ما ألعن الحياة في حاوية!

مردوك الشامي 

الأثرياء ليسوا من هذه الأرض ،  الفقراء وحدهم مصنوعون من التراب.
الأغنياء مسبوكون من الذهب. 
هذا البلد عددُ سكانه بضعُ سبائك، وجبالٌ من الغبار!
على ضريح الغني يضعون الأوسمة وأكاليل الزهر. 
على قبر الفقير يهيلون مزيداً من التراب. 
لا فرق بين شاهدة وأخرى، سوى أنّ الفقيرَ ساكنَ المقبرة، مطالبٌ بتقديم شهادة عن جودة ساكن الضريح وعظمته، في محكمة الآخرة.
يا للعدل!
* * * 
ما أكثر رسائلهم في بريد الآخرة، هؤلاء الفقراء المرفوعة شكاواهم دائماً إلى الله. 
لن تُقرأ رسائلهم إلّا في مكتب القيامة. 
فما أكبر أرصدتهم هناك!
البنوك التي على الأرض تفكر في إفتتاح فروع كبيرة لها في جهنم.
***
هذا القمر المدوّر الذي فوق، العاشق يراه وجه الحبيبة والشاعر يراه مائدةً للإلهام، الغني يراه لؤلؤة كبيرة في خزانته الحديدية.
الفقير يراه رغيف خبز.
ترى هل يرى القمرُ كلَّ هؤلاء؟ أم أنه أعمى؟
***
الوطن تركة يتقاتل عليها الجميعُ،  القصور للنبلاء، الحدائق والشواطىء للسائحين، الشوارع للعسس والمتسوّلين.   
التاريخُ لمتاحف الغرب والثرواتُ للقادة والحاكمين.
ثمة حاويات لا يطالب بها أحد. هناك فقط يتخاصم الفقراء على ما تبقى لهم. ما ألعن الحياة في حاوية!
* * *
الصبيّة الجميلة التي تتسوّل، العجوز قدمتْ لها ورقة من فئة الألف ليرة. الشاب حدجها بنظرة جذابة، ودار حولها دورتين ثم استقل سيارته وغاب. 
رجل الأمن تأمّلها بارتياب.
متعهّد الحفلات وقّع معها عقداً طويلَ الأجل لتقبر الفقر، وترقص في الدول المجاورة.
* * *
نص مستعاد ويتكرّر إلى الأبد
لبنان-بيروت

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…