كراسة الكاتب: مقدمة في التفاعل بين المبدع والزمن

إبراهيم اليوسف

بين محطة زمانية وأخرى، لابد للكاتب النبيه، الحاذق، أياً كان، من أن يراجع نفسه، ليقرأ ملامح حضوره، في مرايا الحياة والإبداع، فيعرف أين موقعه؟، وماهي النقاط التي أصاب فيها وأخطأ؟، بل وكيف له أن يحقق الصورة المتوخاة لنفسه، في كلا المجالين؟، وما المطلوب منه لتحقيق ذاته ، بالشكل الذي يرومه؟.
مثل هذه الأسئلة تحديداً، لابد من أن يواجه المرء نفسه بها، محتكماً إلى وحدة قياسية زمنية، سواء أكانت “برهة”، كما يفعل المتصوفة، أو يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو سنة، أو عقداً، أو ربع قرن، أو نصف قرن. وإن كان أن لتكرار أية مفردة من هاتيك المفردات خصوصيته، فإذا كان هناك من يجد في تكرار الثانية، أو الدقيقة، أو الساعة، بموجب لغة” الساعة” أمراً، يدخل في حكم الاعتيادي بالنسبة إلى كل منا، وربما هكذا بالنسبة إلى اليوم، والأسبوع، فإن المفردات الأخرى ضمن هذا المجال، تظل ذات إيقاع بطيء قياساً إلى معيار الفرد، حتى وإن كانت الدورة الزمانية -بحد ذاتها- تتعامل مع كل مفصل من المفاصل المذكورة، وفق منظارها، باعتبارها تولد الدورات الصغيرة من حولها، وتتعامل بالثقة نفسها مع كل أدوات القياس السابقة، وإن كان لابد من تقويم الصغير، أو الكبير منها، كل بحسب ما يشغله من الوقت، ليكون اليوم، غير الأسبوع ، والعام غير العقد، وهلم جرا..!
تلك الوحدات الزمانية، آنفة الذكر، تصبح أدوات في مرمى المعاينة اللحظية، لدى كل كائن حي، يعي مدى تفاعله الشخصي مع عامل الزمان، وقد يبلغ هذا الإحساس ذروته مع نماذج أنسية محددة، حيث يربط المنتمون إليها رؤيتهم مع حركة الزمان، على نحو محكم، إما بشكل فطري، أو علمي، ويمكن أن تتم الإشارة هنا، إلى رجل التخطيط في مجالاته كافة، من اقتصاد، وعسكرة، وتنمية…..و ..،
 بيد أن الكاتب يكون هو نفسه، على صلة وثيقة بالزمان، في ما إذا كان يمتلك الإحساس بقيمة رسالته، من جهة، وقيمة عامل الزمن، من جهة أخرى. لاسيما وأن لديه أكثر من زمان يتعامل معه، حيث هناك زمان الكتابة، وهناك زمان النص، وهناك الزمان العام، وهذا ما يرفع من مستوى حساسية تواصله مع الزمان.
والكاتب الناجح، هو من يستطيع التوفيق، في معادلة علاقته مع الزمان، حيث تتجسد حركة الزمان في كتاباته، فيمكن أن تكون هذه الكتابات صدى للتفاعل مع هذه الحركة، تأثيراً وتأثراً، للدرجة التي يستطيع أي قارىء، حتى وإن انفصلت لحظة قراءته عن زمان كتابة النص، أن يتحسَّس خيوط وأصداء وطبيعة الحركة الزمانية، على أحسن صورة، ومدى تعاطي الكاتب، معها، من خلال وعيه، وروحه، ورؤيته، بل وأدواته الكتابية، إذ لا تنجو المفردة، أو أساليب الكتابة، من مثل تلك السطوة، وإن كانت هذه الكتابة، قد تسهم، في التأثير في عامل الزمان نفسه، عندما تتحول إلى فعل، وما أكثر هؤلاء الكتاب، والمفكرين، الذين تركوا أثر حضورهم المعرفي والإبداعي في مفردات اللحظة المعيشة!.
إن الكاتب الأكثر تفاعلاً، مع العامل الزماني، هو الذي يترجم أحداثيات الوقت، عبر فضاء الإبداع، فلا يدع جانباً، أي شيء، من حوله، إلا ويترك أثر قراءته عليه، كما يمارسه هو من أثر في عالمه الداخلي، وقد تكون هذا الاستجابة، مباشرة، من قبله، أو غير مباشرة، حيث تترجم المفردات الناجمة عن التعاطي مع آلة الزمان، المادة الخام، كما يقال، ليعيد معالجتها، وفق رؤيته الخاصة، وضمن المختبر الإبداعي الخاص به. وإذا كان التعاطي المباشر مع هذه المفردات يوفر فيها عامل” الصدق”، لاسيما عندما تنقل بلا تشويه، أو تدخل فج، أو فظ، من قبله، لئلا تزور، فإن في التروِّي في عملية التناول، ما قد يمنحها عوامل النضوج، لأن من شأن المدة المتراوحة بين زمان وقوع الحدث، وترجمته إبداعياً، أن يوفر لها التخمر المطلوب، هذا التخمر الذي قد يكون الشرط غير المنظور في نجاح أي عمل إبداعي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…