مكتبة ” بوتاني ” منعطف نوعيّ في تاريخ دهوك الثقافي

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور إليه مستقبلاً، ومن يخصهم الكلام والمقام.

بين كل من الدكتور عبدالفتاح يحيى بوتاني ورفيقة دربه السيدة بدرية خالد

 

فالحدث مولّد تاريخه! إنه حدث افتتاح مكتبة ” بوتاني ” والمعطوف على الأستاذ الجامعي، والبروفيسور الدكتور عبدالفتاح يحيى بوتاني ”   – ..” والمختص في التاريخ والتاريخ الكردي المعاصر تخصيصاً، والمحال على التقاعد حديثاً، والمقيم في دهوك. افتتاح المكتبة، مكتبة كهذه، كان حلمه منذ عقود من السنين، كما عبَّر حينها عنه، في مقابلة معه” شباط عام سنة 2001 )، بقوله: أن أفتح مكتبة تكون أكبر مكتبة لرفد العلم والمعرفة لمن يطلبهما في دهوك. وهو ما تحقق له هذا الذي كان حلماً، لكنه استحال واقعاً، وانبرى علماً.أي ليكون الحلم مشدوداً إلى إرادة تقديره وتحويله واقعاً وليس أي واقع كهذا.

بروشور افتتاح  المكتبة

 

 

كما قلت، عن أن الحدث هو ما يجري في الواقع، صيرورة تمثلُ واقعة معينة، دخولاً في آت أو مستقبل، وعلى قدْر نفاذ فعله أو تأثيره يبرز الحدث هذا أهمية ومكانة واعتباراً، وفي حدث افتتاح مكتبة ” بوتاني ” بالنسبة لمن يعرف ما يكونه الكتاب في زمن مشهود له بمأساة الكتاب في انحسار مكانته، وحلول الرقمي والافتراضي محله هنا وهناك، وما يزيد في تهميشه نوعياً، وحتى نفوراً منه، وتنامي الجهل ” المقدس ” كما هو متردد بأكثر من معنى، في أكثر من علاقة وسياق القول، فما بالك بمكتبة، وليس أي مكتبة كذلك، مكتبة أنفِق عليها مبلغٌ ضخم كاف، إذا جرى استثماره في أي مشروع عملي، سوف يترتب عليه دخل كبير، يغطي حاجة أكثر من عائلة وبمستوى معاشي أو حياتي مرفَّه. وهذا يضفي على حدث افتتاح مكتبة كهذه قيمة مناقبية مضافة تستحق التقدير.

مع الدكتور بوتاني وبجواره الأستاذ خالد توفيق

 

المكتبة، المكتبة، كيف يمكن الحديث هنا عن المكتبة ؟

بوابة المكتبة

 

عمياء، لكنها قادرة على منح المتعامل معها بيقظة، رؤية ما حوله، وليس أمامه إلى مسافات أبعد من مجل نظره الحسي البصري. خرساء، لكنها تمتلك المقدرة على منح المدرك لحقيقتها على منحه أكثر من لسان ناطق، وقول خارج في معانيه ومراميه. صمّاء، إنما تتميز بقابليتها على منح المدرك لوجودها قدرة لا تُحد على التقاط أدق الأصوات والتمييز فيما بينها. جامدة، سوى أنها في بنيتها الفعلية مخوَّلة لأن تهِبَ الداخل معها في علاقة فعلية ، كل ما يعرَف به اللمس من تصنيف للصلب والمرن، السخونة والبرودة في الشيء الذي يخص الجسم. اسم لمفرد، سوى أنها في واقع حقيقتها جامع مانع لأسماء لا يحاط بها في التجنيس والتنويع.

عناوين لكتب الدكتور بوتاني

 

لا بد أن المأهول بميزة سرعة البداهة أن يعرفها: إنها المكتبة!!

تسمَّى عبر مكان وفي زمان يسجَّل باسمها، ولكنها تسمّي أمكنة وأزمنة لامتناهية. يمكن لها الاكتفاء برقعة جغرافية سوى أنها تمتلك أهلية الامتداد والتوسع، النمو والتضخم المفرح إلى ما لا نهاية. لا تعرّف بنفسها في سلطة معينة، في صفة أخلاقية محددة، في أفق منظور معلوم حصرياً، في إيقاع دلالي قطعي، إنما تنفتح على كل الأصوات، اللغات، الطبائع المعلومة والمجهولة، القدرات التي ترسم حدوداً بين الأشخاص، ومنح كلّ منهم المكانة اللائقة بها، إجازة معرفية بنوعية ما، لهذا أو ذاك.

