هازم جميل موسى (أبو نجم): سيرة من النضال والتضحية في سبيل كوردستان

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في صفحات التاريخ.

إن هذا الكتاب يمثل جهدا جماعيا لإحياء الذاكرة الوطنية الكوردية وتخليد رموزها الذين سطروا ملاحم العطاء والتضحية، كما يأتي نشره على حلقات في إطار التزامنا الثقافي بتقديم محتوى توثيقي رصين يربط الأجيال بماضيها النضالي المشرف.

من خلال هذا المشروع، يسعى ولاتى مه إلى أن يكون جسرا بين القارئ والتاريخ الحي، وفاء لرجال حملوا راية الحرية بإيمان وصبر، وأثبتوا أن الكلمة الصادقة قادرة على إبقاء الذاكرة حية مهما طال الزمن.

ادارة (ولاتى مه)

========== 

هازم جميل موسى (أبو نجم): سيرة من النضال والتضحية في سبيل كوردستان

سمكو عمر لعلي

المقدمة

في تاريخ الأمم، هناك رجال يتركون بصمات خالدة بأعمالهم وتضحياتهم، وأحد هؤلاء الرجال هو هازم جميل موسى، المعروف بلقبه “أبو نجم”، الذي سطّر اسمه في سجل الأبطال الذين وهبوا حياتهم دفاعًا عن شعبهم وقضيتهم العادلة. كان مناضلًا شجاعًا لم يعرف التردد أو التراجع، بل كرّس حياته للنضال المسلح والسياسي، متحديًا الصعاب، ومقدمًا نموذجًا للوفاء والتضحية في سبيل كوردستان.

وُلد هازم جميل موسى في كوردستان عام 1951، ونشأ في أسرة مناضلة حملت على عاتقها همّ القضية الكوردية منذ عقود طويلة. من نعومة أظافره، أدرك هازم حجم المعاناة التي يواجهها شعبه، فتشرب حب النضال، وشبّ على قيم البطولة والمقاومة. كانت البيئة التي نشأ فيها، المليئة بالكفاح والتحديات، عاملاً أساسيًا في تشكيل شخصيته، حيث انخرط مبكرًا في العمل الثوري، ولم يكن يخشى مواجهة المخاطر أو التحديات.

البداية: الانضمام إلى صفوف البيشمركة (1967)

مع تصاعد الاضطهاد ضد الشعب الكوردي، انضم هازم جميل موسى في عام 1967 إلى صفوف البيشمركة، حيث بدأ مسيرته النضالية في قوة هيزا هلكورد، إحدى الوحدات المقاتلة التي خاضت معارك ضارية ضد الجيش العراقي دفاعًا عن حقوق الشعب الكوردي.

لم يكن انضمامه مجرد خطوة عابرة، بل كان بداية لحياة مليئة بالنضال والتحديات. ومع اندلاع ثورة أيلول الكبرى (1961-1975)، شارك هازم بشكل مكثف في تدريبات البيشمركة، حيث أظهر شجاعةً وبراعةً في القتال، الأمر الذي أهّله ليكون من القادة الميدانيين المميزين.

شارك في العديد من المعارك البطولية ضد القوات العراقية، وكان أحد الأبطال الذين تصدوا بشجاعة للجيش العراقي في مواقع مختلفة، من بينها:

گه‌ڵيێ زاخو،

پێشابۆڕ

گه‌ڵێێ دۆڵا

ئه‌ڕمشتێ

قه‌ڵعه‌ دزێ

سێنگه‌ سه‌ڕ

ڕانێه‌

دۆلا پلنگا

سه‌ڕو چاوا

ڕه‌واندوز

دۆڕنه‌ خێ

في هذه المعارك، أثبت هازم جميل موسى كفاءته القتالية، وأصبح مقاتلًا يهابه الأعداء ويحترمه رفاقه في النضال.

التحول إلى العمل السياسي (1970)

بفضل نشاطه المتميز وقدرته على القيادة، تم انتخابه كادرًا سياسيًا في عام 1970، حيث بدأ في الجمع بين العمل العسكري والسياسي. كان يؤمن بأن النضال لا يقتصر على حمل السلاح، بل يحتاج أيضًا إلى تنظيم سياسي قوي يقود الجماهير ويدافع عن حقوقها.

وبعد اتفاقية الجزائر المشؤومة عام 1975، التي أوقفت ثورة أيلول وتسببت في تفكيك قوة البيشمركة مؤقتًا، لم يستسلم هازم، بل انتقل مع رفاقه إلى شرق كوردستان، واتخذ من مدينة كرمانشاه مقرًا لنشاطه الثوري، في محاولة لإعادة تنظيم القوى والاستعداد لمرحلة جديدة من النضال.

ثورة كولان والانخراط في المعارك من جديد (1976)

لم يطل الأمر حتى اندلعت ثورة كولان في 10 مايو 1976، والتي شكلت محطة جديدة في النضال الكوردي. كان هازم من أوائل البيشمركة الذين عادوا إلى كوردستان في أول مفرزة بعد بدء الثورة، حيث قاد مفارز قتالية ككادر سياسي، مواصلًا نضاله العسكري والسياسي ضد النظام العراقي القمعي.

