مهرجان كوباني السينمائي الدولي

إدريس سالم

كلّ نقد بنّاء، انتقاد متهالك، هجوم شرس ظاهرياً كان أو باطنياً، شخصنة ذاتية مريضة، التصيّد بدون أدوات الصيد، وقد يطال مهرجان كوباني السينمائي الدولي، الذي يقام سنوياً في ألمانيا، فلا بدّ لنا – كمتابعين وككُرد ومنظّمين – أن نصغي إليها بالعقل والحكمة والمعرفة، ولا بدّ أن يصبّ كلّ ذلك في سبيل استمرار المهرجان لدورات متتالية، ليكون مهرجان كوباني السينمائي الدولي مهرجاناً دولياً سنوياً ثابتاً، يخدم السينما الكردية بالدرجة الأولى، ويفتح جسوراً ثقافية فنّية اجتماعية مع السوريين والعرب والفنّ السابع برمّته.

لو لم يكن للاستبداد والمستبدّين حضوراً في سوريا عموماً وفي الجغرافية الكردية والكردستانية بشكل خاصّ، لكانتِ السينما الكردية ساطعة في الشرق الأوسط، وذات شأن فنّي ودولي، وتنافس للكثير من السينما العربية والدولية.

مثلما قاوم الكوبانيون الإرهاب والتطرّف، ودافعوا عن مدينتهم، بفضل جهود كردية وإقليمية ودولية، ها هم اليوم، ولو في دول الشتات، ولو بخبرة متواضعة، ولو بإمكانيات ذاتية، يجعلون اسم كوباني وكردستان يتوغّل في كلّ النفوس المُحبّة للإنسانية والسلام، النفوس المؤيّدة والمتضامنة مع الكرد، العاشقة للكرد، النفوس الحاقدة، والكارهة والمريضة، وهذه نقطة لا بدّ من الوقوف عليها؛ فمدينة جغرافية صغيرة بحجم كوباني، ويتداول اسمها إعلامياً بهذه الطريقة الكبيرة، وجعلت الأماكن تنبض بالدم الكردي، لغة وثقافة، فهذا يعني أن القافلة الكردية تسير، حتى لو كان سيراً بطيئاً، فأن تسير ببطء وبمسؤولية وحكمة وتخطيط، أفضل من أن تتوقّف وتكيل الاتّهامات وتوزّعها هنا وترميها هناك.

إن مهرجان كوباني السينمائي الدولي، هو الوثيقة السينمائية الأولى، أو اللبِنَة الأولى، في العصر المعاصر، التي تساهم وتساعد في إكمال ما بدأه المخرج والممثّل والكاتب الأرميني، حمو بيكنازاريان عام 1927م، في فيلمه «زاري – Zerê[1]»، وما بناه الأب الروحي للسينما الكردية، الكاتب والمخرج والممثّل السينمائي الكردي، يلماز كونيه عبر أفلامه، في تأسيس السينما الكردية، ففيلمه «الطريق[2]»، الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كانْ» السينمائي عام 1982م، كان علامة فارقة ونقطة انعطاف حقيقية في تاريخ السينما الكردية.

إن مهرجان كوباني السينمائي الدولي سيستمرّ، بدورات سينمائية أكثر تخطيطاً وأقلّ أخطاء، فالمهرجانات العالمية مموّلة إما من خزائن دولها ومؤسّساتها، أو من القطاعات الخاصّة، التي تهتمّ وتستثمر الفنّ السابع، أما مهرجان كوباني فلا يزال يُقام بجهود ذاتية، لأغلب منظّميها وكوادرها، الذين يتركون وظائفهم وأعمالهم، ويلتحقون بعمل إنساني كبير، وسيستمر ولن يتوقّف؛ لأنه يستند إلى قضية إنسانية عادلة؛ هي قضية شعب عاشق للفنّ والسينما والحياة والثقافة، قضية شعب خضع كثيراً للمساومات والمصالح الدولية، والآن وجد طريقه إلى السينما، إلى السينما التي يريد أن يقدّمها من منطلق إنساني إبداعي جمالي، بمعزل عن ألاعيب وأساليب المتربّصين بها.