المكتبة اسم له وجهه المرصود، صوته المعلوم، بصمته لمن يعيش مقام الاسم، اسم كما يتردد(متعدد المعاني، يشير مصطلح المكتبة إلى حقائق مختلفة تمامًا إذا فكرنا في المبنى الذي نأتي إليه لاستعارة الكتب هذه الأيام)..

مع الصديقين الدهوكيين بالا ونوزاد

 

عبْرها يمكن رسم الحدود بين حالة وأخرى، بين وضع ثقافي وخلافه، بين زمان ثلاثي الأبعاد وغيره، بين ذهنية وسواها، بين معنيّ بها ونوع ثقافته، ومؤهلاته النفسية، ومستواه الأخلاقي، نوعية الشجاعة الفكرية والأخلاقية وكرَم الروح والانفتاح، وفي الوقت نفسه قابلية الاختبار لتلك المؤهلات التي تمارس تعريفاً لماحاً وجليّ الأثر لحقيقة من يرتبك اسمها أو أكثر من اسم بها.

 

المكتبة الصيدلية

المكتبة كما هو حال الحديث عن ” صيدلية أفلاطون ” الكتاب الجدير بالقراءة للمفكر الفرنسي جاك دريدا، إذ إن الصيدلية تقابل باليونانية ” فارماكون ” وهذه الكلمة تعني” الداء والدواء أو العقار”، تذكّر المكتبة بذلك. إنها داء لمن يخشاها، لمن يحسب لها حساباً، لما تقلقه لأن منها وفيها ما يبث ظلاماً وينشر نوراً، وهي دواء للروح التي تعمّر خارج المطروح بحساب جسدي آيل إلى الزوال.

 

لا أكثر منها خطورة إذاً، جهة القوى التي تنطوي عليها لأنها تدخر ثقافات ومعلومات عن أمم وجماعات، وأفراد، ولا أكثر منها تعبيراً عما يصبو إليه الإنسان، عما يمنح البشر جماعات وأمماً، شعوباً وألسنة، قدرات  ممتدة في الزمان والمكان على الارتقاء بتلك الروح الكونية، والدخول في عقد مجتمعي كوني، يكون فيه السلام والوئام.. هكذا المعرفة عبرها قوة بناء وثقافة نفوس مستنيرة .

المكتبة غير الكتاب. الكتاب رحالة في الزمان والمكان، وينطوي على اسم معلوم، ومرفَق بشخص معين، حيث يسهل حمله، ووضعه في حقيبة، أو أي مكان، عموماً. سوى أن المكتبة بثقلها النوعي، والمساحة التي تتطلبها، والكلفة المرفقة، والتبعات المعنوية ومخاض علاقاتها في بيئتها الاجتماعية وما يمكن أن يقال فيها، ويجري النظر فيه، لها محل إقامة، وتستغرق مساحة معتبرة تبعاً للمودع فيها من الكتب ومرفقاتها من أدوات وأجهزة تخدم عملية توزيع الكتب أو تنشيط ميكانيزم القراءة وما يجعل المكتبة الحيوية، بمقدار ما تحتاج إلى متابعة لشئونها، والمستجدات مما يخص الجديد من الكتب، وإدارة دقيقة يُراعى فيها وعي مكتباتي منتظم، وانفتاح على العالم الخارجي، وكيفية التفاعل مع الوسط، حيث نوعية المكتبة وموقعها لهما دور في تحديد أهميتها ورؤية آتيها.

 

تأريخ مكتباتي

تحتفظ المكتبة بتاريخ عريق في التحولات والمستجدات، من المآسي والانتشار والتحديات وهي تتنوع وقائمة إلى الآن. يمكن النظر إلى المكتبة في تاريخها ، بوصفه عراقة تاريخ، حيث ينبني سحر الكلمة، كما هو المشروب الروحي المعتق، وثمة سلسلة حلقات تاريخ وجغرافية، وتموضع لها، من خلال ما يُسمى بـ” سحر الكلمة المكتوبة ” حيث (بدأت الكتابة في سومر، في الألفية الرابعة قبل الميلاد، وتضم المكتبات مئات الآلاف من الألواح. ويستمد الكتبة، الضامنون للمعرفة وهوية الشعب، قوتهم السحرية من العلامات والكتب المسمارية، كناية عن المعبد الإلهي.) بشهادة أنّك رودجو. .

