تساؤلات حول اللغة الأم العريقة: الكُردية

آناهيتا حمو. باريس 

 

تُراودني دوماً تساؤلات كثيرة مثيرة للجدل عندما أرى البعض يكتب بغير لغته الأم:

ما الذي يدفعنا للتخلي عن الكُردية، هذه اللغة العريقة التي عاشت قروناً، رغم محاولات الطمس والتهميش؟

ما أهمية التجديد اللغوي؟ وما دور التكنولوجيا والضمير الحي في خدمة اللغة الأم؟

لقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب جهود المثقفين الكُرد من كتّاب ولغويين، في تجديد اللغة الكُردية وإحيائها. فمنذ عهد الدولة الميدية، ظلّت الكُردية حاضرة، وها هي اليوم تُدرّس في المعهد الكُردي في باريس، إلى جانب اللغة الفرنسية، ويُمنح فيها طلاب الدراسات العليا شهادات الدكتوراه في فقه اللغة الكُردية في أعرق الجامعات الأوروبية.

ما زال الكُرد يصدرون القواميس والكتب بلغتهم الأم، ويقومون بابحاث ومقارنات لغوية دقيقة مع لغات عالمية كالفرنسية والإنجليزية، كما فعل البدرخانيون الأحرار بالتعاون مع اللغوي الفرنسي روجيه لسكو في كتابهم المرجعي “قواعد اللغة الكُرمانجية”.

اللغة الكُردية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي جدار الصمود الذي حفظ هوية شعب بأكمله في وجه حملات الإبادة الجسدية والثقافية. ورغم سياسات الإنكار الممنهجة في تركيا، إيران، سوريا، والعراق، حافظت اللغة على تنوعها وغناها، كما وصفها المستشرق الروسي مينورسكي بأنها من أغنى لغات العالم لهجاتٍ وبُنى.

ورغم محاولات التتريك والتفريس والتعريب، فإن الكُرد ما زالوا يعتزون بلغتهم، يكتبون بها، ويخلّدون بها ذاكرتهم. أصبحت حالة التعدد اللغوي بين الكُرد نتيجةً لسنوات الهيمنة والاضطهاد، ولكنها تحوّلت إلى شكل من أشكال الذكاء اللغوي والإبداع، لا إلى انسلاخ عن الذات.

تتسم اللغة الكُردية اليوم بقوة نادرة، فهي لغة قاومت، وما زالت تقاوم، بحروفها وأصواتها وتراكيبها، بجمالها الشعري وغناها المعجمي والدلالي، فاستمرت، وتميّزت، وستبقى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…

صدرت الترجمة الفرنسية لسيرة إبراهيم محمود الفكرية” بروق تتقاسم رأسي ” عن دار ” آزادي ” في باريس حديثاً ” 2025 “، بترجمة الباحث والمترجم صبحي دقوري، وتحت عنوان :

Les éclaires se partagent ma tête: La Biography Intellectuelle

جاء الكتاب بترجمة دقيقة وغلاف أنيق، وفي ” 2012 ”

وقد صدر كتاب” بروق تتقاسم رأسي: سيرة فكرية” عن…

كردستان يوسف

هل يمكن أن يكون قلم المرأة حراً في التعبير؟ من روح هذا التساؤل الذي يبدو بسيطاً لكنه يعكس في جوهره معركة طويلة بين الصمت والكلمة، بين الخضوع والوعي، بين التاريخ الذكوري الذي كتب عنها، وتاريخها الذي تكتبه بنفسها الآن، فكل امرأة تمسك القلم تمسك معه ميراثاً ثقيلا ً من المنع والتأطير والرقابة، وكل حرف…