ورقة غير مقروءة في سيرة جكرخوين

إبراهيم محمود

أنا جكرخوين
جكرخوين الذي لم أكنْه
جكرخوين الذي كنْته
جكرخوين الذي تلبَّسته دماً وفماً
اسمٌ اخترته لقباً لأكابد زوابع شعبي
أسفي، أسفي، اسفي، كما هو الفصل بين شيخ وموس في شيخموس
هكذا الفصل كان بيني لقباً ومن يسوس شعبي واقعاً
أردَّتني نهر الفرات رغبة 
وإذا بي نهار العاصي حقيقة
فأي جكرخوين سّميتُه؟
لكم رددت في شعري لا ” تبوسوا ” أيدي المشايخ، الشيوخ،
 الآغوات، الملالي، الباشوات، 
والبيكوات فلم أسلم
ولم تغمض عيني راحةً
لكم رددت اسم شعبي كردياً دون تفريق فلم أسلم
ولم تشمل قلبي طمأنينة
فأي جكرخوين صرتُه ؟
من ديوان ” جمر ولهب ” حتى ديوان ” السلام ” كان صوتي جرحاً
كانت كلمتي ملحاً حارقاً
جسدي أردته ناراً مشتعلة
على مدار نصف قرن 
إنما لم يزد جرحي إلا احتداماً
إنما لم يزد ملحي إلا احتراقاً
إنما لم يزد جسدي إلا رماداً منثوراً في خريطة كردستان
فأي جكرخوين أردتُه؟
رأيت العالم بعينيّ شعبي
غنيت للعالم وسلامه بروح أمتي
قرأت العالم بتاريخ لغتي 
تغيَّر عالَمٌ وازداد شعبي انقساماً
تحسَّن عالم وازدادت أمتي تفجعاً
تنوَّر عالم وازدادت لغتي مآس ٍ
فأي جكرخوين عرفته؟
كنت جكرخوين
نشدت في شعبي جكرخويناً
أطلقت عناناً سماوياً لروحه 
منحت صوته بروقاً ورعوداً
سجدت لاسمه ” لا زلفى ولا ملقى “
طفْت حول نقش كيانه على مدار الساعة
لم أبصر في جكرخوينه سوى الندب
لم أر في سمائه سوى الصحراء
لم أسمع في صوته سوى هدير الدماء النازفة
لم أتبيَّن في اسمه سوى الوشم الملتهب للروح
لم أشم في نقشه سوى رائحة ضحاياه بالمجان
فأي جكرخوين واجهتُه ؟
في الثانية الواحدة أبصرت أملاً
شعري كان يمنحني شمساً دون مغيب
يقيني بشعري كان يصلني بالمعمورة كاملة
حسبتَني من ” عظام الرقبة ” للمستحقين للحياة الكريمة
كل مسام فيّ كان قناة اتصال بالعالم
يدي ما كانت تتراجع عن مصافح أي كان حباً بالمشترك
رهان قلبي كان مباركاً على زخم شعبي
مرت سنون وسنون والأمل غيابٌ وفقدٌ 
أورثني شعري عذابات إضافية وشمسي تحجبت
ابتلعت المعمورة بقلبي الكردي فأٌقصيتُ مصدوماً
من الاسم المعلوم نقِلت إلى الاسم المجهول وأكثر من عظمة علقت في حلقومي
أحالتني مساماتي غربالاً بأيد لم تحسن تفهّم إنسانيتي
صيّرت الاستثناء الأوحد والمتنحَّى في العالم لقاعدة العيش المشترك
لكم أصبحت بين شعبي عملياً ” غريباً كصالح في ثمود “
فأي جكرخوين تنفستُه ؟
ما كنت جكرخوين
وكنتُه كما أردت أن أكونه
سوى أنني أُبقيتُ منسوباً إلى ” شيخموس حسن “
أردتني اسماً لمجموع تجاوزاً للفرد الواحد
ووجهت بمن ترجم الحركة طمعاً في نيل منصب زعاماتي
إنهم همو الذين تبينْتهم أدلاء الطريق العظيم إلى نور الحرية
همو لا سواهم، ممن ” التهموا ” قلبي على مائدة الخطب القاحلة
همو من غيّبوا تلك الأمداء من سهول قصائدي المأهولة بالوعد اليقين
همو الذين نقلوا الترجمة المزورة لقصائدي وتفريغها من الأمل المرسوم
مضى زمن بعمر حياتي الشعري والأمام وراء 
أردتني نهراً فحوصرت بمستنقع عائم
رُسمتُ أفقاً فارتد أفقي صخرة سيزيف لكتم أنفاسي
بالبنا عالياً أشرت إلى ذروة الجبل
فانجررتُ بغتة إلى هاوية تقهقه صفاقةً
صرخت أنا لست أنا شيخموس حسن
أنا جكرخوين
ليتردد صداي مدوّياً في السموات السبع
كان الصدى يتردد: شيخموسو…. شيخمووووسوووو
كان جكرخوين يستصرخ الحجر الأصم
و:
العالم ازداد اتساعاً ورؤوس المعنيين به كردياً تزداد عجزاً عن التواصل
أي قبر هذا الذي يجدد في تعذيبي بالذي يصلني من خارجه؟
زئبق أرضي لم يَعُد يُرى..!
فأي جكرخوين كان علي أن أكونه ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…