وفي عام 1979، شارك في المؤتمر التاسع للحزب الديمقراطي الكوردستاني في زيوه (شرق كوردستان)، حيث أعيد انتخابه ككادر سياسي ضمن منظمة الشهيد محمد صالح بوصلي في منطقة زاخو، مما زاد من مسؤولياته ودوره في النضال التحرري.

الاعتقال في تركيا ومعركة الحفاظ على الأسرار (1981)

في عام 1981، كُلف بمهمة سرية برفقة سعد الدين يوسف، حيث توجها إلى كوردستان تركيا حاملين رسالة من الشهيد الحي إدريس بارزاني إلى القادة الكورد هناك. ولكن للأسف، ألقت الجندرمة التركية القبض عليه لوحده ، واستطاع الاخ سعد الدين ان ينفذ من الكمين لان الشهيد هازم كان في المقدمه حيث كان يحمل رسالة

 تحتوي على معلومات حساسة عن التواصل بين قادة الكورد، وعندما أدرك خطورة الأمر، قام ببلع الرسالة كي لا تقع في يد السلطات التركية.

اقتيد إلى سجن دياربكر السيئ السمعة، حيث تعرض للتعذيب الوحشي على يد السلطات التركية التي حاولت انتزاع المعلومات منه. لكنه صمد بشجاعة، ورفض الاعتراف بأي شيء، رغم المعاناة القاسية التي تعرض لها.

وبعد مفاوضات قادها الرئيس مسعود بارزاني والشهيد إدريس بارزاني، تم إطلاق سراحه، فعاد إلى كوردستان ليستأنف دوره في النضال المسلح والسياسي.

القيادة في المثلث الحدودي حتى الانتفاضة (1991)

بعد عودته، قرر الرئيس مسعود بارزاني إبقاءه في غرب كوردستان، حيث تولى مسؤولية إدارة العمليات في المثلث الحدودي. استمر في نشاطه العسكري والسياسي حتى عام 1991، عندما اندلعت انتفاضة كوردستان الكبرى ضد نظام صدام حسين.

استشهاد البطل هازم: ملحمة نضال وتضحيات جسام

استشهد الشهيد هازم في معركة شرسة اندلعت بين قوات البيشمركة والجيش العراقي خلال الانتفاضة التاريخية،1/3/1991 حيث كانت المواجهات في أوجها. جاءت هذه المعركة ضمن الجهود البطولية التي بذلتها البيشمركة لفتح ممر آمن يربط بإقليم روجافا، إدراكًا لأهميته الاستراتيجية في دعم الثورة الكردية.

كان الشهيد هازم يؤمن يقينًا بأن شجاعة وبسالة شعب روجافا ودعمه المستمر كانتا عاملين أساسيين في تحقيق الانتصارات، مؤكدًا أن روجافا تمثل العمق الاستراتيجي للثورة منذ ثورتي أيلول وكولان. كان يقول دائمًا: “إن الكرد في روجافا هم الجنود المجهولون الذين يخدمون النهج البارزاني دون تردد أو مقابل، فهم أصحاب عقيدة ثابتة لا تتزعزع.”

ورغم هذه الروح النضالية العالية، كان للخونة الذين تظاهروا بالانتماء إلى القضية الكردية دور في استشهاد هازم ورفاقه، حيث قاموا بتزويد الجيش العراقي بالإحداثيات الدقيقة لمكان وجودهم، مما مكّن القوات العراقية من استهدافهم بقذائف الهاون. وبهذا الغدر والخيانة، سقط الشهيد هازم ورفاقه مضرجين بدمائهم الطاهرة، ليكونوا رمزًا للتضحية والفداء في سبيل حرية شعبهم.

رحل هازم جسدًا، لكن روحه ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال القادمة، تروي قصة بطولة وشرف لا تُنسى.

المعلومات :

من ابنه ادريس

و ابن عمته محمد عيد

 

كوردستان:هولير:12/2/2025

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…

صبحي دقوري

يضع كتاب أزمة العالم الحديث لرينيه غينون قارئه أمام أحد أعمق التشخيصات الميتافيزيقية لانحدار العصر الحديث، تشخيص لا ينطلق من داخل الحداثة بل من خارجها، من أفقٍ تقليدي يرى العالم لا من زاوية التاريخ بل من زاوية المبدأ. غير أنّ هذا التشخيص لا يكتمل فهمه إلا إذا وُضع في موازاة جهود مفكرين كبار واجهوا…

ناصر السيد النور *

يدخل الروائي السوري (الكردي) والطبيب في روايته الصادرة مؤخراً عن دار رامينا اللندنية -هذا العام- إلى تجاويف سردية غائرة بدلالاتها السيكولوجية في تعبير جريء وشاخص لشخصياته روايته التي اتخذت مساراً سردياً يغلب عليه التفصيِّل في شمول سردي يتخطى أحيانا المساحة (الفضاء السردي) المتاح. بافتراض أن التطابق ما بين احالات النص السردي وقيمة…

إبراهيم محمود

تسمية ” الكائن الحي ” تشمل كلَّ ذي نفس وروح. سوى أن هناك تبايناً بين كائن وآخر. ويصبح التباين أوسع، أعمق وأرحب، بما لا يقاس، لحظة التفكير في الإنسان. وحين نقول” إنسان ” يكون العموم. سوى أن الاسم عندما يحل صفة، يكون التمايز قائماً. وعلى طريقة أحدهم: ما أصعب أن يكون المرء إنساناً.اي ذاك…