إبراهيم محمود
رأيته منحنياً على روحه
بالكاد تبينَ لي وجهه المخطوف
كان يرتعش وهو المأهول بسر تاريخه العريق
أسفله دفء لا يخطئه لمسٌ
أعلاه الملفَّع بالبرد معمَّم بأنفاس شمسه المعتبَرة
أي خطْب جلَل غيَّر فيه هيئته
أحاله المعذب بسر لا يذاع
كما يليق باسمه ومسمَّاه؟؟
ما لهذا الجبل الذي لطالما أبصرت صورتي في مرآته
ضبطت نبض قلبي على ثباته الوقور المهيب الطلع
أعزز قامتي بذروته التي تهدي الطيور إلى أعشاشها
أبعد منها: النجوم إلى حيث مستقرها الأخير
الكائنات الخفية إلى حيث تستقر نفوسها الميكروسكوبية
أي طارئ بدا في كتلته المنطوية على اكتمال خلق استثنائي؟
أرسلت إليه خيال روحي
لعلّي أطمئِن روحي
يا صعقة البدء من جبل في تنهيدة غير مسبوقة
زاد ارتعاشاً مظهِراً اضطراباً في وقفته المطلوبة
أظهرت لي عيونه الكثيرة كآبة أذهلت الهواء المحيط بها
تندَّى بكامله، أتراه كان يبكي، أم هناك خدر قيَّد حركته المعتادة؟
عيناي تاهتا بعيداً سعياً إلى من يكون معبَري إلى حيث أتقن فن الإقامة في الحياة
إلى حيث تمضي الكتابة إلى بشر يرون فيه رقْيتهم،
حجابهم الحاجز،
نخاعهم الشوكي الصاعد إلى السماء،
لسانهم الناطق وهو في صمته ترجمان أمّة،
آمنت به عنواناً يصل الأرض بالسماء
بشر لا تاريخ ينطق إلا بحضوره،
وللجبل بصمته المنقوشة في جبهته تأكيدَ ديمومتهم
يا لحرارة أنفاسه….
أي صدمة أقعدته أم قصته عن كونه مرتجانا في كل نازلة.. صديقنا المؤكَّد!
راعني ما أراه فيه،
كأن عيني لأول مرة تلتقيه،
وكأنه للمرة الأولى يصعد بداخله إلى فضاء خارجه،
ليعلمني بما لم أعلم عنه بعد،
وأنه ما كان له أن يخفي وجهه المرهوب الجانب،
وجهه الذي يشغل مساحة واسعة تتعدى حدودي المجزأة،
بشري
أو شعبي المجزأ،
أو أمتي المقسَّمة،
أو ذاكرتي المنشطرة،
أو ” لوحي الكردي ” المتشظي في جهاته المعلومة،
وتبقيني على الخطوط النارية القائمة بين معلوم ظاهر ملغوماً،
ومجهول عصي على المفهوم،
وكأن الذي أتلمسه يعدّني لما أغفل عنه.
وأسمعني صوتاً نازفاً وجعاً استشعرته يستغرق كامل حضوره:
أوتحسبني جماداً يا أيها المشغول بأمَّة محاربة في اسمها ومسمّاها،
وأنا المأهول بأهوال أمة عهدت إلي حمولتها في الصداقة،
وأنا ما ادَّخرت جهداً في تبنّيها،
فأنا أتنفس تاريخها،
وتاريخها يستحم في ميائي، هوائي، ترابي، ناري،
وكل العناصر التي تمثّلها طبيعتي؟
أوتحسبني وأنا على هذا الوعد، وهو نصاعة علامتي الفارقة لما عرِفت باسمه شعباً،
ونسِبت إليه قيافة وعرافة وثقافة،
وتمازجت بكل ثقِلي التضاريسي،
مع ليله ونهاره، خارج مكابداته؟
أو تراني،
وأنا في تماسكي الصد علانية واحداً داخلاً،
وأنا الممتد شرايين قلب أرض كما عانت مآس،
وروح جغرافية كم تفجعت بسلالات نسيت الكثير مما يميّزها
إلا أن تبقي امتدادي وانبساطي وشموخي هدفاً استراتيجياً،
عقدةَ تاريخها المزمن؟
أو تعتقدني متجاهلاً ما يصلني بي،
وبي الكثير مما ليس بي وفيّ،
مع من أُعرَف بهم، ويعرَفون بي كرداً بالحرف الواحد،
ونحن نتناظر في الانشطارات والانتظارات المستدامة؟
أحسبْتها، بالله عليك،
كما هي حمولتك من الأعباء،
لتحسن سيراً،
تفكيراً،
وتعباً،
وأنا أسَمّى بمثل هذه العلامة المناقبية: الصديق المتفرد للكردي،
وفي الكردي ما يقسّمه ويقسّم نفسه به ؟
أتبصرني واحداً ولست واحداً ،
إن دققتَ في وجهي، وشمول حضوري؟
أنا جبل أكثر من جبل
وفي كل جبل ما يثقِله بالجبل الآخر نظيره وتوأمه في المجاهدة
وليس في اختلاف الاسم سوى ما لا يستحق الذكر
أنا مفرد بصيغة الجمع
جبل إنما جبال تلتقي في صنعة حِدَاد جغرافية يعرفها التاريخ جيداً.
أتريد أمثلة لتأخذ بي علماً بما يكون عليه حدادي بك وبي حيثما كنت؟
من جبل هلكُرد، إلى جبل حمرين، إلى جبل برادوست، إلى جبل شيخا دار، إلى جبل سيبان، إلى جبل جودي، إلى جبل زاغروس، إلى جبل كوكب، إلى جبل زاوا، إلى جبل آكَري…
إلى عشرات الجبال الأخرى،
وكلها تلتقي في اسم واحد هو الجبل،
كما تقول ” الكردي ” نسبة إلى الكرد.
هي ذي مأساتي،
مأساتي المميَّزة بي والتي تبقيني جبلاً لم يؤخَذ باسمه جبلاً،
كما هو أنت،
حتى بالنسبة إلى الجبال الأخرى التي تكون لها هوياتها ولغاتها،
وعاداتها وتقاليدها وأغانيها وشعوبها .
وهذا الذي يبقيني مرصوداً وتحت المكاشفة والتنكيل بي
بوسائل ترويع شتى،
أتراه يمنحني هدوءاً أم مقدرة على البقاء أنا كما أنا،
وأنا أراك لست أنت كما أنت،
ولا الذين يحتمون بي،
وأجدني مع الزمن كمن يطعن في السن،
وخشيتي أن أبلغ مقام أرذل العمر،
ولا أعود قادراً على احتضان ولو دجاجة كردية
وحمايتها من طائر كاسر،
فكيف بإنسان مثلك،
وهو الذي أقعدني هكذا ويزيد في مخاوفي؟
هل تحتاج إلى إضافة لأبوح لك بما لم أبح به لأي كان،
وأنا هنا ولا أدري ما نوع ” هنا “
حيث” يبكي بعضي على بعضي معي ؟”
وأنا أراني مصدوماً نازلاً ” من شامخ عال إلى خفض ؟ “
لا إضافة بعد…!!!