بين الضفتين.. مختارات شعرية مترجمة من ديوان ” خلخال الكلمات ” للشاعر الكردي حفيظ عبدالرحمن

التقديم والترجمة: إبراهيم محمود

 

حفيظ عبدالرحمن، كرديٌّ شاعر، شاعرٌ كردي، حفيظُ اسمه في قول الشعر، مجاز معناه في تمثيله حيث يكون بلغته الكردية” الأم “. لستُ من يزكّيه هنا، وإن كنت أنا، هوذا شعره، كما تعلِمني معايشتي/ معاشرتي للشعر، قبل معرفتي به. بشعره يشار إليه،  ليكون شاعراً كما يجب.

وما قولي هذا، كشهادة لها ركيزتها في الواقع الذي يُسمّيه، إلا انطلاقاً مما قرأت له سابقاً، وله عقود في مؤالفة لغته الأم والمكابدة من أجلها كما تستحق، وفي كتابة الشعر الكردي.

وهذا الجديد نسبياً من شعره الذي يتقدّم بطابعه الرمزي: الجسدي توصيفاً: خلخال الكلمات، والصادر عن دار الزمان” 2024 “، وفي مائة صفحة ونيّف، حيث تتنوع موضوعاته، لكنه يبقى هو القاسم المشترك ، الذي يحتضن تنويعاته/ مقامات في القول الشعري، حباً وحياة ونضالاً كردياً طبعاً، كما هو دأب المأهول بجمرة الكردية، بتاريخها الطويل، ووجعها المزمن جغرافياً.

حفيظ المتحرك، المتنقل، الرحالة في الاتجاهين بين الضفتين: ما يصله بالماضي، وما يبقيه ممتداً إلى الغد، ساعياً إليه، ملائماً، ومعززاً الرابطة الوجدانية بينهما ضفتياً، ليكون الجسر حمّال رؤى.

في مختارات من شعر حفيظ، وبتنوع، أقدّم بعضاً مما يسمح لي باعتراف أدبي، ربما فيه، ذائقة خاصة تعنيني، وربما فيه مكاشفة لها صلة مباشرة بفعل النقد، وميزانه القويم جمالياً، وربما كان من هذا وذاك، ما يعزّز رؤية نهر المعايشة جارياً، وعبور الجسر متاحاً تخيلاً وتفاعلاً وتذوقاً!

 

 

ترِكَة الحرب

 

أي نعم،

ألَا دعني أقول!

البلد، كان بلدي،

الشارع، كان شارعي،

الحوش، كان حوشي،

متبقّي الزهور وأشجار الخمر،

قد تم تطويقها

بالشوك والعشب البرّي،

 

غرفة الضيوف،

قد بُنيَت من جديد

بالقِطَع المناسبة،

بذكريات أبي،

وترِكة،

صلابة الصخور المؤثرة،

في تجربة قصف القنابل

 

أي نعم،

ألا دعني أقول!

 

الرصاص قد زَيَّن

عتبة باب البيت،

بهدايا حربية،

وفْرة الدموع،

مثل عناقيد بنية،

قد أمطرت

من صدأ الألم،

محل الهدايا.

 

إيه ٍ، أي نعم،

ألا دعني أختمها!

 

البلد، كان بلدي،

الشارع، كان شارعي،

الحوش، كان حوشي،

ما عدا،

حربة البندقية الحربية

قد غرزت

في جذع شجرة الزيتون،

لم أكن أنا،

ولا كنت أعرفها!

أيها المنكوووب،

هوذا أنت لا تعطيني مجالاً،

سأبسِط

الخريطة التي ذهلت،

أمام تلاشي عدم يقينك

 

ألَا فلتسردها عليك

الحجارة المتداعية،

الأغصان المنكسرة المنجرحة،

جثث الطيور وحيوانات البيت الأهلية،

طحلب حفرة الماء. ص11

 

على الغلاف الخارجي: صورة الشاعر حفيظ، ونص قصيدة: الاشتياق ” ص37-38 “

هذه الليلة

نافذة قلبي

دائرية زرقاء

مثل عين جنّية عاشقة

 

هذه الليلة

اشتياقي مثل أنفاس بلبل

على عرزال البيت

يمشّط

غرَّة ورود السهرة

 

هذه الليلة

ظل خمرة الصورة

يشد

الطيور

الأسماك

والفراشات

على ستائر روحي

 

هذه الليلة

صدى

صهيل أحصنة الاشتياق

خارج سياج صدري

أعلى

أصفى

 

هذه الليلة

لستُ هنا

في قامشلو أنا .ص 38

 

***

 

 

 

حبة الرمان

 

حبة الرمان،

أتذكرين؟

منديل البارحة،

ذلك الأصفى

من سماء نوروز وطني.

