محمد إدريس
في الزاوية الهادئة من كل بيت، يقف رجلٌ اسمه “الأب”.
لا يطلب شيئًا، لا يشتكي، لا ينتظر تصفيقًا ولا مجدًا.
هو هناك… كالجبل، تشتدُّ به الحياة دون أن يميل،
وكالنهر، يجري بعذوبة ليروي العائلة، دون أن يلفت الانتباه.
ننشغل كثيرًا بالأم، ونبجّل حنانها – وهو أهل للتبجيل –
لكننا كثيرًا ما ننسى ذاك الذي مشى على أقدامه ليؤمّن الحليب،
وركب الحافلات المتعبة ليعود لنا بأكياس الخبز والفلافل،
وباع من عمره ليشتري لنا كرامة العيش.
الأب ليس مجرد رجل يخرج في الصباح ويعود في المساء.
هو المعنى الذي يُقيم سقف العائلة، ويُشعل الضوء في الزوايا المظلمة ،
هو الصبر حين يضيق الصدر،
هو القرار حين تحتار الأم،
وهو الأمان حين تهتزّ الأرض من تحت قدمينا.
في يوم الأب، لا نُقدّم له الشكر فقط،
بل نعتذر له أيضًا…
لأننا لم نفهم في صغرنا أن ذلك الصمت كان حُبًا،
وأن تلك النصيحة كانت قلقًا،
وأن تلك القسوة الظاهرة كانت خوفًا علينا.
إلى كل أبٍ:
نراك، حتى إن لم نقل لك ذلك.
نحبك، حتى إن أخفيناها خلف خجلنا.
وندين لك بالكثير… لأنك كنت الماء في جذورنا،
والظل في صيفنا ،
واليد التي لا تَملّ من الدفع بنا نحو الضوء والمستقبل .