إبراهيم محمود
ليس بيننا وسيط أبداً يا نوروز
إلا إذا كان الهواء الذي أتنفسه
وأنت مذاب فيه وسيطاً
إلا إذا كان الماء الذي يفلتر دمي
وأنت شهيّ الأوكسجين فيه وسيطاً
إلا إذا كانت النار التي تميّز حدود وجْدي ومجدي المفترض
وأنت جذوتها التي لا تنام وسيطاً
إلا إذا كان التراب الذي يسندس خطاي
وأنت استبرقه عاليَ الصيت باسمه وسيطاً
جهاتك مفتوحة على مدار الساعة
كما هو درس كاوا الحداد
أكثر مما يُنسَب إليك في انقلابك الربيعي
لا باب لك لأطرقه
أو لأتنصت إلى دبيب خطواتك الخضرة
لأنك يقظ حميم في العروق والشرايين يا نوروز
فلا عين تترقب ظهورك
ولا أذن تترقب صوت شعلتك
ولا حاسة شم تتلهف لرائحة ماضيك الآتي دائماً
ولا دليل يبرزخ لحظة قدومك
وما يومك ” 21 ” آذار إلا لتحضر 364 يوماً
تتبارك ببهاء تجليك في النفوس والرؤوس
هوذا أنا يا نوروز،
أعني هوذا أنت
فكيف أميّزني عنك
وفيك منّي ما منك فيّ
ينحني لك ظل روحي
لينتعش بأنفاس جذورك العبقة
تنحني لك ذاكرتي
ليبقى مسارك دائم الإشراق
ينحني لك صمتي العتيق
ليغترف من وقار سكينتك مدداً للمتبقي من عمري
هوذا أنت يا نوروز
هوذا أنا يا نوروز
كيف أفصّل في وحدة المركّب مني ومنك؟
وفي نداوة عشبك أتوسد طراوة ملهمة؟
كيف أنظر فيك
وفي عيني ما تكونه قرة عيني؟
كيف أتحسسك بتمامك
وفي عموم حواسي انتشارك الواسع ؟
أصارحك بما ينغّص عليك سواء سبيلك
ورقة نسيمك العليل
بما يقلق طلعة صباحك في يقظته الأولى
بما يعكّر صفو شجرك الذي يتبارك بك هنا وهناك
بما يخرج ساعة تربتك عن طورها
فلا يعود النبع ماضياً في زلاله
ولا يعود طائر الخير محلقاً بعشه الواعد
ولا يعود الأفق مستنداً إلى سمت مؤمّله
وأنت تنفتح بسطوع قيافتك على قصيدي
وفي قصيدي ما يجعل لغتي عويلاً مستداماً
على وقْع الجاري كما ترى وكما ترى وكما ترى
خذني بحلمك يا نوروزي الكردي
وأنا أصارحك بأصناف جراحات
أطرافك
حدودك المستباحة
أنهارك المعلبة
شطآنك المغلولة
وديانك المثقلة بالجراحات
قممك المنطوية على هاماتها
سماؤك المثقلة بالكدمات
وأنت صيرتَ لغة
ما أكثر الأفعال الشاذة التي أدخلت إليها
ما أكثر حروف العلة التي ضيقت الخناق على نهاياتها
ما أكثر الحركات التي بلبلت فيها لسانها في التعبير عما يجري:
جبلك… جبلك العتيد الذي يحميك من الأعداء
لم يحم الكرد من بعضهم بعضاً
أنهارك الفردوسية التي أطربت مقسّميك
كم أودعتكَ صدوعاً خانقة
أشجارك التي أسالت لعاب جناتك
كم استحالت مشانق منصوبة لأهليك
طيورك التي ألهمت شعراء الماضين في افتئاتك
كما وجّهت مناقيرها أبابيل تقصفك بسخطها
حتى ورودك التي فتنت رحالة الشرق والغرب
كم سيقت روائح قانصة لأرواح الناطقين باسمك
عذراً يا نوروز عذراً
ووجهك منصوب للهفتي
ولهفتي منصوبة لمخاوف هنا وهناك
ليس لي العزْم لأن أكذب ظلّي
والشجر المعرَّف باسمك محاط بالرمل القانص
ليس لي اليقين لأن أعطل ساعة شكّي
والنهار الذي يعنيك لا يطمئنني على مسائه
وقد دثّرني بالهواجس النافذة من بدء صباحه
ليس لي الجلَد لأن أنحّي نبض قلبي
وأمام سمعي وبصري ما يستنزف معناك
واحد أنت واحد واحد
والذين يرفعونك عالياً كردٌ كرد كرد
وأنت ملء أسماعهم وأنظارهم
يوزعونك على موائد لا تخفي طعانها المتبادلة
والطبيعة التي تنبسط حباً بك في وحدتها
هم كردك الماضون في تقطيعها
لتلائم ألوانهم التي لا أظنك غافلاً عن هول المؤتى فيها
فأي نوروز كرد أنت
وأي كرد نوروز أنت
لعلّي أصالح روحي وأكمل شجراً عمره حقَب ولم يثمر بعد
وألبِس علَماً ألواناً عمرها أعمار ولم يُجَز لساريتها الصعود الواحد بعد
وأسمّي جهة راهنت عليها برياحي ومائي وناري وترابي ولم تشب عن الطوق بعد
هوذا الكردي في الأعم منه حصاد ما قبل قبل
هوذا الكردي في الأعم منه رهين ما بعد بعد
وإذ أرفع روحي نخب حضورك الحي وهو مثخن بالجراح
وإذ أرفع ذاكرتي باسم غيابك الحسي لأظل مسكوناً بك
ليس لي إلا أن أسمّيك نوروزي باسمه المحض كردياً
شاهراً صوتي في سماء ليست على ما يرام
وأرض مبعثرة مضرجة بالتوترات
وشعب.. وشعب لا ينام إلا وفيه زهو الغافل عن كوابيسه
ولا يصحو إلا وفيه لهو المقيم في المنحدرات الوعرة