الوفرة تَخْلُق الغفلة

ابراهيم البليهي

 

الوفرة تَخلق الغفلة وبمقدار تعاظم الوفرة تَستَحكِم الغفلة وهذه هي حال الجيل الحالي في كل العالم حيث يعيشون في وفرة هائلة في كل شيء فيغفلون عما عانته الأجيال في الزمن السحيق …..

إن الإنسانية في الزمن الحاضر تعيش وفرةً هائلة في الوسائل والأدوات والإمكانات ووفرة الغذاء وهي نتاج أجيال ممتدة تكوَّنت بالكثير من المحاولة والتجربة التي يكون الكثير منها مُهْلكًا أو مُمْرِضًا ……

إن الأشياء المستحدثة تغمر الجميع فيغفلون عن حقيقة أن هذه الوفرة الهائلة طارئة على الحياة البشرية وأن البدايات كانت في منتهى الكلال والضعف والندرة …..

إن الأجيال التي تغمرها  الوفرة الهائلة في كل شيء يغفلون عما عاناه الأسلاف من خوف وجوع وجهل وغياب تام للوسائل والإمكانات إن الجيل الحالي يحتاج إلى من يدفعه  دومًا إلى أن يتذكر ويعي البدايات الضعيفة حين كان الإنسان في أحسن أحواله لا يملك سوى حجر قد تمت تهيئته ليكون أداةً قاطعة أو عصى يتحسس به ما تخفيه الحشائش من الهوام القاتلة ويستعين به في أمور شتَّى ……

في الزمن السحيق كان الإنسان لا يعرف الثمار القابلة للأكل فالكثير من الثمار والنباتات يكون سامًّا أو غير صالح للأكل مما اضطر الأسلاف إلى أن يُجربوا أكل الثمار دون أن يعرفوا الضار من النافع فيموت البعض ويكون عبرة لمن حوله حيث يتعلمون بأن هذا النوع من الثمار قاتل ويتكرر المشهد مع كل ما هو قابل بأن يؤكل وبواسطة منهج التجربة والخطأ تَعَرَّفَتْ البشر على الثمار النافعة والثمار القاتلة …..

وكان الإنسان لا يتغذى إلا بما هو جاهز من الثمار ثم اخترع استخدام النار وابتكر الطبخ فاتسعت مساحة الغذاء ثم ابتكر الزراعة فصار لا يعتمد على الآني الذي يلتقطه بل صار منتجًا للغذاء وصار هذا الغذاء قابلا للتخزين فلا تكون إمكانات الغذاء آنية ……..

واستأنس بعض الحيوانات مثل الأغنام والماعز والأبقار والإبل والخيل وغيرها فاتسعت دائرة غذائه ولكنه قد تكاثر تكاثرًت غير مسبوق فلاحقته ندرة الغذاء …..

كل ذلك نجده في علم الانثروبولوجيا وبشكل أخص نجد تركيزًا لهذه الرحلة الإنسانية  المشحونة بالمعاناة في الكتب التالية :

– كتاب (قدحة النار: دور الطهي في تطور الإنسان) تأليف ريتشارد رانغهام. وترجمة فلاح رحيم

– ⁠كتاب (ما أكله الأسلاف وأهميته في حياتنا) تأليف ستيفن لي. وترجمة موسى جعفر

– ⁠كتاب (قصص من الطبيعة ألهمت الإبداع البشري) تأليف باتريك أرييه وترجمة سامر أحمد وهو يتحدث عن ٣٠ حيوانًا تم تدجينها خلال التاريخ السحيق فأسهمت في بقاء الإنسان وتكاثُره واستمراره …..

– ⁠كتاب (تاريخ العالم كما ترويه النساء) تأليف روزاليند مايلز – وترجمة د رشا صادق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…