إنه إخلاص للكتاب وبدعته المأثرة المعطوفة على ما كان، ومفخرة ما هو كائن، والمنسوبة إلى مستقبل، تمثله إرادة معرفة في من يراهن على دور العلم الفعلي في رفْد العقول الحية طاقة استنهاض بقدرتها في مجتمع يحتاج إلى ذلك، حيث نعيش هنا وهناك تسطيحاً مريعاً للثقافة، في متاهة الافتتان بما هو تقني ” موبايلي ، وخلافه، وهو التحدي المفتوح على مختلف الجهات. ولا بد أن وراء تحديات، وبالجمع ” كهذه، من يكون قد أعد أعدته، وفي شخص الدكتور بوتاني، الذي تحمل المكتبة اسمه، وهو يستحقه، وشخص رفيقة دربه، السيدة ” بدرية خالد ” التي ترفده بكل المزايا ذات الصلة بمستحقات حدث افتتاح مكتبة كهذه من قدرات وجهود مادية ومعنوية، وهي مشهود لها بتلك الحيوية الاجتماعية في التعامل مع فراغ مكان، وقد أصبح ملئاً مكانياً استثنائياً استحق لقب حدث من نوع مغاير، ما تستحق عليه بدورها من تقدير، ما يعدِم المسافة المصطنعة بين ما يعرَف به الرجل من صفات تعنيه، وما تعرَف به المرأة من خصائص عائدة إليها دون تلك الصفات الموجهة إلى الرجل والمسجلة باسمه، ومعهم أفراد عائلتهما وهم يعزّزون في روح المعني بالكتاب وشأنه، أو بالمكتبة والاعتناء بها، ورعايتها والحفاظ عليها لاحقاً، الأمل والتفاؤل القائمين على أن الحياة تستحق أن تعاش، والمثل المعتبر في مكتبة كهذه. والمثل المعتبر في مكتبة تضم إليها وفيها مجتمعات، عوالم، قدرات كامنة، نقاط استناد لأرواح تتلاقى من خلالها مع بعضها بعضاً، وتدخل معاً في تاريخ ينفتح على بعضه بعضاً. يعني ذلك أن المكتبة تكون ” عيادات نفسية ذاتية الصنع ” وتستقبل من قبل من يقبِل عليها، طالما أنه يجد فيها ما يرفع من معنوياته، ويعيش وحدة كونية، تبعاً لإرادة المعرفة لديه .

 

فواصل

ثمة الكثير مما قيل في المكتبة، في تنوع أماكنها، أدوارها، وجوه الداخلين إليها والخارجين منها، وحتى الخريجين والمجازين فيها أيضاً. وكل ما قيل ويقال، يترتب عليه قول أكثر من ذلك، لأن المكتبة الفعلية، مكتبة تضم تنوعاً في الكتب أجناساً وأنواعاً، وإشعاراً بأنها تقوم على ركيزة أساسية وهي التنوير المعرفي، وهي في كيفية الإعلاء مما هو إنساني، وكأن نداء مستقبلياً يشدها إليه باضطراد.

بتعبير باحثة في مقام الرفيع والضليع في هندسة الأرواح الظمآنة إلى الإنساني :

(المكتبة هي في المقام الأول مسرح لمكان لا يمكن اختزاله في أشكاله المادية، والخشب، والأرفف…

فالمكتبة إذن هي علاقة بين الفرد ونفسه؛ انعكاسًا لصاحبها، يمكن أن يمثل نوعًا من القناع أو الوجه الثاني. سيكون من المثير للاهتمام أن نفهمها كمساحة عرض معينة. إن فهم حقيقة وجود كائن في حالة منكسرة أو منعكسة أو منعكسة، أليس هذا فصلًا من فصول الانكسار؟

المكتبة دستور المجال المشترك بين الكائنات الخيالية والكائنات الحقيقية. ألغيت الحدود وحدود الأحلام والواقع.

