آناهيتا حمو/ باريس
رحل عن عالمنا الكاتب والمفكّر الفرنسي ذو الأصول الأرمينية جيرار شاليان، تاركاً وراءه فراغاً كبيراً في المشهد السياسي والفكري العالمي، وجرحاً في قلوب الذين عرفوه عن قرب أو عبر نصوصه التي كانت أشبه بشهادات حيّة على أوجاع الشعوب المقهورة وأحلامها بالحرية.
بالنسبة للشعب الكُردي، لم يكن شاليان مجرد كاتب زائر أو مراقب خارجي، بل كان شاهداً من الداخل، عاش في كُردستان، وشارك الكُرد معاناتهم اليومية، وكتب عنهم بصدق بعيداً عن اللغة الباردة للتقارير الصحفية أو الدراسات الأكاديمية الجامدة. لقد كان صديقاً حميماً وحقيقي للشعب الكُردي، حمل قضيته إلى المنابر الفكرية والسياسية العالمية، مدافعاً عن حقه في تقرير المصير والعيش بكرامة.
وُلد شاليان من رحم معاناة شعب عريق له باع طويل من الغبن والاجحاف، ففي كنف عائلة أرمنية تعرف جيداً معنى الإضطهاد والتشريد، وهذا ما جعله أقرب إلى فهم معاناة الكُرد الذين تقاطعت مأساتهم مع مأساة الأرمن في ذاكرة الجغرافيا والتاريخ. لهذا السبب، جاء صوته مغايراً، متعاطفاً من الأعماق، يكتب لا بدافع المهنة وحدها، بل من إحساس شخصي بالمسؤولية الأخلاقية والتاريخية.
ترك شاليان بصمته الفكرية عبر مؤلفات عديدة، تناولت الصراعات والتحولات السياسية في الشرق الأوسط، لكنه حين كتب عن الكُرد، فعل ذلك بوعي المثقف الحرّ الذي لا يساوم على الحقيقة. لذلك ظلّ اسمه حاضرًا في الذاكرة الكُردية كأحد أبرز الكُتّاب الأجانب الذين رفعوا صوت القضية الكُردية في الغرب.
برحيله، يخسر العالم كاتباً كبيراً، ويخسر الكُرد صديقاً وفياً. ومع ذلك، فإن إرثه المكتوب، وما خلده من أبحاث وتحليلات سياسية، وناهيك عن الشعر وأجمل القصائد بعد أن جاب العالم.
سيبقى شاهدًا على صدق التزامه، وعلى بناء ومد وطيد لتلك الجسور الثقافية والإنسانية التي بناها بين كُردستان والعالم.
اليوم، العالم من دونه يبدو أكثر عبثية وقسوة، لكن ما كتبه وما دافع عنه سيظل حياً، يمنح الذاكرة معنى، ويذكّر بأن للكلمة الصادقة قدرة على مداواة الجراح، وعلى مقاومة النسيان.
المجد والخلود لروح جيرار شاليان، والسلام لذكراه.
20 آب 2025