فراس حج محمد| فلسطين
صدر مؤخرا عن دار مرايا في مدينة إربد الأردنية للناقد الفلسطيني رائد محمد الحواري كتاب “السجون والمعتقلات في الرواية العربية- قراءة في أدب السجون”. يقع الكتاب في (295) صفحة. ويخصصه الحواري لمناقشة ثلاثة عشر مشروعا روائيا عربياً يجمعها جميعا أنها تقوم على فكرة الاعتقال والتعذيب في السجون العربية.
ويشير الكاتب في المقدمة إلى أن هذا الكتاب هو الثاني الذي يخصصه لدراسة الرواية التي تتحدث عن أدب المعتقلات، حيث جاء كتابه الأول ليناقش “رواية الأدباء الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية”.
تناول هذا الكتاب رواية شرق المتوسط للروائي عبد الرحمن منيف، ويضيء على ما فيها من إشكالية “البطل المهزوم” ومعالجة الرواية لهذه الفكرة من خلال شخصية رجب إسماعيل. وما تعرض له رجب في أحد السجون العربية التي لم تسمها الرواية، ورحلة الشخصية الذاتية والفكرية والخروج من السجن، وذهابه إلى خارج الوطن.
وفي الوقفة الثانية يناقش الحواري رواية الوشم للروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي، ويؤسس الناقد حديثه عن الرواية بقوله إنها “من الأعمال الروائية الأولى التي تحدثت عن الاعتقال السياسي في العراق”. وتتوجه القراءة النقدية هذه إلى مناقشة دور الأحزاب العربية، إذ يرى الكاتب أن الأحزاب “حولت العطاء إلى أخذ، والتألق إلى خمول، والجهاد إلى نوم، والعمل إلى انتهازية”. أما ما يتصل بصورة المعتقل العربي (السجن) في الرواية، يشير الكاتب إلى “التأثيرات السلبية على المعتقل السياسي، عدم وجود قانون يحميه، فهو معرّض للإعدام، أو البقاء إلى الأبد في المعتقل، أو النفي إلى المجهول”.
ومن خلال رواية “الهؤلاء” للكاتب مجيد طوبيا يلفت الناقد الحواري النظر إلى ظاهرة الرقيب المكلف بالمراقبة التي تقود إلى الاعتقال أو مراجعة المخافر ومراكز الأمن، وعمل هؤلاء شامل لكل الناس، مثقفين وغير مثقفين، فهؤلاء “لم يقتصر وجودهم على مراقبة الطبقة المثقفة، بل هم منتشرون في كافة الأماكن”، “فهم كالهواء أينما نذهب نجدهم، وحيثما نكون يكونون”، ومعاناة المواطن العربي في مراجعة مراكز الأمن للحصول على البراءة من التهم من عدة مخافر.
ويقف الكتاب أيضا عند رواية عبد اللطيف اللعبي “مجنون الأمل”، وفي هذا العمل السردي يتوخى الكاتب أن يقدم من خلاله “صورة الصمود والاستبسال أمام الجلاد، وصور الأمل والجمال” على الرغم من قسوة التعذيب والتنكيل داخل المعتقل التي تبدأ بالتحقيق واستخدام أساليب الحوار الهادئ الناعم بين المحقق والسجين، ليتطور الأمر بعد ذلك لأن يتحول السجن إلى مسلخ، حيث فقء الأعين، وبتر الأعضاء، والطرق على الرأس. وغير ذلك من فظائع السجان العربي.
ويتناول الكتاب وضع الفدائي الفلسطيني في أيلول الأسود في سبعينيات القرن الماضي، ومعاناة الفلسطيني في السجون الأردنية في رواية “المحاصرون” للروائي فيصل الحوراني، فقد استطاع الروائي- كما يرى الناقد- أن يلتزم بالتجرد والحياد في تناوله للأحداث، لا سيّما حديثه عن المقاومة الفلسطينية، فسجّل الإيجابيات والسلبيات. وتبرز في الرواية- كما يرى الكاتب- أن المعتقل السياسي- من خلال تحليل شخصية القائد خالد- ذو موقف صلب لا يتغير، “فهو يمتلك مقدرة على التكيف والتعامل مع كافة الظروف”، وهو أيضا شجاع في ساحة المعركة، وشجاع في الأسر، رغما عن شراسة السجان.