داخل مكتبة الدكتور بوتاني : الدكتور محمد صالح زيباري وبعدها الكاتبان : أنور طاهر ونوزاد..في الواجهة

 

المكتبة عالم غريب حيث يبدو أن كل عمل يفشل، وحيث تبدو أي فكرة عن الفائدة مستبعدة إلى الأبد. داخل العالم نفسه، يمكن للأعمال أن تمثل البعيد، المخفي، الغائب.

تتيح المكتبة إمكانية إقامة حوار وانتقال عبر القرون.

مع كل من الدكتورين : سالم جاسم وكوثر جبارة

 

المكتبة مكان التواصل اللغوي بين الأجيال، وهي نوع من السمة التأسيسية لخيط أريان… أليست المكتبة بالتالي مكانًا فريدًا مفتوحًا للرياح الأربع؟

من اليمين السادة: د. هوكر،…، د. زيباري، أستاذ معن، أنا، أستاذ نوزاد..

 

المكتبة كصورة مصغرة للعالم، وهي اختصار للكون

الكتاب هو نوع من المرآة. إنه عنصر من عناصر العالم حيث يتكثف العالم نفسه.) .

ما جرى اقتباسه هنا يحيل قارئه على المتردد على المكتبة، العالِم بمحتواه الرشيد والمتخم بالمعاني الدالة، حيث لا أعظم وأفخم وأجلّ من العقل ففيه ومنه يكون الاختلاف، يكون التلاقي ، وعليه الرهان، والمكتبة مأثرة العقل في مفهومه الجمعي. ومن خلال المسطور في الكتب وما يعمّق أثره، عبْر الترجمة، تتلاقى العصور، وتتحاور الألسنة في اختلاف مراتبها ومغازيها وثقافاتها، كما لو روح الإنسان القارىء بحق، الباحث عن المعرفة بجدارة، الساعي إلى الثراء الوجداني بعمق، كلما استقرت في المكتبة وعاشت رحلاتها التنويرية فيها، زاد عطشها وجوعها، وشغفها بمأدبتها العامرة بأطايب الطعام المغذي للروح تلك. والذين يلتقون معاً فيها، هم الذين شكلوا في تاريخهم الطويل ويدشنون كل ما له صله بذلك العقد المجتمعي والكوني .

لا تقتصر مهمة المكتبة، إن جز التعبير على مجرد جمع الكتب، إنما على نوعيتها، وهي ذات علاقة حية، بجامعها أو مقتنيها، وموقعه الثقافي والبحثي والفكري، وفي الوقت نفسه، فإن المكتبة عصارة الفكر الإنساني، وخلاصة تجاربه في مجالات مختلفة. وبذلك فإنها تتطلب ممن يرتادها الارتقاء إلى مستواها، ولن يكون هناك تفعيل أثر إلا من خلال سوية ثقافية وحمولة معرفية فاعلة بالمقابل. وهذه المهمة مضاعفة في عالم اليوم، حيث نشهد من ناحية انحسار الكتاب الورقي، وطغيان الالكتروني، عدا تبعات العزوف عن القراءة في مشهد يزداد اختزالاً في قواه الحية وعلى أعلى المستويات .

يتأكد هذا المقام الجلل للمكتبة، ومن باب الزيادة، حين نقرأ بعضاً مما يقرّبنا من حقيقتها:

( لعبت المكتبات دورًا أساسيًا في نشر المعرفة لعدة قرون. ومع ذلك، فقد وفرت لفترة طويلة إمكانية الوصول إلى المعرفة المخصصة للنخبة الاجتماعية أو الدينية.)

(بالنسبة للقارئ المعاصر، فإن هذه الرحلات النصية الفائقة المذهلة توقظ أصداء مألوفة. هذه الممارسات الموهوبة تلهم تفكيرين. الأول هو أن المكتبة، على الرغم من كونها مساحة مادية، ومجموعة من الأشياء والكتب، فهي أيضًا مساحة اجتماعية ومشتركة ورمزية.

إن المكتبة، مكان الذاكرة والمعرفة، هي ما يخلق الجسد، وما يخلق الروابط في دوائر العلماء والخبراء، وكذلك، بشكل أكثر انتشارًا، في آفاق اللغة والفكر والخيال في أي مجتمع بشري.).

