خالد بهلوي
استقبل السوريون هذا العام شهر رمضان المبارك لأول مرة دون عائلة الأسد، التي حكمت البلاد بقبضة أمنية صارمة على مدى أكثر من نصف قرن مارس خلالها اشد أنواع القتل والتدمير. وكان أبرز تداعيات الاحداث تشتت الأسر، حيث غاب كثيرون عن أسرهم؛ أما هذا العام استقبلت العديد من العائلات أولادها العائدين إلى وطنهم بعد سنوات من الغربة والفراق، واجتمعوا على طاولة الإفطار.
لشهر رمضان المبارك قدسية خاصة، سواء من الجانب الديني والروحي حيث يزيد المتدينون العبادة بالصوم والصلاة، أما من الناحية الاجتماعية يزداد الألفة والمحبة والتآلف بين الناس من خلال تقديم المساعدات، سواء العينية أو المالية للفقراء والمحتاجين. وللأسف، انحدرت طبقة الموظفين لتنضم الى الطبقة الفقيرة المعدومة نسبيا التي تستحق مد يد العون والمساعدة.
تشهد الأسواق السورية ازدحامًا كبيرًا قبيل رمضان، حيث يحرص الناس على شراء التمر، والمكسرات، والمواد الغذائية الأساسية لتحضير الأطباق الرمضانية. كما تُسمع أصوات الأناشيد الدينية في المساجد وبعض المحلات، ويُكثر السوريون من قراءة القرآن وأداء صلاة التراويح في المساجد التي تزدحم بالمصلين، فضلًا عن تقديم الصدقات وإفطار الصائمين.
في السابق، كانت تتميز المائدة الرمضانية في سوريا بتنوع أطباقها، كانت تبدأ عادةً بالتمر والماء أو شراب التمر الهندي او عرق السوس وقمر الدين، ثم تأتي الشوربات مثل شوربة العدس. أما الأطباق الرئيسية كانت تشمل اليبرق (ورق العنب)، والكبب بأنواعها، والمحاشي، إضافة إلى الفتوش والتبولة. ولم تخلو المائدة من الحلويات الرمضانية الشهيرة مثل القطايف، والعوامة، والمشبّك.
لكن مع تردي الأوضاع الاقتصادية، أصبح تبادل صحون الإفطار بين الأسر شبه معدوم بسبب الغلاء وقلة الإمكانيات المادية، ما أضعف الروابط الاجتماعية والأسرية. كما تغيّرت العديد من العادات والقيم التي كانت متداولة في شهر رمضان الفضيل، وغابت اللحوم والفروج والحلويات عن موائد أغلبية الشعب، وأصبح تنوع الأطعمة على مائدة الإفطار من الكماليات. في كثير من الأحيان، تعيد الأسر تسخين الطعام المتبقي من اليوم السابق لتفطر عليه.
على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة حافظ السوريين على أجواء رمضان وفق العادات والتقاليد الموروثة. فالتعاون والتآخي بين الأسر لا يزال سائدًا، وتُقام مبادرات خيرية عديدة لتوزيع وجبات الإفطار والسلال الغذائية على المحتاجين. رغم قلتها وضعف الحالة المادية لأغلبية الشعب .
اصبحت معظم السلع متوفرة خاصة البضائع التركية التي غزت الأسواق، لكن قلة فقط يستطيعون شراء الأساسيات وحاجيات أسرهم. ويُذكر أن القادمين من خارج سوريا ساهموا في دعم شراء السلع الضرورية للحاجات العائلية، عبر إنفاقهم ولو بشكل بسيط ولفترة زمنية قصيرة التي يقضونها في البلاد، فضلًا عن التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون مما خفف من معاناة الكثير من الاسر وانعكس إيجابا على حركة الأسواق.
خلال حكم الأسد كانت المساجد مراقبة، وخطباء الجوامع ملتزمين بنصوص الخطبة التي تُرسل إليهم من قبل جهات مختصة بشؤون الدين. لكن في رمضان الحالي، اختلف الأمر، إذ بدأت الحياة الدينية تستعيد نشاطها وتلاشت المخاوف إلى حد كبير، وعاد الناس إلى المساجد لأداء صلاة الفجر والتراويح بحرية أكبر. على امل ان تستمر كل عام .
في ظل الأزمة الاقتصادية، لجأ كثير من الناس إلى شراء الخضروات أو الفواكه بالحبة الواحدة أو بالأوقية، بل إن بعض الأسر لا تستطيع حتى شرائها بتلك الكميات القليلة. كما ارتفعت أسعار العديد من السلع بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها ونقلها، بالإضافة إلى تقلبات سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ما أثر بشكل كبير على الأسواق.
أما الرواتب الحكومية، فهي زهيدة جدًا، ومع ذلك، ينتظرها الكثير من الأسر رغم أنها لا تكفي سوى لثلاثة أيام من المصاريف لأسرة متوسطه العدد. في المقابل، من حالفه الحظ وعددهم قليل جدا عمل مع المنظمات أو المؤسسات الدولية، تمكن من توفير أساسيات أسرته من الطعام والحاجات الضرورية.
يأمل السوريين ان يعود الحياة كما كانت قبل الاحداث ويعود المسحراتي، كجزء من التراث الرمضاني ليجوب الأزقة ليلًا بطبلته وصوته العذب لإيقاظ الناس لتناول السحور. وان تعود الأمان ويتحقق العدالة والمساواة بين جميع مكونات الشعب وينتهي الفقر ويتوفر المستلزمات الأساسية لحياة الشعب التي كادوا ان ينسوها لولا أطفالهم الجياع وهم يرتجفون من البرد ؛ وعميت عيونهم من الدراسه على ضوء الشمعة. يبقى الامل بغد افضل حلم كل سوري .