ابراهيم البليهي
في القرن التاسع عشر اكتشف العالم الفرنسي باول بروكا أن وظيفة اللغة يقوم بها النصف الأيسر من الدماغ ثم تعزز هذا الاكتشاف بواسطة باحثين آخرين وظل علماء الأعصاب يعتبرون أن من المسلمات أن وظيفة اللغة والكلام والارقام هي من نصيب الشق الأيسر من الدماغ ……
لكن أحداثًا أخرى قلبت الرؤية فقد وُلدت الأمريكية ميشيل ماك بنصف دماغ والأسوأ أنها وُلِدَتْ بالنصف الأيمن وهو الشق الذي اعتبر العلماء أنه لا علاقة له باللغة ولا بالرياضيات فهو الشق المسؤول عن التجريد والفن والخيال فهو الشق الأضعف والأقل فاعلية …..
حين وُلِدَتْ ميشيل لم يدرك أطباء التوليد أنها وُلدت بنصف دماغ حيث لم يظهر عليها أي خلل واعتبرها الأطباء سليمة وطبيعية ولم يلاحظوا أي شيء يلفت النظر وظل الأمر كذلك فعاشت وتعلمت ولم يظهر عليها أي خلل ولا أي اضطراب كانت تتحدث بشكل طبيعي وتمارس حياتها بشكل طبيعي ….
وبعد أن كبرت حصل في حياتها ما يمكن أن يحصل في حياة أي إنسان فاكتشف الأطباء عن طريق الصدفة بأنها قد وُلدت بنصف دماغ ورغم أنه النصف الأيمن فإنها قد اكتسبت اللغة وتعلمت وعاشت حياة طبيعية على عكس ما كان معروفًا عن هذا الشق ……
إن هذه الحالة يتبين منها أن الإنسان يولد بدماغ يحمل إمكانات مفتوحة وغير محصورة بل تتحدد بعد الولادة بالاستخدام فإذا وُلد الإنسان بدماغ مكتمل من شقين فإن الكلام يصبح من نصيب النصف الأيسر أما إذا وُلد بالشق الأيمن فقط فإنه يكتسب اللغة وينهض هذا النصف بوظيفة الدماغ بشقيه ….
إن حالة ميشيل تؤكد حقيقة أن الإنسان كائن ثقافي وأنه بكل سماته وبجميع خصائصه يتحدد بما ينضاف إليه ومن هنا تتأكد حقيقة أن العقل يكونه ويحتله ويتحكم به الأسبق إليه …..
إن حالة ميشيل ماك قد جعلت العلماء يتساءلون: كم من الناس الذين ولدوا بنصف دماغ ولكنهم عاشوا طبيعيين وماتوا دون أن يعرفوا بأنهم عاشوا بنصف دماغ …..؟؟!!!