ذلك يصلنا بوصفها ملهمة العقول النشطة، والإرادة الطامحة إلى تحقيق تلك المكاسب التي تتلون بما هو إنساني. ولهذا فإن قول أحدهم عن أن الجنة عبرة عن مكتبة، ليست أكثر من ترجمة مغرية ومهذبة معاً لحقيقة المكتبة لأنها عرابة الخلود أو الأبدية.

ولهذا فإننا ما أن نسمي المكتبة حتى نفكر بالقراء، بالمكان، بجانب التحدي والاستجابة، دون ذلك تكون المكتبة معدَمة.

أليس الوارد في هذا الاقتباس يعزز هذا الاعتبار:

(لأن مكتبة بدون قراء، سواء كانوا ماديين أو افتراضيين، ليست أكثر قيمة من سيارة بدون عجلات… إن القراء، كما يسميهم المستخدمون كما يسميهم أمناء المكتبات، هم الذين يحرصون على عدم جعلهم عملاء أو مشتركين، وهم ألفا وأوميغا المكتبات. يكتبون، ويقرؤون، ويحلمون، ويحبون المكتبة.

اليوم، في الوقت الذي يبدو فيه أن الدورة المعرفية تقترب من نهايتها، والتي أخذتنا من المعرفة إلى المعرفة، ومن المعرفة إلى المعلومات، ومن المعلومات إلى الاتصال، ومن التواصل إلى النرجسية المجتمعية والقبلية، تذكرنا المكتبات من نحن وفوق كل شيء من يمكننا أن نكون، إذا بذلنا الجهد في ذلك. سيكون هناك دائمًا رجال ونساء يتحملون المتاعب.)!؟!

بالتالي يكون مرتاد المكتبة، الشغوف بها مناضل معرفة، عاشقها الملازم، لأنه يعيش ديمومة حيويات حمَاها. والقراء هنا ليسوا هم الذين يجيدون القراءة إنما الذهاب بالكلمة إلى الخفي فيها، دون ذلك كذلك، سوف يكون هناك تصحر روحي:

ولهذا فإن ( إن خطر تشتت المعرفة وتيه أناس الكتب يهدد كل عصر، لكن الناس ذوي الإرادة الطيبة والمعماريين والقراء بنوا ويبنون وسيبنون مكتبات لجمع المعرفة المتفرقة.

وهناك أناس آخرون موجودون بالفعل أمام أبواب المعرفة… في الواقع، كما يقول ألبرتو مانغويل، يجب أن تنتهي القصة بالبحث. ما الذي أبحث عنه إذن في نهاية قصة مكتبتي اللامتناهية: عزاء، محادثة، حياة حلمت بها، حلم نعيشه؟) بتعبير أحدهم

أو ما يأتي في مكان آخر تعبيراً عن وشائج القربى الروحية هذه:

(مثل المعبد، لا توجد المكتبة إلا من خلال قراءها المتدربين، وضجيجهم، وصمتهم، وكلماتهم المغمغمة للاعتراف، وطقوس الميلاد من جديد، وإلا فإن كلاهما محكوم عليهما بأن لا يكونا أكثر من مجرد أماكن جامدة.

 

تسمح المكتبة بتأسيس فن المحادثة اللانهائية، عندما يولد كل كتاب إمكانية جديدة للوجود وحيث تأخذ كل كلمة شكل الإنسان الأول، المصباح السحري

إن اللقاء بين القارئ والمكتبة هو قصة حب، قصة معقدة بسبب علاقات القوة والمصالح والعواطف).

وما كان لهذا القول أن يتشعب إلا للتأكيد على استثنائية هذه المكتبة، مكتبة ” بوتاني ” والجهود الجبارة المادية منها والمعنوية التي بُذِلت من أجلها ، كما تابعت ذلك عن قرب، كوني قريباً من الدكتور ومن المكتبة أيضاً، جهة محل الإقامة، وجهي جهود جماعية شملت لأفراد عائلته كافة، لتكون المكتبة ناطقة بحيويتهم وحبهم المشترك للكتاب وحصاد الكتاب النوراني.