إن مهرجان كوباني السينمائي الدولي، يفرض نفسه واسمه ومشروعيته وديمومته على ساحة السينما العالمية، دورة بعد دورة، بجهود ذاتية ومشقّة كبيرة وتحدّيات أكبر، ونجاحه مسؤولية حقيقية وتاريخية، تقع على عاتق كلّ الكرد؛ لأن وجودها يساهم في تسليط الضوء على آلامهم وأحزانهم، يساهم في التعريف بجوانب معتمة كثيرة من شخصية الإنسان الكردي، وحياته ومعاناته، يساهم في الوقوف على مراحل سياسية وثقافية واجتماعية مهمّة، في مسيرة ومصير القضية الكردية.

إن مهرجان كوباني السينمائي الدولي، أعطتِ الشخصية والهوية واللغة والقضية الكردية صوتاً وصورة وروحاً، إلى جانب هِمّة مقاتليها، ممّن حملوا الأقلام والأوراق والسلاح في وجه الحرب والإرهاب والدمار.

إن مهرجان كوباني السينمائي الدولي، هو سلاح جديد وجميل، في وجه كلّ مَن يعمل على طمس الهوية الثقافية والسياسية والإبداعيّة الكردية، رغم أن العديد من خصوم الكرد ينتجون أفلاماً بملايين الدولارات وبأحدث التقنيات، كلّ ذلك لإثارة الحقد والكراهية وعرقلة طموحات وأحلام وآمال وحقوق الكرد المشروعة.

إن كلّ إدارة أو قيادة منظّمة، أكاديمية كانت أو غير أكاديمية، تقع في الأخطاء والهفوات والعثرات، أخطاء ذاتية وتنظيمية، ولكن مراجعتها مسؤولية ومعالجتها ضرورة أخلاقية ومهنية، فلا بدّ للمنظّم أن يكون إنساناً مسؤولاً، يتحمّل مسؤلياته ويتصرّف بحكمة مع المتابعين والمتفاعلين، ويتواصل معهم ويستمع إليهم بعين العاطفة المنتجة. على المنظّم أن يكون طموحاً، ملهماً، مجازفاً، مهتمّاً، محفِّزاً، مثقّفاً، لا مراهقاً، ولا أنانياً، ولا جاهلاً يبحث عن أضواء الشهرة، ويطعن كرامات الناس، ويقتلع من أفواههم حرّية الرأي والتعبير.

على الكرد أن يخرجوا من عقلية رفض القريب وتقبّل الغريب، على الكرد أن يخرجوا من عقلية المُحَاربة والمُطاعنة، أن يخرجوا من عقلية تحطيم الأنفس، أن يخرجوا من عقلية كسر أقدام بعضنا البعض، وأن يتركوا الخلافات الذاتية والشخصية جانباً، ويتكاتفوا ويعملوا في خدمة المصلحة الكردية العامة، لا أن نكسر ظهور بعضنا البعض، أو أقدامنا، أو أصابعنا، فكلنا بحاجة إلى الاحتواء والتكاتف والوقوف في وجه مَن يزرع الفتن والأحقاد خلف ظهورنا أو في صدورنا، وإن أفضل ردّ، هو بالعمل الجادّ والمسؤول والرؤية المخطّطة والمتابعة الدائمة، والأخذ بكلّ نقد بنّاء وملاحظات المختصّين وتلافيها .

