عبد الجابر حبيب
على كتفِ الضحَّاكِ نبتتِ الأفاعي،
وكلَّما جاعَ الظلامُ،
كانتِ الرؤوسُ ولائمَ جنونهِ.
لكنَّ كاوا،
بحدِّ المطرقةِ، بوهجِ الشرارِ،
شقَّ في الليلِ نافذةً،
وأوقدَ للنارِ درباً.
قد لم يمتِ الضحَّاك،
ولكنْ لم ينكسرِ الجبل،
ومنذُ القدم
يبتلعُ صرخاتِ الذينَ ظنّوا
أنَّ الفجرَ لا يعودُ إلى الوراءِ.
“نوروزُ قادم!” هتفوا،
رغم أنَّ الجبلَ مغلقٌ كجفنِ نبوءة،
فارتطمت مطرقةُ كاوا
بليلٍ مسمَّرٍ على جذعِ الغياب،
فانكسر الصمتُ الحجريّ،
على آمالٍ باردةٍ كضلوعِ المدنِ المطفأة،
بينما الشمسُ تختمرُ كرمادٍ
يتطايرُ في أفواهِ السهولِ العطشى،
ولا يمسُّه المطر.
في ظلمةِ القلاع،
صرخت ميديا فارتعشتِ الجدران،
غزلتْ من اللهبِ شالاً لجنيةٍ
ألم يقولوا عنَّا “نحن الكرد”: أبناءُ الجنِّ هؤلاء؟
بينما كان أطفالُنا في سراديبِ الحكايا المذبوحة،
يحفرونَ شمساً على الصخر،
يركضونَ خلفَ المدى
حتى يعترفَ الصخرُ بأنهم أبناءُ الشمس.
لن نعاتبك يا مطر،
نعرفُ أنكَ تتقنُ فنَّ المحوِ
أكثرَ من الكتبةِ والرواة،
أكثرَ من الشهودِ الذين
لم يروا سوى ظلِّهم على الجدران.
هناك على حافةِ الرحيل،
تذكّرتُ مهاباد،
وهي في أزقّةِ الموتِ تصرخُ،
بينما كان القمرُ جائعاً يُطلُّ
على أنفاقِ الخيبة،
لذلك لا تستغربْ إنْ
رأيتَ وجوهاً تعبرُ جسرَ الحكايةِ
وتذوبُ كفصلٍ سقطَ من سفرِ البلاد.
قبل قرنٍ
أوقدَ الكهنةُ ناراً لا تخبو،
على جبينِ ميديا،
لكنَّ الغرباءَ سحبوها من شعرها،
نثروا في عينيها ملحاً،
حفروا حولها خنادقَ الخوف،
وجعلوا لها جبلَ زاغروس تابوتاً،
تابوتاً يضيقُ بأبنائها يوماً بعد يوم.
حتى انفجرَ التابوتُ يوماً!
فخرجنا حاملينَ أسماءَنا إلى الذرى،
غضبتِ الجبالُ،
صفعتِ الريحَ،
لم تفتحْ إلّا أذرعَها للشهداءِ.
فوق كلِّ صخرةٍ اسمٌ،
فوق كلِّ اسمٍ جرحٌ،
فوق كلِّ جرحٍ طريقٌ
ينتهي عند أبوابِ الريح.
يا تُرى
متى يحفرُ وهجُك دروبَ السماءِ
يا نوروز؟
متى تُشعلُ من الدخانِ فجراً
ينزُّ لهباً من جرحِ الريح؟
متى ينبتُ لهيبُك من رمادِ الدروبِ،
ويُزهرُ زهراً لا يعرفُ الذبول؟
متى ينكسرُ هذا الليلُ
بين أيدي الذين
نحتوا أسماءَهم على ضلعِ الجبل،
ثم صاروا حجارةً
ترفضُ أن تنحني؟
متى ينبتُ قوسُ قزحٍ
يليقُ بمن حملوا الأرضَ على أكتافِهم،
ثم مضوا كأغنيةٍ يتيمة،
وتركوا خلفَهم ظلالاً
لا تمحوها الريح،
ولا يعرفها الغياب؟