” العالم يتكلم كوردي”: في معرض أربيل الدولي للكتاب، لعام 2025 ” 17 “

إبراهيم محمود

 

 

هكذا يظهر الكتاب، هكذا ينفتح الكتاب، هكذا يستشرف الكتاب، هكذا يُسمّي الكتاب، هكذا يعلّم الكتاب، هكا يميّز الكتاب، هكذا يمضي الكتاب إلى أهله، هكذا يثبت الكتاب أن فاز من كان إليه ينتمي، ومن به ينطلق، ومن به يبحث عن اسمه، عن موقعه، عن صوته، عن ثقافة يعرَف به.

وهكذا كان المعرض السنوي لهذا العام” 2025 “، أي في معرض أربيل الدولي للكتاب السابع عشر، ، سبعة عشر عاماً، رقم له حسابه الدلالي، وما يُرتجى منه أكثر، والكتاب ينوّع أسماءه، وهو يحمل من جهات أربع، بلغات شتى. كتبٌ أبصرت طريقها إلى المعرض، وأبصرت طريقها إلى اليد التي تعنى به حمْلاً، والعين التي تنظر إليه وداً، أو تأكيد حساب، والعقل الذي يقيّمه مكانةَ، والأيدي تتنوع، وكذلك الرؤى، كذلك الاعتبارات، كذلك المعنيون بالكتاب ودُوَله، ويكون هناك، هنا، ما بينهما، ودائماً، من يعترف بالكتاب شاهدَ حضارات وحامل ثقافات، مؤبّد شعوب وأمم، ألسنة ولغات، الجامع بين مجتمعات بشرية، حباً بالينة الموحدة: الإنسان، كما هو دأبه، وكما عرِف الإنسان به، وكما يسعى لأن يعرَف به، لأنه صنيعه وصانعه في الوقت نفسه.

 

 

من اليمين: تنكزار ماريني، يانين رغو جان، أنا، وبسام مرعي

 

وباسم الكتاب يكون هذا الاستقطاب، بغضّ النظر عن نوعه وجنسه، وأصنافهما كموضوعات، يكون هذا التلاقي، كما لو أن السنة بكامل أيامها، تنتظر هذه الأيام المحسومة والمحسوبة محك اختبار للكتاب، وما يعيش من تحول، ومن تغيير في شهادته، هي ” أيام عشرة ” الكتاب الحديقة، كما هو المكان المأخوذ بسطور شجرية ” باركا: حديقة سامي عبدالرحمن، حيث عيون تبحث عن بعضها بعضاً، وأيد ٍ تصافح بعضها بعضاً، وأحضان تتم، بنِسَب ودّ وشوق مختلفة، والكتاب هو العبّارة والعبارة الفصل، في مبتدأ الاسم وخبره، وما يكون للكتاب من فضل التوقيت، وفضيلة التلاقي، مشاركة في أنشطة يكون الكتاب فاعلاً  فيها، ولقاءات على الهامش، بمكرمة منه .

كلٌّ يبحث عن هوى معين، حتى من ليس فيه سهم ما في هوى الكتاب، أو ميل ما إليه، سوى أن مجيئة إلى المعرض، دخوله إليه، تناوله لمشروب معين، أو صندويش ما، أو أخْذ حيز مكاني: جلوساً إلى الطاولة، أو وقفات هنا وهنا، فضول نظر، أو إلقاء تحية هنا وهناك، أو مسحَ مكان يثيره نفسياً، لا ينفصل عن أن الجاري ينعطف على الكتاب، وهو يعلّم ولو بالإشارة وسواها، فما بالك بالذي له علاقة روحية، علاقة من يجد حضوراً له في التاريخ، في ذاكرة المكان، به، كيف يكون الحديث عن حق الكتاب على من جعله الإنسان الناطق بكل اللغات، والواجب نحوه؟!

من يمتلك ” ذرّة ” وجدان كتابية، يدرك إلى أي مدى، درجة، ومستوى يضعنا الكتاب في تاريخ أكبر من تاريخ، وفي مكان يتجاوز نطاقه المضروب أو المعلوم معرضياً، بأجنحته، وأسماء أجنحته، والجهات التي قدِم الكتاب منها، وهو يقدّم سرديته المختلفة، أو التي يعرَف بها، وسرديته التي تلي دخوله المعرض، حيث يتصفحه أحدهم، أو يقتنيه بتقدير معين.

