مشهد بشير الانصاري مفتوح على عناوين كثيرة

غريب ملا زلال

تعرفت عليه في اواسط الثمانينات من القرن الفائت عن طريق صديق فنان / رحيمو / قمنا معا بزيارته في بيته في مدينة الحسكة ، صعدنا الى سطح الدار على ما اذكر حيث مرسمه ودار حديث عذب ونحن نطوف بين اعماله ، ومن حينه كنت ادرك بان بشير سيكون له حيز جميل من التشكيل الحسكاوي وبالتالي السوري ، فهو منذ البدء كان يحرص على بذل جهد مغاير ومضاعف لتوفير معطيات قيمية حسية يفضي به الى مشهد فني فيه من الشدة النبرية بوصفها ابلاغ لمعيار جمالي الشيء الكثير مع تقاطعها لمستويات تدرجية بتفاصيلها الدقيقة ، يفضي به الى مشهد كل فضاءاته ترتبط بمسارات جميعها تحت السيطرة اقصد تحت سيطرة المعيار القيمي لحساسية الانصاري ومن الاهمية بمكان ان نحدد مستوى التعبير لديه وتناظرها مع المضمون مهما كانت شدة التنغيم بينهما ، فالفضاء هنا ليس ذهنيا بقدر ما هو موضوعي والبناء حصين من الترهل فيه يعمق الانصاري تجربته التي تمتد لاكثر من ثلاثة عقود ونيف ، التجربة المرتبطة بتغييرات تدريجية قد تكون هي المسؤولة عن قوة العاطفة لديه مع قوة الدلالة الجاذبة للشيء في مفهومها السيميائي ، واذا كان لا بد للانصاري ان يتكىء على موروث غني ينبغي عليه ان يتجاوز الاشكاليات الكثيرة التي قد تظهر وهو في الطريق لملاقاة ما سينفذ من الذاكرة البعيدة ، ليس اخرها الانتشار السطحي لهذا الموروث لدى اكثر الفنانين المجايلين له ولدى الذين سبقوه ، ولهذا ما ان يقترب الانصاري من فوهة تلك الذاكرة وبحذر شديد للتوكيد على الاختلاف حتى تبدأ علاقته مع الغوص مع خلق فسحة للتامل بجدية الباحث عن احتمالات تقترب من مقولات جمالية منجزة لا ناجزة ، فهو يدق بابا ويفتح له باب اخر ، بهذا التنوع يتناول الانصاري توالدات ضمن محاور تقنية غير متعثرة تتوافق حينا وتخالف في احيان اخرى ، تساهم على نحو كبير في تاسيس جماليات المشهد لديه دون حاجة شديدة الى المبالغة في سردها ، وهذا مشروعية ذلك التقاطع بين اسئلة البوح المنبثقة من العمل وبين السارد وهو يستحضر رؤى لا تكتمل الا بالذهاب الى الحكايا المتبقية في الذاكرة ، وهذا يمنحه قدرة في استخدام الاحالات في اطار تكريس حركية التفاصيل ووضعها امام خيارات اقلها الذهاب الى فضاءات تقبل اعادة قراءة مشهده البصري وقبول النتائج المنجزة دون خلق اي تباعد بين مفرداتها رغم الخيارات العديدة المتاحة له سواء اكان بالتنقل بين المحاور او بالبحث عن اصول تتبنى هي ذاتها دون الاحكام على ابوابها ، بل تركها مشرعة لكل رؤى التحويل عنده وعند المتلقي معا ، وتكتمل الاحالة عنده حين يطلق العنان للمتلقي في لحظة الاحتياج دون التخلي عن عزلته في برجها الدائري وهذا يحيلنا الى البحث عن المشهد الموازي في مشهده المفتوح على عناوين كثيرة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

أغلب الحكايات الشعبية، في الآداب الشعبية للأمم والشعوب نجدها مصاغة على ألسنة الحيوان، ولها غايات تربوية توجيهية، ولعل حكايات “كليلة ودمنة” تشكِّل مثالاً بارزاَ لها، فنحن نجد فيها أسداً هو رمز أو صورة للسلطان الجائر، وثعلباً هو رمز للبطانة الفاسدة المحيطة بالسلطان الجائر، يدله على طريق السوء. ثم نجد أن كل حكاية في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسكي

مَاذَا أَقُولُ

وَالصَّمْتُ قَوْلِيْ

لَسْتُ مِمَّنْ يُثَّرْثِرُ عَلَى الْمَنَبِرِ

أَنَا اَلَّذِي صَاغَ الْقَوْلُ لَهُ

وَتَرَاكَمَتِ الْكَلِمَاتُ فِي ثَغْرٍي

كُلُّ الْحُرُوفِ تُسَابِقُ بَعْضَهَا

لِتَخْرُجَ وَتُعْلِنَ عَنْ تَبْري

<p dir="RTL"...

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية الكاتب والفنان السوري إسماعيل الرفاعي بعنوان “نقوش على خشب الصليب” وهي عمل يضع القارئ منذ العتبة الأولى أمام مجاز كثيف ومركَّب، حيث يتحوّل الخشب إلى حامل للصلب، والنقش إلى كتابة فوق الألم، واللوحة إلى مرآة للروح.

الرواية تقدَّم على هيئة “فهرس نقوش”، في إشارات تشي بأن الفصول التي…

غريب ملا زلال

منذ أكثر من خمسين عاماً و الفنان التشكيلي محمد أمين عبدو يتنفس اللون، فمنذ عام 1975 و هو يعارك اللوحة بفاعلية مؤكدة يبقيه على الجذر الإنساني، و هذا ما يجعله يؤكد و بثقة العارف بعمران المكان بأن عمليات الإزاحة التي يقوم بها للوصول إلى نتيجة لماحة تحدد له وجهته…