رشيد صوفي.. ملحمة حياة وإبداع

إبراهيم اليوسف 
ها نودع، اليوم، ونحن في لحظة  أسى ثقيلة،  الفنان والملحن الكبير رشيد صوفي، ابن كوباني الذي ظل وفيًا لها حتى الرمق الأخير. رشيد المبدع والإنسان، لم يكن مجرد موسيقي، بل كان روحًا تنبض بألحان الأرض، وسيرةً من العشق للمدينة التي لم يغادرها رغم الرياح العاتية.  إذ ظل متشبثًا بكوباني، عاش فيها ورحل فيها، كأنما لم يكن يرى نفسه خارجها، وكأن المدينة ذاتها كانت روحه التي لا تنفصل عنه.
لقد كان رشيد صوفي صديقًا نادر الوفاء، لم يعرف الغدر ولا المراوغة، لم يركض خلف المصالح، ولم يُغرَه بريق الزيف. أحب الناس بصدق، وبادل الأصدقاء حبًا بحب، ومواقف بمواقف. وقف معي في أوقات عصيبة، في مواجهة مقربين، مكانيا، وقفة صدق وشجاعة،  فقد كان صوته حاضرًا، وكان موقفه صلبًا. لم يكن يطيق الانتهازيين، لكن بروحه الكبيرة كان يحمي حتى من لم يستحق حمايته، كأنه كان يريد أن يمنح جميع من حوله فرصة أخرى، ليفهموا معنى النقاء.
رفيقة دربه، بروين بطال، ابنة قامشلو، لم تكن مجرد زوجة أو شريكة حياة، بل كانت جناحه الثاني، سنده في الأيام الصعبة، وظلًا لا يفارقه. كانت تعرف قيمة هذا الفنان الذي عاش للفن ولم يبع روحه لأحد. بقيت معه حتى اللحظة الأخيرة، كما بقيت كوباني في قلبه. قلب قامشلي، حتى آخر نفس وأغنية.
رحل رشيد، لكن صوته سيبقى، وألحانه ستظل تسري في ذاكرة الزمن. لن تموت الموسيقى التي صنعها بقلبه، ولن تُمحى بصمته من تاريخ كوباني، ومن وجدان كل من عرفه.
 اليوم، لا نبكي فقط على فنان، بل على إنسان نادر، لم يعرف المساومة، ولم يرضخ، ولم يبدّل قلبه بقلب آخر.
وداعًا رشيد صوفي، وداعًا أيها الوفيّ، أيها المخلص، أيها العاشق للأرض… ستبقى حيًا في ذاكرة كوباني، وفي قلوب من عرفوك حقًا.
يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

 

بعض الأفراد الموهوبين يحققون اختراقا في أي مجال يهوونه ويركزون عليه ويستغرق فيه اهتمامهم فالعبقرية هي اهتمامٌ تلقائي قوي مستغرق ……
إن الأمريكي صمويل مورس قد ترك وطنه أمريكا فسافر إلى أوروبا واكتسب قدرةً فائقةً في الرسم (الفن التشكيلي) واشتهر بدقته الفائقة في رسم الوجوه (بورتريه) فاكتسب في أوروبا شهرةً واسعة لكنه سينجز فيما بعد…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

إنَّ الهُوِيَّةَ في العملِ الأدبيِّ تَتَشَكَّل مِنَ الأحلامِ الفَردية ، والطُّمُوحاتِ الجَماعية ، والتَّجَارِبِ الشَّخصية ، والإفرازاتِ الثقافيةِ ، والعواملِ النَّفْسِيَّة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى وَضْعِ العَملِ الأدبيِّ في أقْصَى مَدَاه ، وإعادةِ إنتاجِ السُّلطة المَعرفية مِنْ مَنظورٍ اجتماعيٍّ قادر على اكتشافِ دَوافع الشَّخصيات ، ودَلالةِ الألفاظ ،…

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!

 

إبراهيم اليوسف

 

تمثل رواية” فرح خاتون*” الصادرة عن دار الزمان للطباعة والنشر، تجربة سردية ذات طابع استثنائي، تمتزج فيها السيرة الفردية بالسياق الجمعي، وتُروى الذات الكردية لا عبر صراع سياسي مباشر، بل من خلال جسد مريض وذاكرة محاصرة بالموت والعزلة. تدور الرواية حول فرح عبد الكريم عيسى علي، المرأة التي تكتب من سرير المرض في مستشفى…