و تنتظرين معزوفة الغياب

غريب ملا زلال 

و تنتظرين معزوفة الغياب
فالرجال الذين يحملون الهراوات
يطوفون في المرايا كالجراد
لم ترفعي يدك بعد عن حواف الباب
و لا تلتفتين إلى جميع الجهات
فنظراتك مازالت تتحسس
بقايا أفق تتصاعد دخانه
و هي تتحدى الساعات الثقيلة
و زمهرير الملفات
هل مرت الحمم النائمة في صدرك من هنا
أم أنك مازلت تنشدين التراتيل
التي لم تشح أشجارها بعد
فالهمسات القديمة
تلقي بطقوسها
من طرف اللوحة  على المكان
و عيناك مشرعتان على نافذة بعيدة
تراقبان السماء الملبدة بالغيوم
و ذلك الهذيان الذي ألهب دمك
أما زلت تسألين عن الخريف كثيراً
عن خطوات الزاحفين نحو مناهل الحياة
بأحلامهم
برغباتهم الجامحة بالصهيل
أما زلت تسألين عن الخريف جيداً
و أنت ترفعين دعاءك إلى السماء
تناجين
بحشرجة في الصوت
بغصة في القلب
فالمقامات لا زالت تعزف ألوانها
و البعيد البعيد
ينصت بصمت
هل حقاً كان عاجزاً عن جمع الحطب و تأمينه
ألم تكبر الأوراق بين يديه
ليبدأ الحنين من جديد
المدفأة باردة
كغرفة لا يتنفس فيها أحداً
و لا يدخلها الشمس أبداً
و الرب في عليائه
لا يحتاج إلى صورة دقيقة عنا
حتى يكون
و لا إلى تضرعاتنا
و تقديم النذور و إراقة الدماء
و لا إلى وضع التماثيل أمام المعبد
حتى يأتي لنا ما نريد
هو يعزف منذ الأزل ..
باحثاً عن شيء ما ، عنها ،
عن تلك اللذة التي لا تقاوم
و هي دون أخواتها ، بنت الماء
ترتشف كأساً من النبيذ
و ترقص كفراشة
حين تتقافز على أوتار آلة موسيقية
دو ري مي فا صول
أنهت رقصتها
صفق لها الجميع
لكنها مازالت ترفع كأسها
نخباً لآلهة تبحث عن مريديها
نخباً لعشاق يبحثون عن القصب الغض
و الحضور يشد من عودها
و يرميها سمكة في الماء
ألم يخطر ببالها
أن ترك الباب و اجتيازه
هو مراجعة و تدقيق
و إعطاء العنوان للمتابعة
ففي الخريف
كل شيء يتساقط على الطريق
الأوراق
الوجوه
الأسماء
الأصوات
الأمكنة
و كل الأصابع المسروقة من هناك
أما أنت فتمضين إلى المعبد
تشعلين شمعة للذي ذهب و عاد
كي تبقين  لوحة شرقية
تتلألئين من الضوء و اللون
يعجز الكاهن و إلهامه عن تفسيرها
و بسرعة النظرة تحدقين فيه
في الأفق البعيد
فعيناك ناريتان
تذيبان الثلج العالق
في ثنايا الروح
حدقي فيه جيداً
كي تمشي الحواس على الأرض
و تلد مولوداً جميلاً
أسميناه الانتظار
….
العمل الفني لمهرانجيز تالاي زادة
Mehrangiz Talaie zadeh

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…