تنويعات حب

إبراهيم محمود
قلت للصخرة:
 أحبُّك ِ!
مال إلي الجبل هامساً في روحي:
يا لإخلاصك لجميل ِ أصلك الصلب
أينعت روح الصخرة في القصيدة
قلت الشجرة: 
أحبك !
همست الغابة الغانية بأخضرها في أذني:
تعرف النظر بمهارة إلى العالي المتفرع 
صفقت الشجرة وبرزت على هيئة القصيدة
قلت للنهر :
أحبك !
خرج النبع إلي بشدوه الدفاق:
يا لتفهمك للروح الصالحة للتقدير
استقام النهر وانسكب في شرايين القصيدة
قلت للجبل:
أحبك !
صافحتني أعماق الأرض قائلة: 
بورك في فلزات روحك
انحنى الجبل وشكَّل ذروة القصيدة
قلت للطريق :
أحبك !
خاطبتني إشارات السلامة  قائلة:
 الأفق مرحّب بك
انبسط الطريق مخاضاً لولادة القصيدة
قلت للوادي:
أحبك !
أنارتني الشرفات العالية بقولة: 
من يرى الأعماق تكون له الآفاق
صعد الوادي قاعاً عميقاً للقصيدة
قلت للصحراء:
أحبك !
رحَّبت بي الكثبان قائلة بأدب جم:
 بهذه لن تعرف التيه
كلّلت الصحراء بواحاتها قامة القصيدة
قلت للسماء:
أحبك !
حيّتني المجرَّة بخفر صاعق الإيحاء:
 سوف تستقبلك النجوم
هبطت السماء في الحال مظلة للقصيدة
قلت للخردة:
أحبك !
اندهشت المعادن النفيسة وأسمعتني عبارة: 
يا لثراء رؤيتك
استحالت الخردة في الحال ماسة القصيدة
قلت للطين بأعلى روح:
أحبك!
دثَّرتني نار  لطيفة قائلة:
يا لجبلّة نسيجك النبيلة
تحوَّل الطين خميرة القصيدة
قلت للنملة:
أحبك !
هللت لي لامرئيات الطبيعة مرددة:
 يا المجدّ بروحه
انتظمت بين يدي هندسة القصيدة
قلت للبومة:
أحبك !
كرَّمتني كائنات بقلادة تمنحني أماناً قائلة:
لعينيك المشرقتين
رأيتني أبصر ليلي المعتم بالقصيدة
قلت لطفل في عامه اليوم:
أحبك !
ابتسمت الأمهات الحوامل مترنمات:
 لن يموت الطفل في داخلك
منِحتُ من الطفل طلاقة القصيدة
قلت لفتاة على قارعة الطريق:
أحبك!
باركت حورية فردوسية هذا الحب غير المسبوق، قائلة:
يا لعشقك الذي يُزهِر الجماد
لحقتني الفتاة وانجلت بهجة القصيدة
و=قلت لامرأة طاعنة في السن:
أحبك!
تردد صدى ملاك غاية في الدفء: 
هوذا الحب المحتفى به
نبتت ببلسم يدها المجعدة مهابة القصيدة
قلت لشريد يحتضر:
أحبك!
باركت بوصلة الهداية خطوتي قائلة:
 يا لقلبك المضيء
انقلب الشريد روحاً مشتعلة في القصيدة 
قلت للحياة الحياة:
أحبك!
أبصرت الموتُ وسيماً يسمعني صوته الدفيء:
يا لحياتك التي تستحق الارتقاء فيها
تجنَّحت الحياة  لتحلّق بالقصيدة
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…

مصطفى عبدالملك الصميدي/اليمن*

تُعدّ ترجمةُ الشَّعر رحلة مُتفَرِّدة تُشبه كثيراً محاولة الإمساك بالنسيم قبل أن يختفي سليلهُ بين فروج الأصابع، بل وأكثر من أن تكون رسماً خَرائِطياً لألوانٍ لا تُرى بين نَدأَةِ الشروق وشفق الغروب، وما يتشكل من خلال المسافة بينهما، هو ما نسميه بحياكة الظلال؛ أي برسم لوحة المعاني الكامنه وراء النص بقالبه…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

تَتميَّز الرُّوحَانِيَّةُ عِندَ الكاتب اللبناني الأمريكي جُبْرَان خَليل جُبْرَان ( 1883_ 1931 ) بِعُمْقِها الفَلسفيِّ، وقُدرتِها عَلى تَجاوزِ الماديَّاتِ ، والتَّعبيرِ عَن الحَنينِ إلى مَا هُوَ أسْمَى وأرْقَى في النَّفْسِ البشرية . وَهُوَ يَرى أنَّ الرُّوحَانِيَّة لَيْسَتْ مُجرَّد شُعورٍ أوْ طُقوسٍ تقليدية ، بَلْ هِيَ حالةُ وَعْيٍ مُتكاملة…