 

المنديل الأجمل من سجادة حبنا،

الأطيب من مصادفة لقائنا الأول

 

حبة الرمان،

أتذكرين؟

المنديل المرفَق بقبلات ٍ

طيَّ عناقيد ضحكتك.

 

المنديل الذي لم نعد نمضي في ركابه،

في إثره،

لونه،

ئاحته،

حاله،

خُلُقه.

 

 

حبة الرمان،

هوذا

المنديل الدامع،

هذا الصباح

ناشراً طراوة حيائه،

مثل علَم منصوب عالياً

إزاء مكاسب الليلة الماضية،

على الوسادة المريحة،

يتبرعم

مع فراشات ثملى. ص13

**

 

أزواج بمعاطف طوال

 

خريف،

اصفرار الأشجار،

سقوط الأوراق،

ذبول العشب،

هطول المطر،

دوائر صغيرة على سطح البحيرة،

بلَلُ الخطى،

يوم التنبه إلى العمران

هجرة الطيور،

تعَب العكاكيز،

سنوات العمر،

ابيضاض الشَّعر الخفيف،

من حافة قبعة الوارد،

جميعها

كانت في عجلة من أمرها.

ما عدا

حب زوجين عجوزين خفيضيّ الصوت

في معطفي عمر طويل،

يمشيان

في دروب الغابة المتعرجة. ص 19

 

 

**

 

أميرة الضباب

 

أي لحن،

يناسب أوتارك،

سيدتي؟

 

ليس لديك ميْل إلى الرقص،

هكذا،

تعيش هم نوتات الموسيقى

على وجه خريطة وحدتها.

 

وأنا،

جعبة أغاني

حب كردية

أنجرف غلياناً.

 

أي غيم،

يلائم تردد سهولك

سيدتي؟

لا البللل يناسبك

ولا الجفاف تستسغينه كذلك !

 

وأنا الممتلىء،

بمائه،

بأغانيه،

بحزنه،

وبأحلامه الفجة.

على وشط التصدع.

 

أميرة الضباب

تريدين أن أكون خاصتك

لا ترضين كذلك، وإن كنت لي!. ص 23

**

عهد

 

قسماً بعهد الإنسان السالف

سأفطم

عناقيدي قبل الأوان

سأسند عناقيدي

أجيج منتصف نهارات آب.

 

أو على

العصافير المشاكسة

تفرقع

حبات حبّي

حبة حبة .

 

ما عدا

لن أعصرها

في جرَّة

الأحلام التي ضيَّعتْ نفسها ! ص24

 

**

 

 

سيدة شنكَال

 

المتبقي من وشاحك الأبيض

تقسَّم

ما بين شوك البرّية المتّقدة

وأنياب الضواري

 

مطالبنا

لا تكفي

لا رقبتك

الممزقة

ولا تحمي

جثة زوجك

التي بسبب الغزو

من الدود

وقرّادات السياسة

وتجار الحرب…ص32

” اكتفيت بترجمة الصفحة الأولى من القصيدة. المترجم “

 

**

 

 

رأس النبع

 

لا زال ظل فتلتكم/

ظل هروبكم،

يصدم

شوكنا،

نتوءنا،

وحجر

طُرُق عنادنا.

 

لا زال

صدى الاستغاثة

أنينكم،

ونداءاتكم

راقدة

أمام باب

سمعنا.

 

لازال أيضاً،

الرصاص

قصف القنابل

الألغام

تقتفي نبضكم

أثر خطاكم.

 

ما عدا

مظلة القتل المشروع،

القتل المتنوع،

تحميكم

من العافية

من الهلع

من الحزن

من خسارة الأماني !

 

أيها الراحلون !. ض35

 

**

أيام القصف

 

في هذا الإعصار

في إهاب ثوب الخوف

فُرَص استراحة القصف

 

عندما

تمج سيجارة

باحثاً عن مستَر رخيص

وحاجات رخيصة

وخبز رخيص

وزوايا رخيصة

والقليل من الهدوء المعتبَر كذلك .

 

لا تنس !

