إبراهيم محمود
هل الدويُّ الناتج عن ضرب المطرقة بالصخرة فضيلة المطرقة أم الصخرة أم فضيلتهما معاً؟ كلّ منهما تكون بالأخرى ليحصل دويٌّ من نوع خاص، وربما كان للصخرة فضْل على المطرقة جهة اسمها الحاصل عن الطرْق المنسوب إلى الصخرة أكثر.
إنما أيضاً:
عندما ترتد المطرقة عن ضربها للصخرة، فاعلم أنها مقاومة الصخرة
عندما تهتز المطرقة لحظة ارتطامها بالصخرة فاعلم أنها محكومة برهبة الصخرة
عندما يصدر دوي محيط بالصخرة فاعلم أنه صرختها من الداخل
عندما تتناثر شظايا للصخرة جرّاء ضربة المطرقة فاعلم أنها ردّات فعلها الحادة
عندما ترتطم العصافة بالصخرة، ويتشكل صفير متقطع، فاعلم أنها أنفاس العاصفة المتقطعة، واعتراف بقوة الصخرة
عندما ترتطم أمواج البحر بالصخرة فاعلم أنها تسمّي صلابتها
عندما يتساقط المطر بغزارة عليها وتتراشق قطراتها فاعلم أنها ترد على المطر من نوعه
***
هنا رودس .. فاقفز هنا، قولة هيغل المحوَّرة من باب التحدي لأدعياء المعرفة: بوجوب القفز من الصخرة، محك اختبار لمن يدّعي القدرة على القفز هنا، ولمن يدعي القدرة على المعرفة في مجال معين.. إلخ.. هكذا تستقطب الصخرة مجالات حياتية مختلفة.
***
الصخرة ثابتة والكل يدور حولها. الصخرة تتحرك، والكل ثابتون حولها.
***
كل تفكير في الصخرة يقوم على ثالوث المسافة والسرعة والحركة، فالصخرة إذاً محفّزة على التفكير.
***
من قال أن الصخرة صماء بكماء؟ أليس الطرْق عليها صوتها المرنان من الداخل؟ نباهتها في تلقي المؤثر ؟
***
الصخرة أكثر من كونها ملئاً. ليس هناك ملء بالمطلق، ملء الصخرة هو اكتمال نصاب صلابتها النسبي، والدليل هو أن صدى أي نقر أو ضرب لها حصيلة فراغات هي التي تهبُها معنى في الصوت المعبّر عنها، أي ثمة اهتزازات تعنيها من الداخل.
***
الصخرة لا تسدُ فتحة ، طريقاً، ـو تغيّر مجرى ماء. ثمة ثبات في قانونها الخاص، لتفعيل العلاقة بين الملء والفراغ، بين الاستقامة والانعطاف باسمها .
***
الشكوى من صلابة الصخرة أو زعم” قسوتها ” حكْم عليها من الخارج، إنها هشاشة الصادم .
***
لا شأن للصخرة جهة الظل الدال عليها، والذي لا يثبت على حالة، إنه القادم . تعرَف الصخرة بذاتها، لا بظلها، هذا الذي لا يُعرَف إلا في الضوء.
***
حتى لو قسَّمت الصخرة إلى أجزاء ” شظايا ” أو مسحوق، جرّاء الطحن، تبقى صورتها كصخرة ثابتة في الأذهان.
***
لا علاقة لصخرة سيزيف هذا، وهي ترفَع صُعُداً، أو تتدحرج، ولا بدلالة الرفْع أو التدحرج، إنها مخلصة لقانونها الفيزيائي، وسيزيف يريد فرض قانونه الحيوي عليها، وهو ما ترفضه الطبيعة.
***
الصخرة التي تدفع الماء إلى الارتفاع لحظة محاصرته، أو لتغيير مساءه، وحده الماء بسيولته يقدّرها ويبرز مزيته هذه.
***
الصخرة لا تكسر رأساً، أو تحطم جسماً، هذا راجع إلى علاقة تفاوضية مضمرة بين الفيزيائي والحيوي.
***
أزِل اسم الصخرة من العالم، ينهار العالم في الحال. إنها شهادة الجبال، السدود، القلاع، المدن ذات الأبراج، الطرق المعبَّدة، الجسور، الملاذات الطبيعية الآمنة. ماذا يريدون من الصخرة بعد؟
***
الصخرة فكرة الفيلسوف، إلهام الفنان، الشاعر، وموقف السياسي ومحك لقدراته خارجاً.
***
الصخرة حالة: أن تكون عليها واقفاً، غير أن تكون قاعداً، أو مستلقياً، أو منبطحاً، غير أن تكون خلفية لصورة، غير أن تتوارى وراءها، غير أن تظهر مكشوفاً أمامها، غير أن تختبئ في حفرة أسفلها.
***
تحتاج الصخرة حسب حجمها ونوعية صلابتها إلى زمن معلوم لتسخن، وبالقدْر نفسه تحتفظ بحرارتها، هكذا الحال مع البرودة. إنها مسألة توازن ، مسألة إخلاص لخاصيتها الفيزيائية مُذ وجِدت.
***
الصخرة تأويل وليست تفسيراً. اسأل الفنان، الشاعر، الفيلسوف، المفكر، العالم نفسه، يجبْك كلٌّ منهما حسب ثقافة معينة عنها.
***
في أول بيروت جهة البحر، ثمة صخرة تُسمى صخرة ” الانتحار ” تبعد عن الجرف الصخري قرابة عشرة أمتار، تحيط بها في الأسفل مجموعة صخور مسننة، وهي على ارتفاع قرابة عشرة أمتار، لا صلة لها بهذه ” التهمة: الانتحار ” إنها مثيرة للخيال، لا تخفي جمال تكوينها وشموخها، في موقعها. حصْرها في الاسم ذاك، تشويه لحقيقة موقعها .
****
وحده التاريخ يحتفظ بمناقب الصخرة وما هو محفور فيها مما يخص ماضي البشرية. أي فراغ هائل يتراءى أمام ناظرينا لحظة طي هذه الصفحة التاريخية الواسعة الشاسعة والتي تكون الصخرة وحدها، وبامتياز، مميَّزة بها ؟
***
وحدهم سكنة الجبال، والبيئة المعروفة بتربتها الصخرية، بتناثر صخورها، يحملون في ذاكرتهم فضيلة الصخرة في حفظ تاريخهم المديد.