الوطن الهاجس

فواز عبدي

يا وطناً عشنا هاجسه ولم نعشه،

في ظلال المساءات المُثقلة بالسراب،

نرسم على جدران الهواءِ خريطةً للحب،

وننسج من الأوهام جُدراناً من تراب.

يا وطناً يتكوّر بين الغيمات الهاربة،

كسرب طيورٍ لا يعرف الأرض مستقراً،

نحمل في حقائبنا مفاتيح لمدنٍ لم تُخلق،

وننقش على الماء وجهك المتبخّر.

هناك حيث الأشجار تُغنّي بأصواتٍ من زمنٍ غابر،

وحيث النهر يجري عكس اتجاه الشمس،

نُطلق أسئلتنا التي لا تتلقى أجوبة،

ونرى في الأفق جبالاً تبتلع الحزن.

يا وطناً يحترق في الأفق كنجمةٍ تائهة،

ويغفو في أعين الأطفال حلماً مؤجّلاً،

نتبعك في دروب لا تؤدي إلا إلى الفراغ،

ونبني في الهواء مدناً.

في شوارعك تسرح الأحلام بأقدامٍ من غبار،

والأمل يلبس معطفاً من الريح،

يا وطناً هو العدم الحاضر في كل الأشياء،

والوجود المتلاشي في زوايا المساء.

يا وطناً نُشعل له قناديل الكلام ولا نلقاه،

نركض في اتجاهه دون أن نلمس بابه،

يظل في قلوبنا حلمٌ لا ينكسر،

ومدينة لا تطأها الأقدام، لكنها في أعيننا تنتظر.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…