خالد ابراهيم
قم تحركْ، تزحزحْ مثلَ زجاجةٍ تتدحرجُ في هوّةٍ بلا قرار اصعدْ جُرحَ الله كما يصعدُ صقرٌ مأخوذٌ بصاعقة انثرْ حزنكَ مثلَ سكاكينِ مطابخ، تتنقّلُ بين أصابعِ طُهاةٍ لا ينامون حيثُ بيضُ الأفاعي يفقسُ في زوايا الضجر. لا تبحثْ عن الأطفال، لا تبحثْ عن المناشير الصباحية ليس في الحقيقةِ إلا حقائبٌ ممزقةٌ وعناوينُ شعراءٍ يعرفونَ الخرائطَ، لكنّهم يضيعونَ عند أولِ قافية. لا تبكِ اجلسْ في المقهى بعيدًا عن ضجيجِ المطرِ المتوحّدِ على الأرصفة وامسحْ عن وجهكَ هذا الصقيع الذي حملتهُ لكَ شتاءاتُ دورتموند بعيدًا عن الأوتوسترادِ الذي ينحني مثلَ سؤالٍ يفضي إلى حبلِ مشنقة. افتحْ جريدةً كما يفتحُ رجلُ مخابراتٍ أرشيفًا احترقَ نصفهُ، وغنِّ بحنجرةٍ متخمةٍ بالحبِّ والقهرِ الذي نَسِيَ أصحابهُ أسماءهم ارقصْ على تخومِ جلجامشَ وشنكالَ واغرزْ بينَ أضلعي قناديلَ وشموعًا حمراءَ، بيضاءَ، زرقاءَ، كأنكَ تجهّزُ سماءً للحريق. نعم، أيها المنبوذ أيها البوقُ الأعمى، الذي لا يُجيدُ إلا التهليلَ للمهاتراتِ العالية أيها المرتبكُ كظلِّ صيّادٍ في غابةٍ بلا فريسة. تعالَ، لنشربْ نخبَ الفناء نخبَ الحروبِ التي تكسّرتْ على عتباتِ العاداتِ والتقاليد نخبَ قصصِ الحبِّ التي تعلّقتْ بأغصانِ الأشجارِ وأصابعِ الأنبياءِ ومصابيحِ الشوارعِ التي لا تضيءُ لأحد. قفْ على رصيفِ أمنياتي الحمقاء وابصقْ بوجهِ النوافذِ التي نسيتْ كيفَ تحنُّ تعالَ، لنكرهَ كلَّ شيء من أنتَ؟ وكيفَ لهذا الشعرِ الأعزلِ أن يمرَّ أمامَ الغيابِ دونَ أن يتعثّر؟ كيفَ تبكي وحيدًا وكيفَ لهذه الغرفةِ الباردةِ أن تلتهمكَ مثلَ منفىً صغيرٍ بلا أبواب؟ من أنتَ؟ أنتَ البكاءُ الذي يركضُ في الأزقةِ أنتَ أبي وأمي التي تركتْ ضفيرتَها على كرسيٍّ فارغ أنتَ حياةٌ لم تكتملْ أنتَ موتٌ يلهو بخاتمِ العرّاف يا لكَ من صعلوكٍ، أيها الموت يا لكَ من مقامرٍ، من مخادعٍ، من مهرّجٍ، من كاذبٍ محترف. نعم، أيها المتسولُ على بابِ الفضيحةِ الكبرى قمْ وقل “لا” كنْ رجلًا مكسورَ الأصابع، ممتلئَ اليدينِ بقمحٍ وشعاعِ شمسٍ معلّقٍ بينَ أنيابِ الغيم، ثم اسأل: أين أنا؟