ولوصف حالة القمع السياسي العربية، يختار الكاتب رواية واسيني الأعرج “مصرع أحلام مريم الوديعة”، وتتلخص هذه الحالة في انعدام الحرية، وحالة التشكيك بالمعارضة، ووصمها بالخيانة الكبرى، ولا يفرق سدنة النظام بين معارضته والانتماء للوطن، فكل معارضة للنظام هي خيانة، ولا يريدون أن يفهموا أنه “عندما نعارض الحكومة نكون مع الوطن لكننا لسنا مع النظام”، وتلتقي هذه الرواية مع رواية الشاعر سليم النفار “ليالي اللاذقية” فيتناول فيها النفار “كيفية تعامل أجهزة الأمن مع المعارضين، وكيف تتم ملاحقتهم ومراقبتهم”.
وتقف إحدى القراءات النقدية عند رواية “صورة الروائي” للروائي فواز حداد، مناقشا مسألة التحكم بالمواطن العربي عن طريق التدخل في حياته الجنسية، وعلاقة المرء بزوجته، وتحديد النسل، واقتراح حل “الإخصاء”، وتكون تهمة الشخصية الرئيسية أنه “مسؤول عن زيادة النسل”، فقد أنجب “أطفالا أكثر من المعتاد”. وتكون نتيجة هذا الفعل هو “الاحتجاز” دون مدة معروفة، ودون أن يسمح له بالاتصال مع زوجته.
ومن عالم الروائي إسماعيل فهد إسماعيل يناقش الكتاب ثلاث روايات من رباعيته المكونة من الروايات: “كانت السماء زرقاء”، و”الضفاف” و”الحبل” أما “المستنقعات الضوئية” فلم يتعرض لها الناقد بالتحليل لأنه لم يتمكن من الحصول عليها. وتتمحور هذه الروايات حول “القمع السياسي وما يواكبه من حرمان من العمل والمنع من السفر، والاعتقال والمطاردة”. ويتتبع الناقد هذه الأفكار في هذه الروايات ومحللا مواقف الشخصيات والأحداث ومشتقا منها دلالات سياسية وفكرية.
وينتقل المؤلف الحواري من رباعية إسماعيل فهد إسماعيل إلى ثلاثية سعيد حاشوش، ويعتمد الروائي في هذا الرواية على أسلوب التخييل الذاتي، فيستخدم اسمه كشخصية مركزية في هذا العمل المكون من ثلاث روايات: درب الفيل، والتمثال، ولا شيء يشبه المسيح. ويظهر من خلال التحليل النقدي أن “السارد لا يذكر النظام العراقي إلا بالسوء، وكأن هناك عداء مستفحلا وقديماً، ولا يمكن الإصلاح بينهما، فلا يذكر النظام إلا مقرونا بالسجن، والموت والتشرد”. وكأي تجربة مواطن سجين في أي سجن عربي فإن المعتقل يتعرض للتعذيب الذي تبينه رواية التمثال، فعملية التعذيب هذه “تجعل من عملية الاعتقال مأساة متعددة الأبعاد”، و”المعتقل يعاني من هول التعذيب بالإضافة إلى عزله عمن يحبّ”، ويضيف إلى ذلك في رواية “لا شيء يشبه المسيح” أن النظافة الشخصية في المعتقل “تعتبر من المحرمات”.
