لوركا بيراني
في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.
إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر العولمة.
المثقف الكوردي: حارس الهوية في وجه الانجراف
المثقف الكوردي ليس مجرد كاتب أو شاعر
بل هو حارس الهوية الثقافية في وجه التحديات التي تتزايد مع تسارع وتيرة العولمة.
إن الدور الذي يلعبه لا يقتصر على تسجيل الذاكرة الجمعية للكورد بل يمتد إلى التفاعل مع الثقافات الأخرى دون الانصهار فيها.
هنا تبرز إشكالية عميقة
هل يكفي ما يقام اليوم من فعاليات أدبية لحماية الإرث الثقافي الكوردي؟
الحقيقة أن التحديات تفوق ما يقدمه هذا الزخم الثقافي. في عالم تتشابك فيه الثقافات وتتصارع على إثبات وجودها يحتاج المثقف الكوردي إلى أدوات جديدة ووعي نقدي يمكنه من التكيّف مع المتغيرات دون التفريط بهويته.
الكتابة باللغات الأخرى سلاح ذو حدين
بين الكتاب الكورد الذين يختارون الكتابة بالعربية تبرز قضية مثيرة للجدل.
فالكتابة بلغة أخرى رغم ما تحمله من فرص للتواصل مع جمهور أوسع قد تنطوي على خطر انسلاخ الكاتب عن لغته الأم. هنا تبرز أسئلة محورية كيف يمكن للكتابات الكوردية باللغة العربية أن تصل إلى القراء الكورد في تركيا وإيران؟
وكيف يمكن لهذه الأعمال أن تعود بالفائدة على الثقافة الكوردية إذا لم تُترجم إلى لغتها الأصلية؟
إن الكتابة بلغات أخرى ليست خطيئة بل هي فرصة لتعزيز الحوار الثقافي.
لكنها تصبح عقيمة إذا لم تتبعها جهود جادة لترجمة هذه الأعمال إلى الكوردية. فالثقافة الحية هي التي تتنفس بلغتها الأم وتغتني من لغات الآخرين دون أن تفقد ملامحها.
نحو تفاعل ثقافي موحد
في ظل التحديات المفروضة على الشعب الكورديمن انقسام الجغرافيا إلى تعدد اللهجات وتباين التجارب تبدو الحاجة ملحة إلى تفاعل ثقافي موحد.
لكن هذا التفاعل لا يمكن أن يتحقق دون مشروع ثقافي جامع يعنى بجمع شتات الإبداع الكوردي في مختلف المناطق وتقديمه بصيغة موحدة تتيح للجميع التفاعل معه.
التفاهم مع الثقافات الأخرى لا يأتي إلا من خلال بناء جسر متين يقوم على الاشتراك الثقافي.
والمقصود هنا ليس ذوبان الثقافة الكوردية في ثقافات أخرى بل خلق حالة من التفاعل الإيجابي الذي يحترم خصوصية الكورد ويقدم إرثهم للعالم كجزء لا يتجزأ من التراث الإنساني.
تحقيق التوازن بين الهوية والاندماج
إن أكبر التحديات التي تواجه المثقف الكوردي في المهجر هي الموازنة بين الحفاظ على هويته الثقافية والانخراط في المجتمع الأوروبي.
هنا يأتي دور المؤسسات الثقافية في توفير بيئة تدعم المثقف في إنتاج أعمال تعكس خصوصيته وفي الوقت ذاته تسهم في إثراء المشهد الثقافي الأوروبي.
كلمة تقدير
لا يمكننا أن نختم دون الإشادة بكل من يسعى بإخلاص لنقل الكلمة الكوردية وصورتها الأدبية إلى العالم سواء عبر الكتابة، الترجمة، أو الفعاليات الثقافية.
إن المثقف الكوردي الذي يعمل بصبر وإصرار على إبراز هويته الثقافية يستحق كل تقدير
فهو الذي يحمل أمانة الماضي ويصوغ ملامح المستقبل.
ختاماً
يبقى المثقف الكوردي أمام مسؤولية جسيمة تتطلب منه التفاعل الذكي مع عصر العولمة دون أن يغفل عن مهمته الأساسية في حماية هويته الثقافية.
فعلى عاتقه ليس فقط نقل الكلمة والصورة بل بناء جسور تفاهم تصل بين ثقافته الأم وثقافات العالم.
لوركا بيراني
16 / 11/ 2024
غرايفسفالت