 

السيدة سونكُل وأنا في جناح أفيستا

 

لا أجمل من لقاء غير متوقع، أو يحصل مصادفة، مع من تحب، أو تتنفس بعمق شجري وارف الظلال، لحظة سماع صوته، فتلتفت إليه، أو تناديه باسمه، وفي كل منكما ما يعزّز حمدانية الكتاب ورفدانيته بمعان ٍ ملهمة، وحيث التنقل بين أجنحته، ورؤية من لم تره منذ عام وأكثر.

ولكم هذا اليوم يوماً ليس كأي يوم، جهة تلاقي وجوه موزعة في جهات متباعدة عن بعضها بعضاً، وها هو المعرض قد قلّص المسافة، ولو أن اللقاء لا يطول، لكنه يفلتر الروح ولو قليلاً.

هو ما عشته، مثلاً، وأنا أحاول مصافحة عناوين كتب مختلفة، واقتناء بعض منها، تجاوباً ليس مع الرغبة القرائية، لو كانت هذه فاعلة، لدفعت المعرض في مجموع عناوين إلى المكان الذي أراه قادراً على استيعابها، وعرْضها لمن يجد في نفسه ميلاً إلى أي منها، إنما مع ما بات مألوفاُ بحكم العلاقة، جهة كتب تكون أكثر تمثيلاً للمبتغى، والشاغل للنفس والعقل.

كان اللقاء الأول في جناح ” آفيستا ” الكردي المعروف، والذي تديره السيدة ” سونكُل: الوردة الأخيرة بالتركية “، وهناك كان اللقاء بأهل الكتاب المدمنين: تنكَزار ماريني، بسام مرعي، ويانين ريغو جان” زان ” الألمانية عاشقة الكردية، وهؤلاء الأحبة ، أحبة الكتاب، شاركوا معاً في نشاط ترجمي في المعرض، بُث تلفزيونياً” البارحة “، تنادت في الحوار أصداء ثقافات، ولغات، حباً بالإنسان الواحد الموحد.

وليكون في المرتجل في الكلام بعد التحية والسلام، ما يفعّل المرتجل تقديراً تبادلياً، وليتعمق ذلك في  ” بوفيه ” المعرض، محلقين حول الطاولة، ولكل كل واحد ما يريد إسماعه للبقية بداعي الحنين إلى مكان مشترك، أو التوق إلى رغبة مفكَّر فيها بدمغة ثقافية، كنا الأربعة، ومن ثم جاء آخرون: آزاد مصطفى، برزان حسين، عبدالرحمن درويش، ومن لا أستطيع التأكد من اسمه.

ما يهم هنا، ليس سرداً أو إحصاء لأسماء، وإنما تأكيد حقيقة لها أرومة ثقافية لا تُنسى، ذات صلة مباشرة بالكتاب، وما يعنيه الكتاب للإنسان، للمجتمع وأهليه، ومن يتظلل به.

 

من اليمين، يانين، أنا، برزان حسين، آزاد مصطفى، بسام ، تنكزار ” الأسماء مختصرة، لأنها ذكرت سابقاً “

 

وما هذا الشعار الجديد، هذا اللوغو المأخوذ به بكامل صداه الدقيق: العالم يتكلم كوردي، إلا التجسيد الأعظم عما يمكن للكتاب أن يقوم به، ألَا ينظر إليه جسماً جامداً، إنما أكثر من كونه روحاً في جسد واحد، إنما ما لا ينحصر فضلاً في حدود اعتبارية معينة، حدود تلغي الحدود.

وما كان لي أن أسطّر ما سطّرت إلا اعترافاً ثابت القيمة ومزكّيها للكتاب. شكراً يا معرض أربيل الدولي للكتاب في عمره ” السابع عشر ”  إلى لقاء ” الثامن عشر ” وإن لم أكن موجوداً حينها، حسبي الكتاب الذي تقدّمت به وصفاً وتوصيفاً، في هذا الحديث الحميم، أن أكون اسماً فيه، وكفى! أليس جل الذين حضروا بكتبهم، هم من هذا المعدن النفيس الذي كلما تقدم بهم الزمن زادوا ألقاً؟

 

شارك المقال :

One Response

  1. كما تعودنا .. ومن دون أن نرتوي، إن نتذوق العذوبة والمعرفة من ذاك المنهل الذي لا ينضب، نعم، انه الكاتب،المترجم والباحث الكوردي الرائع ابراهيم محمود
    فسلام والف تحية لكل من ابدع ويبدع في انتقاء كل ما هو جديد، واحترام وتقدير للاساتذة تنكزار ماريني، بسام مرعي، وكل من شاركنا سعادة اللقاء

اترك رداً على برزان حسين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…