 

شملت لافتة بديكورها، بموقعها” قريباً من السوق ” ويمكن لأي كان أن يهتدي إليها بمساحتها الواسعة. وقد كان الافتتاح رفتاً جهة المدعوين وهم من زملاء الدكتور ومن الباحثين والكتاب والأكاديميين أو المعنيين بالكتاب بالذات، حيث شملت الدعوات مختلف المكونات الاجتماعية وما لذلك من شهادة دامغة على نشدان المكتبة أو المتوخى المعرفي وليس التجاري منها. مكتبة مستطيلة تضم كتباً بلغات ختلفة، تأتي الكردية في الوجهة، فالعربية والانكليزية، إلى جانب أعمال يدوية، ومن ثم صوراً ووثائق معلقة لها تواريخها العائدة إلى ما هو كردي، وثمة ملحق بالمكتبة يشكل مكتبة الدكتور الخاصة، حيث تكون صور خاصة به تمثل مراحيل حياتية له، وتذكارات، إلى جانب طاولة عريضة وحولها كراس لإلقاء محاضرات ثقافية وفكرية بحتة،  أي في نطاق منتدى فكري، أعد له الدكتور ما يجعله اسماً على مسمى، وإشعاراً بأنه يعيش حياة أخرى لها المطلوبة، وخميرة الحياة الفعلية في العطاء وإثراء المجتمع، مما يشِعر به كل من له صلة بالثقافة ومكانتها، بمضاعفة الجهد لتفعيل أثر مكتبة نوعية كهذه .

إنه واجب المكان، كما يقال، وذاكرة المكان التي أرِخ لها بشكل مختلفة مغاير لكل ذاكرة سابقة، في التنويه إلى المكتبة بكتبها الورقية والرقمية وكل ما يخدم الثقافية المنيرة، وتصوير الكتب بشكل مدروس، إلى جانب استقبال الباحثين عما يشغلهم فكرياً جهة طلاب الجامعة وغيرهم في قراءة ما يهم داخل المكتبة، ومضي الوقت المطلوب مع كأس من الشاي أو فنجان من القهوة، وفي مكان مريح.

ذلك ما وجدتني متحمساً له، لأنني أعتبر نفسي منتمياً إلى الكتاب مأثرة الكتاب، وأمومة المكتبة وقدرتها إلى إثراء الروح. وما في ذلك من تحد لأهل المكان، أو ما يشكل محكاً لطبيعة ثقافتهم وطموحاتهم، وككرد، في الدرجة الأولى، فلا تعود المكتبة مجرد مكان، وإنما ذاكرة مستجدة تختبر تاريخاً بكامله.

وبناء عليه، يستحق الدكتور بوتاني مع عائلته ” أم بردل ” وأفراد عائلتهما مجدداً كامل الشكر، على تفان ٍ كهذا، وعلى كرم ضيافة لا يستهان به في سمو معناه ومبتغاه، ولا بد أن التاريخ الحي سيسجل كل ذلك في لوحه المحفوظ بامتياز.

 

أخيراً وليس آخر، كما يقال، لمن يريد التزود بما قيل عن المكتبة، أورد هذه الاقتباسات التي ترجمتها عن الفرنسية:

“المكتبة هي مستشفى للعقل.”

مجهول من مجهول

“المكتبة: مجلدات كثيرة جدًا وكتب غير كافية.”

أدريان ديكورسيل

“البروتستانتية تشبه المكتبة، والكاثوليكية تشبه السينما.”

ريجيس دوبريه

“ذكريات الإنسان تشكل مكتبته الخاصة.”

ألدوس هكسلي

“إذا كان لديك مكتبة وحديقة، فلديك كل ما تحتاجه.”

شيشرون

“المكتبة هي مفترق طرق أحلام البشرية جمعاء.”

جوليان جرين

“الجنة، بلا شك، ليست سوى مكتبة هائلة.”

غاستون باشلار

“المكتبة هي ملاذ للفكر النقي.”

بول أوستر

“المكتبة هي واحدة من أجمل المناظر الطبيعية في العالم.”

جاك ستيرنبرغ

“لا يوجد مكان يقدم دليلا أكثر وضوحا على غرور الآمال البشرية من المكتبة العامة.”

صموئيل جونسون

“المكتبة هي غرفة ضيوف.”

الطاهر بن جلون

“العواطف مثل المكتبات، حيث يقيم السوقة دون أن يعرفوا ما تحتويه من كنوز.”

مارسيل بروست

“المثقف هو من يدخل المكتبات العامة حتى في حالة عدم هطول المطر.”

أندريه روسين

“لو كان الإله موجوداً لكان مكتبة.”

أمبرتو إيكو

“أكثر الرجال إنسانية لا يصنعون الثورات، بل يصنعون المكتبات أو المقابر.”