ابحث حتى عن

ابتسامة مجانية تماماً

مثل هدية

ليومك الجدير بالحياة . ص 36

**

 

ركش

 

ساحة نوروز،

تلك التي

زيَّناها

بالموسيقى

بالرقص

بالأغاني

بالألوان

بالورود

بباقات الضحك

بسرْب القبلات

بكلمات لم تتبرعم بعد

بانتظار

فريق هندسي

لاقتلاع الألغام المتفجرة!

الرصاصات المحشوة

بعارير المعركة وروثها

بانتظار

فريق خبير

لاقتلاع مقالات ملغمة

لاقتلاع ألغام الأحقاد !. ص 57

 

**

 

عاصفة

 

ذلك الغصن

الذي كان

ينتظر تفتُّح

براعمه

 

ذلك الغصن

الذي كان يريد

أن تستحيل براعمه وروداً مختلفة الألوان

 

ذلك الغصن

الذي كان يريد

أن تكون وروده  مسْكرة

 

ذلك الغصن

الذي كان صبوراً

حيث تكون خموره

باعثة على السكَر

في أقداح

العشاق

على طاولة لقاء. ص65

 

**

 

صاحب

 

حبك

في قلبي

ينبتُ

 

أعقاب أحذيتك

تردد

في فراغات ضلوعي

” يا ويل ويلاه ” .ص86

 

**

مصادفة

 

لا كما كنت أريد

لا كما كنت تريد

 

إنما كان

سراباً جميلاً

من راحة الأحلام

مصادفة عجيبة

من قراءة فنجان

 

الفصول كافة

فجأة

بنشوة قبلة

بصبغة جرح

عبرت

خرم إبرة الزمن

 

رأينا أنفسنا

أننا لم نعد نلتقي

أبداً!. ص 98

**

المرسى الأخير

 

أحببتها في السلام

أحببتها في الحرب

في المنفى الأخير

مثل الوطن الأخير

المرسى الأخير للانتظار

أحببت

قاربي التعِب

أكثر

 

شجرة تحقيق الأماني

أغنية الليالي الصيفية

كانت تومض مع النجوم

كانت مظلة من القرنفل والنعناع البرّي

شعرها لم يكن طويلاً كثيراً

ولا كان بقصيراً أيضاً

كان يكفي تغطية القبلات

 

حقولها الحيّية

حقولها الغضة

على سرير الليلة المندهشة

كانت تلعب مع الهواء

كانت تحفظ عن ظهر قلب

لذة الغزْل

على مقامات الاشتهاءات

 

في استراحة الإعصار

في غفوة البراكين

في صمت طرق الخلوة الليلية

كانت تشد

رأس كبش معمَّر

من حظيرة مواويل الحب

وتغني: 

…ص107

” اكتفيت بترجمة فقرتين من القصيدة. المترجم “

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!

 

إبراهيم اليوسف

 

تمثل رواية” فرح خاتون*” الصادرة عن دار الزمان للطباعة والنشر، تجربة سردية ذات طابع استثنائي، تمتزج فيها السيرة الفردية بالسياق الجمعي، وتُروى الذات الكردية لا عبر صراع سياسي مباشر، بل من خلال جسد مريض وذاكرة محاصرة بالموت والعزلة. تدور الرواية حول فرح عبد الكريم عيسى علي، المرأة التي تكتب من سرير المرض في مستشفى…

في زمن يبحث فيه العالم عن المصالحة والتفاهم، يعد ديوان الشعر

“Aştî تعني السلام” من تنگزار ماريني علامة مضيئة للأمل. النسخة الثنائية اللغة – باللغتين الكردية والألمانية –

تدعو إلى عدم التفكير في السلام فحسب، بل أيضًا إلى الشعور به ومشاركته.

قصائد ماريني رقيقة وقوية في آن واحد.

تحكي عن الرغبة في عالم أفضل، وعن ألم الذكرى،

وعن جمال التعاون….

يسرى زبير

 

اللاجئ ليس مجرّد رقم على الورق، ولا حالةً طارئة في نشرات الأخبار.

إنه إنسان أجبرته قسوة الحياة ومرارة الواقع على الهروب من وطنه، بعدما تحوّلت أبسط مقومات العيش فيه إلى أحلام مستحيلة.

الكهرباء مقطوعة، والماء يُشترى بثمن، والغاز معدوم، والأسعار تنهش قوت يومه، والقهر يرافقه في ظلمات منامه.

ولم يعُد هناك ما يُسمّى حياة، بل صراع بقاء…