
ونهيب بأرواحنا أن تقاوم
كي تعلم الأرض أنّا سلالتها مذ وُجدت
وكي تدرك الأرض أنّا حماها 
صداها
ونحن كرام كرام
فعن أي فعْل يقدَّم باسمك يا عام 
أضربٌ أمثلتي
وفي الصرف والنحو 
ما يغلب الحالين عسفاً
ويذهلُ في الأرض أمواتَها
كوننا نمنح الموت تقديرنا دون أي صدام
وفي الوقت نفسه نعطي الحياة
بما تستحق من الاهتمام
وليس كأي اهتمام
لهذا أجدد ما يمكن الفصل فيه 
صريح أنا كالهواء
أهبُّ بقدر الذي أستطيع
ففي حالة دون أخرى خفيفاً
كلمسة ماء
وفي حالة دون أخرى
كلسع صقيع
وفي حالة دون أخرى صفير رياح
وفي حالة دون أخرى أزكّي الربيع
أنا جمع اسم يسير: فصول السنةْ
وفي وجهتي تنتمي الأمكنة
ويا عام يا عام مهلاً 
أسمّي خلائق روحي
أسمّي ترابي الذي يستباح 
وكم اُستبيح ترابي وأطلِق فيه الحرام
هنا أثر جرّ من اسمه
هنا حجرٌ زُج في لعبة قاتلةْ
هنا نبْع ماء أريق صفاؤه
زيتونة أزهقت روحها في ثوان
من الزمرة السافلة
وناح الحمام
***
ويا عام يا عام لكن
سأنهي حديثي معكْ
ولن أتبعك
فثمة ما يحتويني 
لنا وطن في العلا ليس يخطئه مرتقى من طريق
ولا خاطر في الهواء إذا هب أو نجمة بحثت عن صديق
لنا وطنُ لا يفرّق بين ذئب وعنز
وما بين خاص وعام
نرحّب بالذئب في بيتنا إن أراد احتماء بنا
في شتاء صفيق
ونسقيه من ضوء أعيننا ضاحكين
وحق الإقامة نمنحه والضيافة والنوم في غرافة واحدةْ
ويسبح في البحر ما شاء دون محاسبة أو حساب
وفي البرّ تسرح نعجاتنا في أمان
وللثعلب الهزليّ نسمّيه ضيفاً عزيزاً على المائدةْ
ولا بأس أن يتعلم رسماً
يدرُّ عليه ببعض الطعام
وإن شاء زهداً فلا بأس أيضاً
وصلى وصام
وتغفو دجاجاتنا في الجوار مظللة بالغمام
 ويا عام يا عام  اصغ إلى المستجد من القول
من ربط فعل باسم
واسم بفعل
وما هو هام
لنا لغة لا تنام على ضعة
أو تقيم على خسَّة
إذ تمد إلى الغيم شبّاكها
وتبحر في النور كي تبصر الكلمات مداها
وتفرش للضوء ألفْباءها
ثم تفترش الحلم مسك الختام
وفي نبض أحرفها وصل نبع ونهر
وفي دمها بوح ورد  وشجو خزام
فمُرْ إن أردت
وصِل ما تشاء
وفي الوقت نفسه أفتح بابي 
 لكي أسمعكْ
لأدرك صرْف الزمان معك
وهذي يدي والسلام
دهوك
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…