البروفيسور فاروق إسماعيل: شغفٌ علمي ومواقفٌ أصيلة في وجه التحديات

عرفت البروفيسور فاروق إسماعيل منذ مطلع شبابي، حين كنت طالبًا في سنتي الجامعية الأولى وكان هو طالب دبلوم في جامعة حلب. كان يكبرني سنًّا ويسبقني في الدراسة، وأدهشني منذ البداية بشغفه العميق في البحث والتنقيب عن تاريخ المنطقة وحضارات الشرق القديم. وهو ابن لمربٍ من أوائل معلمي منطقة الجزيرة في سوريا، رجل تربى في بيت العلم والثقافة، فكان العلم طريقه والبحث رسالته.

ورغم أنه كان محاضراً حينها، طلب مني أن أقدمه في إحدى محاضراته في المركز الثقافي في قامشلي، حيث كانت محاضرة بعنوان “الطوفان من خلال النصوص القديمة”. ذلك التواضع الذي أبداه في تلك المناسبة أثار إعجابي، وجعلني أقدّره أكثر كعالم وإنسان وصديق. كانت تلك المحاضرة نواةً لرسالة الدبلوم التي تابعها، وقد دعاني بعدها لحضور مناقشة رسالته للماجستير في جامعة حلب، لكنني لم أتمكن من الحضور بسبب ظروف خاصة.

منذ بداياته، اتسم البروفيسور فاروق بجرأته في التصدي لمحاولات تزوير التاريخ، ولم تكن آراؤه مجرد مواقف أكاديمية، بل التزامًا أخلاقيًا يعكس إيمانه بالحقائق الثابتة. في حوار مع مذيعة سورية سألته عن تاريخ المنطقة، قال بوضوح إن “العرب آخر من أتوا إلى هذه المنطقة، يقصد السورية.” كلمة لم تكن عابرة، بل كشفت عن عمق معرفته وشجاعته في طرح ما يخشى كثيرون قوله، ما جعله في مرمى استهداف النظام.

حين اندلعت انتفاضة 12 آذار، ظهر دوره بجلاء في التصدي لمحاولات تزييف التاريخ، حيث انتشرت المزاعم بأن الكرد “ضيوف” على هذه الأرض. أمدني بالمراجع وأشرف على صياغة ردود دقيقة تسهم في توضيح الحقائق، وتكشف زيف السرديات التي تروجها الأجهزة الرسمية.

أما في مجال العمل الميداني، فقد حرص البروفيسور فاروق على تعميق خبرته من خلال مرافقة البعثات الأجنبية في أعمال التنقيب في منطقة الجزيرة، حيث كان يخرج مع تلك البعثات منذ الصباح الباكر وحتى المساء، متحملًا عناء الجهد والسفر، متطلعًا عبر ذلك لفهم أدق لتاريخ المنطقة وآثارها.

وكانت جامعة المأمون إحدى ساحات المواجهة، عندما أصدر صاحب الجامعة، مأمون حلاق، قرارًا بمنع اللغة الكردية. وقفت في وجه هذا القرار بدعم من البروفيسور فاروق، الذي ظل بجانبي وداعمًا لموقفي. وتوجت المواجهة حين قدم حلاق شكوى ضدي إلى وزير الإعلام السوري آنذاك، ليتدخل الدكتور خلف الجراد، ويقف معي في هذا الموقف. وهو موقفٌ لا أنساه، حين دافع الجراد عني بشجاعة أمام الوزير، موضحًا الحقائق، وكاشفًا عن محاولات التلاعب التي كانت تستهدف الوجود الكردي وهويته.

مؤخرًا، جاء تكريم البروفيسور فاروق إسماعيل بجائزة الاتحاد العام للآثاريين العرب في القاهرة كتقدير مستحق لإنجازاته العلمية المرموقة. إذ إنه بين تخصصه في اللغات القديمة وإسهاماته في دراسة حضارات الشرق وآثاره، أثبت جدارته بتراث علمي يواصل إثراء الأجيال المقبلة.

الباحث طخ خلو يستلم الجائزة بدلا عن البروفسور فاروق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…