كتاب دهوك

إبراهيم محمود

دهوك
وهنا تبدأ الأرض دورتَها
تبصر الشمسُ صورتها
وتشد الرحال
مادَّة من ثراها هوىً
واسمها في المدى
ورنين السماء
على صرّة الأرض
رقص التبانة
قيثارة الروح
زغرودة النبع
عافية النهر
منعطف للخيالْ
***
دهوك
شغفٌ في السماء
شغفٌ عاصفٌ
أي بدء لتاريخه والمثال
تبثُّ المسافة لوعتها
ليتها كانت الأرض
أو لم تكن
المسافة رعدٌ
جهة الأرض موجزها
النجوم ثمار
الفضاء سلال
وأرض دهوك افتتان
تمد إليها يداً
ويجنُّ الدلال
***
دهوك
حجرٌ ينتخي حجراً
حجرٌ بارعٌ في لغاته
من صُلبها
عن صحوها
في نقشها
شامخ في وضوحه
يجلو جهاته
تاريخه سابقٌ للغاته
ماض ٍ إلى اسمه
في ارتداء هدوء المكان
وصفو الوصال
***
دهوك
وشروق البهاء
على قمة الحلْم
أيقونة الوقت في
ساعة المرتجى
طفرة الصمت في لونه
تذهل البوم في حِلْمه
غمزة البرق والرعد للغيم
والغيم للسهل
والسهل للماء
والماء شوق المنال
***
دهوك
وسكون الطريق
حداء المسافة
في الوصل والفصل
زهو الفضاء
على أفقه
أفقه في مداد القصيدة
سهو القصيدة في حضرة النثر
والعكس
متكأ اللفظ
في شهقة القول
وعد المحال
***
دهوك
وجنون الهواء
على عشبه
دعسوقة مهوى الرواء
غرابٌ يطلُّ على مشتهىً
زمنٌ مستهامٌ
ظلامٌ يؤانس صبحه
والليل مستغرقٌ في الصبابة
عشاقه يمتحنون قلوباً
زمانٌ يشد على وقته
في فتنة الروح
نشوى النساء
ونجوى الرجال
جنون الرؤى
في تجلّي الجلال
***
دهوك 
أيّ عين ٍ توجّه مسرحها
في التقاط الممثلين
أمزجة ثرَّة
مثلاً:
نجمة في السماء
تشتكي عزلة عاريةْ
نظيرتها يرتقي سحرها
تبلبلها في خطاها
في رحاب دهوك
وتغمض عيناً عليها
وأخرى بها
آية جارية
لسِفْر دهوكيَّة
والنداء ابتهال
***
دهوك
وحنينُ الجهات إليها
يقين الحياة 
على وجهها
ربما الأرض فيها
رأت وجه خالقها
ربما الماء فيها
تمطّى على سفحها
ثملاً
ربما السفح أطربه الوجد
والله نفسه
كللها بالظلال
***
دهوك
عدَنٌ أمم حيَّة 
في حماها
لأسمائها سِيَرٌ
طائرٌ يشتهي
أفقها
شجرٌ ينتشي
لصْقها
والهواء طروبٌ
على صوتها
والجبال
***
دهوك
واسمها يتسامى
وفي أمَّة ٍ 
جرحها يتنامى
وفي دمها الضوء
مأثرة الكرد
والكرد شعْب الجهات المعنّاة
شعبٌ على جرحه مستدام
وفي نزفه مستدام
ومن جرحه يثمر المستحيل
نساءٌ يورّثن آت ٍ
وآت ٍ يُسمّي الرجال
أعن غرب جرحه
أو شرقه
أو جنوبه
أو في الشمال
***
دهوك 
صحوةٌ في الجماد
ملائكة في التسابيح عنها
صعود الخفايا إلى سمتها
قمرٌ في عناق القصيدة
أيُّ وقار ٍ يُسمّيه
يكفيه أنه مؤتنس بدهوك
حشود المباهج
غابٌ من الضوء
سردُ المعاني
طيورٌ  تلازم إشراقها
جنَّة تتثاءب سكرى بها
الليالي شهود ثقات
تلال دهوك سجلاتها
والخشوع صلاة
والخلود نوال
***
دهوك
دهشة تستحمُّ بها
يقظة في المنام
سحاب يضيء قيافتها
الحدود 
مطَمأَنةٌ
الروابي
 تلاعب أطيافها
الحقول
تهدهد أشجارها
المساء
يناغي سكينتها
الصباح
يلاطف طلتها
فالنهار غلال
***
دهوك
ورغيف دهوك
مزايا القصيدة ساخنةٌ
الجوار 
مكاشفة الروح
في عز صبوتها
تلك سكَّرة
في صحوة الذوق
كمثرة
رعشة الجمر في خافق الثلج
مأدبة الدفء
عن غفلة
إذ تجيد استمالة صخر المكان
معادلة الماء والنار 
في ملتقى العمر والمرتجى 
فالأماني امتثال
 
***
دهوك
رُقْية يتحاشاها الزمان
عذوبة طيف ٍ
مآثر طيب
حنوّ التراب على نبته
خضروات تؤاخي ثراها
ملاهي الفراشات
في المنعطفات
وفي كل منعطف ٍ 
الهواء انتعاشٌ
ويحيا الزلال
***
دهوك
ميزةٌ
لا يُحاط بمرآتها
إذ تطل على العالمين
ميزة
المكان انفتاح على أمسه
آنه
غده
والمتاح انشراحٌ
تشد هواها 
إلى من هواها
إلى سرّها في العراقة
ذاكرة لا تضام
ويأتي إليها الأمام
ودِعَّة قيل وقال
***
دهوك
زمنٌ صادحٌ
في علاها
هنا لغة لا تنام
على مغص ٍ
أو رضّة
أو غصَّة
إذ يلازمها المستجاب
صباح يهدهد خاطرها
في فنون البقاء
معاشرة في التودد
في شارع ٍ 
يصطفي مثله
مثله غيره
في نسيج الجمال
***
دهوك
لا تُثار سماءٌ
على أحد ٍ
لا يُشدُّ هواء إليها
على جانب ٍ
الجهات إليها مؤالَفة
لا غريبٌ 
يُسمُّى
على لغة ٍ
لا خطى 
ترتقي عثرة
لا مرور بشرط
سوى بسمة للطريق
ودفء يد ٍ للدخول
ولا من سجال
***
دهوك
غضبٌ لا يُردُّ
إذا ورقٌ ذابلٌ 
مُسَّ فيها 
إذا ذرة من تراب
نُبّهتْ خطأ
جهةٌ شُدَّ مئزرها
شارعٌ حُفَّ معطفه
ساحةٌ عصّبتْ
نملة هُمّشَت
فالقصيدة زلزلةٌ
والحدود القيامة
والدخلاء إلى بؤس حال
===
ملاحظة : كتاب دهوك، عرفانٌ بجميل دهوك الكردية الجميلة، وأنا أقيم فيها مع عائلتي منذ مطلع آذار 2013، نحتاً روحياً موجزاً في الذاكرة، ولفْت نظر لمن يجهل ذلك هنا وهناك.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…