“تجليات الجسد وظلال الهروب” قراءة نقدية في «جسد في ظل» لعبد النبي فرج

جوان سلو
الجسد كرمزٍ مركزيٍ، لا يفارق مكانه حتى بعد الموت. تجليات الجسد من خلال الأشباح والأطياف والظلال، تضفي طابعاً من الغموض والغرائبية، مما يثري البعد الدرامي للأحداث ويعمق من إحساس القارئ بالتوتر والترقب.
صدر حديثاً عن دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع والترجمة في سوريا. قامشلي. المجموعة القصصية للكاتب عبد النبي فرج. وقد جاءت في ١٣٤ صفحة من القطع المتوسط. مكونة من ٢٧ قصة قصيرة.
تصميم الغلاف رامي مسور.
العنوان والرمزية:
العنوان “جسد في ظل” يثير الانتباه للإفراد والتنكير في مفردتي “جسد” و”ظل”، ما يعكس تعدد الأجساد والظلال المختلفة. هذه الأجساد تبدو شهوانية أو عاجزة أو مخنثة أو بدائية أو مقهورة. التعدد في الشخصيات يعكس تنوع الظلال لكل جسد، ما يعني تباين الظلال والعوالم السرية لكل شخصية.
الراوي وتقنيات السرد:
الراوي في بعض القصص هو مشارك في الأحداث وفي أحيان أخرى مراقب من الخارج. الشخصية الرئيسية غالباً ما تكون مستغرقة في ذاتها أكثر من واقعها، مما يجعل المنولوج الداخلي واستخدام ضمير المتكلم بارزين في النصوص. الكاتب يستخدم هذه التقنيات لإضفاء طابع شخصي وقريب من نفسه، ولكنه لا يتماهى معه بالكامل.
الغموض والغرائبية:
الكاتب يميل إلى كسر اعتيادية الواقع وصنع درجات عالية من الغرائبية بأسلوب كفكاوي، كما يظهر في العديد من القصص. هذا يعكس رغبة الكاتب في الابتعاد عن التماهي الرومانسي والسخرية منه.
المزج بين الجاد والهزلي:
يمتزج الجاد والهزلي في القصص، مما يعكس تأثير الكوميديا السوداء واعتياد المأساة. الأمثلة من القصص توضح كيف يستخدم الكاتب هذا المزج ليكسر أفق التوقع ويضفي حس المفارقة.
الشخصيات والتجريد:
الشخصيات في القصص تعاني من نقص ما، سواء كان نقصاً مفاجئاً أو صريحاً ظاهراً. هذا النقص يقضي عليها في النهاية، مما يعكس مأساة هاملت حيث تدمر المعرفة التراجيدية الشخصية.
الهروب والواقع البديل:
يستخدم الكاتب موضوع الهروب كأداة أساسية في سرد القصص، سواء عبر النوم، الحلم، أو الهلاوس. هذا الأسلوب يعكس رغبة الشخصيات في الهروب من واقعها القاسي واللجوء إلى عوالم بديلة توفر لها ملاذاً مؤقتاً من القهر والمعاناة. الهروب هنا ليس مجرد فعل فيزيائي، بل هو استجابة نفسية عميقة لقسوة الحياة.
التقنيات السردية:
يظهر الكاتب مهارة فائقة في تقنيات السرد، حيث يقوم بخلق أنفاق متعددة للهروب من الواقع. هذه التقنيات تعزز من عمق النصوص وتنوعها، وتجعل من كل قصة عالمًا قائمًا بذاته يمكن للقارئ أن يغوص فيه. الكاتب يرفض الامتثال للقوالب التقليدية، مما يجعله يتميز بأسلوب خاص يجمع بين السرد الواقعي والفنتازي.
استعادة التاريخ المحكي:
من خلال السرد الغني والمتنوع، يكشف الكاتب عن إمكانية استعادة مناطق أعمق في التاريخ المحكي. هذا يتضمن اكتشاف الأنا عبر الآخرين ومعارفهم، وهو ما يعزز من التعقيد النفسي للشخصيات ويضفي عليها طابعًا إنسانيًا عميقًا.
نقد السلطة والقهر:
الرفض القاطع للامتثال للقهر والسلطة يظهر بوضوح في النصوص. الشخصيات تسعى دائمًا للتمرد على واقعها، حتى لو كان ذلك الثمن هو الضلال أو الهلاوس. هذا يعكس رغبة عميقة في الحرية والتحرر من القيود المجتمعية والنفسية. يظهر عمقًا فلسفيا ونفسيا يجذب القارئ نحو عوالم متعددة ومتداخلة. الكاتب يجمع بين السرد الواقعي والفنتازي بأسلوب مبتكر يتيح للقارئ استكشاف المعاني الخفية والرموز العميقة. هذه النصوص تعكس براعة الكاتب في استخدام تقنيات السرد والرموز لبناء عوالم قصصية ثرية ومعقدة.
عبد النبي فرج يظهر ككاتب متميز يتمتع بموهبة فريدة، يكتب من ذاته ويمتلك صوتاً إبداعياً خاصاً به. هذه المجموعة القصصية تقدم تجربة قراءة تتسم بالغموض والسخرية والعمق الأدبي..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

أطلّت علينا الكاتبة وجيهة عبد الرحمن بنصّ سرديّ، يحمل إشكالية المجتمع المتنوّع دينياً ولغوياً وقومياً، معنونٍ بـ «لالين» مع عنوانٍ فرعيّ مكمّل «حدث أن تزاوجت دور العبادة» صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2016م. تتضمن الرّواية فصلين، الأول غير معنون ومؤلف من ثلاثة عشر مقطعاً مرقماً، الثّاني معنون بـ«لالين… سليل نهايات الحروف»…

ناشرون فلسطينيون| رام الله
مقدمة:
كتاب “سر الجملة الاسمية” (الرقمية، 2025) للكاتب الفلسطيني فراس حج محمد يمثّل إضافة نوعية للمكتبة العربية، فهو لا يقتصر على دراسة لغوية بحتة، بل يتعداها إلى تحليل أدبي عميق، ويكشف عن أبعاد جديدة للشعرية العربية. يركز الكتاب على قوة الجملة الاسمية وإمكانياتها الإبداعية، مستعرضاً نماذج متنوعة من الشعر والنثر العربي، والكتاب عمل…

أقام الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد بالتعاون مع اتحاد كتاب كوردستان سوريا ندوة وحفل توقيع رواية «الزلزال» ، للكاتب والروائي ريبر هبون في مدينة إيسن الألمانية
بحضور جمع غفير من الحضور المعنيين بالشأن الثقافي
أدار الجلسة الشاعر مروان محمد “Bavê Zozanê”
كما وقدم الأديب والناقد ابراهيم اليوسف لمحة عن تجربة الكاتب ريبر هبون وإضاءة نقدية حول رواية الزلزال…

غريب ملا زلال

في حدود
طفولتك الأولى
أو فوق عرزال
كنت تعد نجوم الصيف
في ليله الجميل
أن تموت ببطء شديد
في شارع بيتك القديم
المطلي بهموم الراحلين
أو بين رفوف مكتبتك
حتى يتلقاك كتابها المجانين
إبتهاجاً بقلبك الموزع
على كل غلاف أو جدار
أن تموت ببطء شديد
في ساحة البيت الكبير
الصامت حزناً
على العاشقين الغائبين
خير
من أن تموت بسرعة الضوء
قي قصر
يشبه إناءاً فخارياً ،
طري العنق
جُهِّز
كي يرمى أرضاً
قرباناً
للإله الذي سيجيء

العمل ل ليديا…