وتحظى رواية “القط الذي علمني الطيران” للروائي هاشم غرايبة بوقفة نقدية، وحسب ما قرره الناقد رائد الحواري فإن أهمية هذه الرواية تكمن في كشف السارد “ما تعرض له من قمع وتعذيب جسدي ونفسي، وما وجده في السجن من سلوكيات سلبية وإيجابية، إن كانت من النزلاء أم من السجانين”. وتلاحظ هذه القراءة طبيعة الزمن في المعتقل، وهو زمن نفسي في الدرجة الأولى، فيصوره كأنه “كائن كسيح لا يتحرك لكنه حيّ، من هنا يكون وقعه مؤلماً على المعتقل”.
ويسجل الناقد ملحوظات شخصية زياد عبد الله عيسى بطل رواية “خوف” للروائي خالد خضر على الأوضاع العربية، وزياد يعيش في المنطقة العربية “ويدخلنا إلى السياسة ومرارتها على من يمارسها في المنطقة العربية، وسيبين عقم النظام الرسمي كاشفا عيوبه ونهجه القمعي”. فيتحدث عن “ممارسات النظام الأردني السلبية، مبينا أن هناك نهجا يحول تنمية البلاد بشكل صحيح”.
ومن معاناة المواطن في السجون والمعتقلات العربية، إلى معاناة المواطن المسجون سياسيا في غزة، إذ تتعرض رواية “حرية مؤقتة” للكاتب ناصر عطا الله إلى المعيقات والصعوبات التي تقف حائلا أمام سفر الفلسطيني وتنقله، والعراقيل التي يتعرض لها من الأنظمة العربية التي تحدّ من سفره وحرية تنقله، ولذلك فإنّ مَن خرج من غزة فإنه سيحصل على “حرية مؤقتة”، “سرعان ما تنتهي بالعودة إلى سجن غزة”.
ومن خلال تتبع الناقد هذه الفكرة المركزية للروايات محل التحليل، ناقش الناقد مسائل نصية وثيمات أخرى لا تقل أهمية في معركة الوعي العربي، من مثل ضرورة التثقيف والقراءة، كما أنه لم يهمل إطلاقا دور المرأة والأم خلال تحليله النقدي، فكان يشير إلى دورها المحوري المهم في أغلب الروايات التي تعرّض إليها بالدراسة والمناقشة.
ولا تقف أهمية الكتاب فقط في هذا التتبع السردي لثيمات الاعتقال والتعذيب والسجن في الرواية العربية، وإنما في هذا العدد الكبير من الروايات والروائيين الموزعين على مناطق متعددة من الوطن العربي من فلسطين إلى مصر والأردن والعراق والسعودية، إلى الخليج العربي، وإلى المغرب والجزائر. ما يعطي مؤشراً بتشابه الحالة العربية، فلا بلد أفضل حالا من أخرى فيما يخص الاعتقال والمعارضة والعلاقة مع الحاكم.
كما يدل هذا الجهد البحثي النقدي للكاتب والناقد الفلسطيني رائد الحواري- كما يقرر الكاتب والناشر صالح حمدونة- على الغلاف الأخير للكتاب أن الناقد رائد الحواري عرف “بمتابعته الحثيثة لكل ما يُكتب ويصله من أدب،…. وبمتابعته الجادة لما كتبه أسرانا البواسل في سجون الاحتلال”.
وبهذا التحليل يكون الناقد الحواري قد بين علاقة الأديب بواقعه، وخاصة الواقع السياسي، وكيفية معالجته، كما يمكن أن تكون تلك الروايات وثائق صادقة وحية على معاناة الكاتب العربي في السجون العربية، توثق انتهاكات تلك الدول وسجانيها لكل الأعراف والقواعد والقوانين التي تكفل حرية التعبير وكرامة الإنسان والمواطن العربي في بلده الذي من حقه أن يعيش فيه بحرية ويعبّر عن آرائه السياسية وينضم إلى الأحزاب دون أن يتعرض للمراقبة أو الملاحقة أو الطرد من الوظائف أو النفي من البلد أو السجن وربما تصل الأمور إلى الإعدام، كما أعدم الكثير من المعارضين السياسيين على طول البقعة العربية وعرضها التي ابتليت بالنظام القمعي العربي.