آخر عمل روائي للكاتب والباحث إبراهيم محمود، جاء تحت عنوان ” عجائز هذه المدينة يا كافكا “عن منشورات شركة ” الخياط ” في واشطن، لعام 2025، في ” 205 ” من القطْع الوسط.
ويضم فهرس الكتاب بعد الاستهلال، العناوين التالية:
الفهرس
استهلال
مصدوم
معلوم
محسوم
محتوم
محكوم
مختوم
مفهوم
موسوم
مرسوم
مقسوم
منظوم
مكتوم
معدوم
مثلوم
مشروم
مهدوم
مذموم
محلوم
مخزوم
محموم
مزعوم
مسموم
مهموم
ملغوم
مدعوم
مأزوم
مفروم
محروم
مبروم
مهضوم
مشئوم
مكلوم
مهزوم
سيرة ذاتية للكاتب
ومما ورد طي العنوان الأول:
مصدوم
أكتب إليك من غرفتي الصغيرة والضيقة بسقفها الواطئ، وجدرانها التي لا تخفي تعاريجها وشقوقها الشَّعرية. وجه طاعن في السن، كما هو مرئي، في بيت مؤلف من غرف عدة صغيرة، تعلوها هذه الغرفة، وهي تسمح لي في أن أرى الجهات من حولي، حيث تنبسط الأرض، من خلال نوافذ صغيرة، كأنها نصِبت للرصد، ولا بد أنها جهِزت لغرض كهذا، أو هكذا أقدّر وأفترض. نوافذ لا تُرى من الخارج، إلا لحظة الاقتراب منها، بينما تكفل للمقيم فيها رؤية الجهات حتى مسافات بعيدة نسبياً، خاصة في الأيام التي تشهد صحواً، رغم أن الغالب هو وجود جو سديمي، وهواء لا يُطمأن إلى أكسجينه.
سوى أنني أجدني مرتاحاً فيها. ليس لأنني غير راغب في غرفة أوسع، أعلى سقفاً، أكثر إنارة، أبعث على السكَينة، إنما لأنني في الوضع الذي أعيش فيه، وحيث البيت يقع في طرف هذه المدينة التي حللت فيها منذ سنوات، لا بد أنني حسبتها كثيراً، بيني وبين نفسي على الأقل، وفي وضع كوضعي، ولم أرني حتى الآن أهلاً لأن أحسب نفسي على هذه المدينة، أو في عداد سكانها، على وجه العموم، ليس لأنني- أيضاً- رافض هذا النوع من العلاقة أو الارتباط” أنت واحد منّا- كما يقال ، وما أكثر ما يقال كلام كهذا، ويتردد في المدينة”، ولكن الواقع يقول شيئاً آخر، شيئاً آخر.. وهي تجربة سنوات، وعلى اتصال مباشر بما يجري فيها، بصفتي وسيطاً تجارياً، وهو يحتّم علي انفتاحاً على الجميع، عدا عن كوني في الأساس، محصّل شهادة جامعية، مكَّنتي من أن أقرأ كتباً كثيرة، ولا زلت، لأزداد فهماً لما يجري، حيثما ذهبت. ليس هناك ما يبعث في روحي طمأنينة تجيز لي التفكير بإمكانية الإقامة النهائية وحتى الزواج فيها. لم لا، فنحن نفهم كثيراً باللغة عينها، مع اختلافات، وثمة الكثير من التجارب والعلاقات التاريخية والاجتماعية والأغاني المشتركة كذلك. هناك حدود إذاً ألزمت نفسي بمراعاتها مكرهاً.
وفي الوقت الذي تشدني أكثر من رغبة جامحة، لأن أقيم فيها، إن أمكنني الزواج من إحدى نسائها..
لهذا أنا أجدني مطمئناً إلى نفسي، حين أستقر في غرفتي هذه التي تستر علي، وأنظر في الجهات الأربع، وتردني أفكار، وتأخذني خيالات، وفي الوقت نفسه، تصورات عما يمكنني فعله. كل ذلك بفضل هذه الغرفة. ألست أنت نفسك يا كافكا، من كنت تعبّر عن راحتك، وعن أنك وجدت نفسك كاتباً موهوباً، بفضل تلك الغرفة الصغيرة التي حبست نفسك فيها، لتعيش حريتك في تلك المساحة ؟
غرفة تعلو مجموعة من الغرفة المتلاصقة، كما أسلفت، وكأنها بنيت على عجل، لمن يمعن النظر في طريقة بنائها، وهي لا تخفي قِدَمها، كما لو أنها غابرة في التاريخ، تعرَف من الخارج ومن الداخل معاً، ورغم ذلك تظهر هذه الغرف الداخلة في نطاق اسم ” بيت شبه طيني ” كما لو أنها شاهدة على زمن غابر، وعلى وجوه تناسلت وتسلسلت وسكنت هذه البيت، وتركت آثاراً لها من خلال تلك الخربشات والإشارات الغامضة، وحركات أيد وأرجل وملامح وجوه يصعب التعرف عليها، لم تدخر تلك التعاريج التي اتسمت بها طبيعة الجدران الخشنة في إظهار بعض منها وإخفاء أخرى .
بينما في المحيط ثمة بيوت متناثرة، قليلة الحركة، تحيط بكل منها مساحة أرضية كافية لأن تبعث عن الاستغراب جهة سؤال: أي حكمة في مساحة مرسومة كهذه، وهي مختلفة، خالية من أي معْلم هندسي موحد، لها أرضية موزعة بين الصلابة وهشاشة التربة، وتناثر أحجار، ونباتات ذات خضرة كئيبة تعلوها طبقة من الأتربة، كأنها تشكو عطشاً على مدار الساعة .
وما أقل رؤية المقيمين فيها: أتصدق يا كافكا أني رغم إقامتي لسنوات في هذه الغرفة دون الغرف الأخرى في الأسفل، بالكاد تعرفت على بعض وجوه أهليها، بالكاد يوجد السلام فيما بيننا، رغم أنني ألمحها يومياً في طريق الذهاب والإياب، وأنا أسمع أصواتهم رجالاً ونساءً، ولهم أطفال يلعبون أحياناً بعيداً عن هذه البيوت، حيث يعلو صياحهم الذي لا يتوقف حتى وقت متأخر من النهار.
…..