شيرين الحسن
كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.
في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار حكاياتهما التي لا تُحصى. الشمس، بفرشاتها الذهبية، كانت ترسم لوحة فنية لا تتكرر. تدرجات من البرتقالي والأحمر والأرجواني تمتزج معًا لتغمر المدينة بوهج ساحر. وعندما كانت تتلاشى آخر خيوط الضوء، كانا يرتشفان قهوتهما، كل رشفة تحمل نكهة خاصة.
هو، بهدوئه الذي يشبه سكون البحر قبل العاصفة، كان يراقب تغير الألوان في السماء، وكأنه يقرأ كتابًا لا نهاية له. هي، بعينيها اللتين تشعان بالحياة، كانت تحكي عن تفاصيل يومها، عن الضحكات الصغيرة التي التقطتها، وعن أحلامها التي تنتظر الفرصة لترى النور. كانت كلماتها تتدفق كشلال، تكسر صمت الغروب، وتملأ الفراغ الذي يخلفه رحيل الشمس.
لم يكن الحوار دائمًا عن الأحداث الكبرى. أحيانًا، كانت القهوة هي بطلة الحديث، عن حبوبها التي جاءت من بلاد بعيدة، وعن طريقة تحضيرها التي تجعلها فريدة. وأحيانًا أخرى، كانا يكتفيان بالصمت، صمت يحمل في طياته كل ما لا يمكن قوله. كان الصمت بينهما لغة خاصة، مفهومة، ومُريحة.
كانت رائحة القهوة تمتزج مع نسيم المساء البارد، وتلامس روحيهما. كانت كل قطرة تُعيد لهما ذكريات ماضٍ جميل، وتعدهما بمستقبل أكثر إشراقًا. لم تكن القهوة مجرد مشروب، بل كانت جزءًا من الطقس، كانت وسيلة للتواصل العميق، وجسرًا يربط بين عالميهما.
وبينما كانت النجوم تبدأ في الظهور واحدة تلو الأخرى، كانت قهوتهما قد انتهت. لم يكن هناك داعٍ للكلمات الأخيرة، فكل شيء قيل في لحظات الغروب تلك. كانا ينهضان، تاركين خلفهما مقعدين فارغين، لكنهما يحملان في قلبيهما دفء القهوة وجمال اللوحة التي رسمتها الشمس. يعودان إلى عالميهما، ليواصلا مسيرة الحياة، متسلحين بذكرى لقائهما تحت لوحة الغروب، منتظرين موعدًا جديدًا، وقهوة أخرى، وغروب آخر.