للشاعر ماهر حسن: جمال المعشوقة ورصانة العاشق في ديوان “هاتي يدكِ”

فراس حج محمد| فلسطين

بعد أن أصدر ديوانا باللغة الكردية بعنوان “ابتسامتك” (Keniya te)، وروايتين باللغة العربية وهما “سماء سقطت من حضني و”ذات مكان… ذات أنثى” يعود الشاعر والروائي ماهر حسن إلى إصدار ديوان شعر باللغة العربية يحمل عنوان “هاتي يدك“. والديوان قصيدة واحدة تمتدّ على مساحة (55) صفحة شعرية من القطع المتوسط، وحمل غلافه لوحة للفنان الكوردي رحيمو حسين.

يتكئ الشاعر على عنصر الخطاب في هذه القصيدة، منذ العنوان الرئيس “هاتي يدكِ“. جملة خطاب افتتاحية في العنوان، لم يعد إليها الشاعر مرّة أخرى، بمعنى أنه دخل في حالة التصور الذهني أو ربما الواقعي لتكون هذه الجملة التي تحققت بأية صورة كانت انطلاقا للقصيدة وتتابع فقراتها بانسيابية؛ فيكثر تبعا لذلك ضمير المخاطب “الكاف” المتصلة بالأسماء والأفعال وحروف التشبيه، وكأن هذه القصيدة نوع من الاعتراف الذاتي أو البوح في حضرة المحبوبة التي يصرّ الشاعر على استعطافها أو التغزل بها، غزلا عفيفاً.

يبتعد الشاعر عن أفعال الأمر، فلم يستخدم سوى ثلاثة أفعال: دعيني، ونامي، وخذيني، وجاءت في سياقات النص القائم على البوح والتصوير والتلطف في الاستعطاف والمناجاة، لذلك سيطر على الخطاب الوصف والتصوير واللغة السردية التصويرية، وغصت بالاستعارات، وإن كانت مطروقة في أشعار من سبقه من المتغزلين والعاشقين.

لم يتحول الشاعر عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغائب إلا في ثلاثة مواطن مستخدما ما يعرف بالبلاغة العربية بالالتفات؛ قصد تعظيم شأن المخاطب، ولفت انتباه القارئ إلى هذا المعنى، وكأن له خصوصية جديرة بالانتباه إليها، ومنح الشاعر في الموضع الأول صفحة كاملة تخلص فيها من ضمير المخاطب، وهو ما جاء في قوله:

نامي أيتها الأرض بين ضفائرها

قد نحت الله الهواء بجمالها

وترك لنا بصريات وهج خديها

تلك الفاتنة

عرج بي الضوء إلى من ثغرها إلى العينين

ثم أرنو إلى إله رسم بريشة مقدسة

تكوينات جمالها

وأتمّ حضورها الأول.

لا يركز النص إلا على الصورة الظاهرة للمرأة عبر الحديث عن جمالها، وما أحدثته فيه من أثر، مستعيدا قاموس الشعراء العذريين ومضامين الغزل العذري، ومن ناحية أخرى يعيد إلى الأذهان طريقة التعبير الرومانسية لدى شعراء الغزل الرومانسي الحديث، فاندمجت في النص كل عناصر الطبيعة الحية وغير الحية، والأرضية والسماوية والواقعية والخيالية والدنيوية والآخروية المستقاة من عالم الغيب. من أجل ذلك أو بناء عليه، ترسم مقاطع النص لهذه المرأة صورة مثالية:

كأنك تشبهين الكون والأفلاك

كأنك وحدك

تسيرين في برزخ من الجلنار والزنابق

بشعرك المسترسل

وكأن كهنة ومرشدين ينتظرون بهاء مرورك.

وبالتالي يقرر في نهاية القصيدة الديوان هذا الحكم “لا امرأة تشبهك ولا حواء”.

هذه الصورة تقود الشاعر- نظراً لطبيعة ظروف النص وإنشائه- إلى اعتماد الصورة غير الواقعية، القائمة على التصور الخيالي المغرق في رومنسيته وخياليته. فعلى الرغم من أن المقطع السابق يقوم على مبالغة مخففة بأداة التشبيه التي جعلت فاصلا بين الطرفين، وجعلت الصورة مستساغة، يستغني الشاعر عن هذا الفاصل اللغوي ذي البعد النفسي في هذا المقطع:

ما حاجتي لأحدق في المجرات

وتسقط في كل رجفة من رموشك

كومة نجوم.

تشهد القصيدة كثيرا من هذه الرومنسية الباذخة في اشتعال جذوة التصوير الخيالي، لتتحد الطبيعة الأرضية مع الطبيعة السماوية العلوية الممتدة في الفضاء الرحب لتحضر كثير من مفرداتها: سماء، غيوم، مجرات، مطر، الشمس، قوس قزح، ويمزج مع هذه العناصر عناصر من اللغة القدسية المستعارة من العوالم الدينية حيث الله، والملائكة، والكوثر، والصلاة. بل إنه يرى أن الإله “رسم بريشة مقدسة تكوينات جمالها”.

اتسم إيقاع القصيدة بالهدوء المتصل بطبيعة اللحظة المفترضة أو المتصورة التي يقف فيها الحبيب مناجيا حبيبته وهما بكامل تجلياتهما العشقية، حيث جمالها المبهر ذو السمت الإلهي، وحيث أناقته التعبيرية التي تغوص في عصب اللحظة حتى النفس الأخير، بطقس يشبه العبادة والتلذذ والمتعة الروحية، ويمد لها يده ويقول لها “هاتِي يدك”، فيتدفق هذا النص بين يديها معبّرا ما وسعته اللغة والصورة عن هذه اللحظة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…