في نهاية هذا الكلام، أرجو من إدارة مهرجان كوباني السينمائي الدولي، أن تتوقّف على كلّ كلمة أو نقد أو استفسار أو بثّ مباشر أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحضن بقلوب كبيرة وصدور عميقة، لكلّ شاردة وواردة، وتجيب على أسئلة الناس والمهتمّين بدورتها السادسة:

أين كوباني من مهرجان كوباني؟

أين دور الإعلام والصحافة في التركيز على الأفلام المرسلة إلى المهرجان، والمعروضة فيها؟

ما نوع أو تصنيف تلك الأفلام؟ ما موضوعها والقضايا التي طرحتها؟

لماذا اقتصر دور الإعلام في مقابلات ولقاءات قصيرة، مع عدد من الفنّانين والممثّلين؟

أين كتّاب السيناريو وممثّلي ومخرجي ومنتجي الأفلام السينمائية، تلك التي شاركت في المهرجان؟

مَن هي اللجنة الأكاديمية التي أشرفت على الأفلام؟ ومَن هم المراقبون السينمائيون: أهم كرد، أم عرب، أم أجانب، أم أكاديميات ومعاهد سينمائية؟

هل كان للمهرجان أيّ استقلالية سينمائية؟ وأين يكمن ذلك؟

كيف تقيّم إدارة المهرجان ردود المتابعين والمشاهدين على ضيوفها، والبعض منهم كانت كلمته وموقفه ملطّخاً بالدم الكردي، فلا يطيق اسم كوباني ولا اسم كردستان؟

لماذا لا تخرج إدارة المهرجان ولجانها المختصّة إلى مؤتمر صحفي، وتخاطب المستمع والقارئ والمشاهد، عن كلّ ما يتعلّق بالمهرجان، وخاصة أن كتّاباً عرباً وكرداً، خرجوا وقالوا، أن الجهة التي موّلت المهرجان، هي جهة سياسية بحتة؟

هل مهرجان كوباني السينمائي الدولي، سيكون منصّة للتقارب الكردي السوري وتجاوز الخلافات، أم أنه سيبقى رهينة الأجندات السياسية والإيديولوجية؟

أخيراً، ورغم الكثير من الملاحظات والتحفّظات والآراء، إلا أن مهرجان كوباني السينمائي الدولي، الذي انطلق بنسخته الأولى في عام 2020م، بات حدثاً سينمائياً فنّياً جماهيرياً كبيراً، يساهم في كلّ دورة له، بتعزيز الحوار الثقافي الفنّي عبر السينما، وتسليط الضوء على الأفلام الجديدة المشاركة، وإطلاق سراحها، وتقديمها للجمهور الكردي والعربي والعالمي، وهو جسر متين وصلب من جسور التواصل والتفاعل بين صنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم، بكتّابها وممثّليها ومخرجيها ومنتجيها، مع جمهور السينما، بناسها البسطاء الكرماء، ومثقّفيها، وإعلامييها، ومحبّيها. استمرّ وسط تفاصيل وصور جميلة متألّقة، على مدى ثلاثة أيام، في مدينة كيلزين كيرشين الألمانية، عرض المهرجان نخبة من الأفلام القصيرة، من أكثر من 92 دولة، فيما افتتح برنامجه بالفيلم الكردي الطويل «شمعة، شمعتان»، لمخرجه الكردي العالمي، جانو روزبياني، وكانت هذه الدورة مهداة  إلى المخرج الكردي طه كريمي.

[1] فيلم (زاري – Zerê)، هو أول فيلم كردي موثّق، تمّ إنتاجه في أرمينيا السوفيتية، عام 1927م، تحت عنوان “Zarê”، من إخراج حمو بيكنازاريان. تدور أحداث الفيلم في عام 1915م، ويصوّر قصّة حبّ بين زوجين شابين، الراعي سيدو (Saydo) وزاري (Zare). ويكيبيديا.

[2] فيلم (الطريق)، ‏ أنتج سنة 1982م، من تأليف وإخراج السينمائي الكردي يلماز كونيه، وقام بتنفيذ الإخراج، شريف غورن؛ إذ كان يلماز كونيه يقضي فترة سجنه الثانية. ويكيبيديا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…