أندريه مالرو

“مثل المتاحف، المكتبات هي ملجأ ضد الشيخوخة والمرض والموت.”

جان جرينير

“في أفريقيا، الشيخ الذي يموت هو بمثابة مكتبة تحترق.”

أمادو هامباتي بادي

“إن العقل بالنسبة للقلب في كثير من الأحيان هو ما تمثله مكتبة القلعة بالنسبة لشخص سيدها.”

شامفورت

“المكتبات، مقابر الروح الإنسانية، حيث ينام الكثير من الموتى الذين لن نتذكرهم بعد الآن.”

لويس دي بونالد

«قد نقوم بالحوسبة والتوحيد القياسي؛ وستحتفظ كل مكتبة برائحتها الخاصة، واستراتيجيتها، ومفاتيحها، وأسرارها.

نيكولا بوفييه ب

“لو فقدت مكتبتي، سأظل أملك المترو والحافلة. تذكرة في الصباح، وتذكرة في المساء، وأقرأ الوجوه.

مارسيل جوهاندو

“وقت القراءة هو دائمًا وقت مسروق. وربما لهذا السبب أصبح المترو أكبر مكتبة في العالم.

دانيال بيناك

“تذكر هذا: الكتاب = المعرفة = القوة = الطاقة = المادة = الكتلة. وبالتالي فإن المكتبة الجيدة هي مجرد ثقب أسود مزروع.

تيري براتشيت

“لا تعير كتبك: لن يعيدها أحد أبدًا. “الكتب الوحيدة التي أملكها في مكتبتي هي الكتب التي أعيرتها لي.”

أناتول فرانس

“هناك حاليًا العديد من الكتب المنشورة عن الحياة الجنسية، لدرجة أنه لم يعد يُطلب من الناس حتى التزام الصمت في المكتبات، ولكن فقط التزام الهدوء”.

باولو فينسينتي

“إن طلب مكتبة هو وسيلة صامتة لممارسة فن النقد.”

خورخي لويس بورخيس

“نعم، يلعب الحظ دورًا في التجارب، ولكنه لا يأتي إلا في حوالي الساعة الثالثة صباحًا….ستراني أبحث عنه في المكتبة في الساعة الثالثة صباحًا.”

لويس نيزر

“طالما أستطيع السفر حول مكتبتي، فلن أشعر باليأس أبدًا.”

ميشيل ديل كاستيلو

“إن الوظيفة الأساسية للمكتبة هي تشجيع اكتشاف الكتب التي لم يشك القارئ في وجودها والتي تثبت أنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة له.”

أمبرتو إيكو

“لا شيء يضاهي قضاء وقت ممتع مع نفسك، وتصفح رفوف مكتبتك الداخلية.”

سيلفان تيسونبقلم سيلفان تيسون / أطروحة صغيرة عن ضخامة العالم

“المكتبات تخدم هذا الغرض فقط: توفير الفرص للتأمل والتفكير والتأمل في حياة الفرد ووجوده.”

ميشيل أونفراي

“أغلقوا مكتباتكم إذا كنتم ترغبون في ذلك، لكنكم لن تتمكنوا من وضع باب أو قفل أو قفل على حرية الضمير.”

فرجينيا وولف

“خلال تجوالي في الخضرة الأبدية، كان لدي انطباع بأنني أقرأ الكون وكانت الغابة بالنسبة لي أجمل مكتبة.”

غونزاغ سانت بريس

 

فكرة المكتبة مبنية على سوء فهم، وهو أننا نذهب إلى المكتبة للبحث عن كتاب نعرف عنوانه. صحيح أن هذا يحدث كثيرًا، لكن الوظيفة الأساسية لمكتبتي ومكتبة أصدقائي الذين أزورهم، هي اكتشاف الكتب التي لم نكن نشك في وجودها والتي نكتشف أنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لنا .

أمبرتو إيكو

عندما كنت طفلاً، تمنيت أن أصبح كتابًا عندما أكبر. ليس كاتبًا، بل كتابًا: الرجال يُقتلون مثل النمل، والكتاب أيضًا. لكن الكتاب، حتى لو تم تدميره بطريقة منهجية، ستبقى هناك دائمًا نسخة في مكان ما سيتم إحياؤها على أحد الأرفف، في أسفل أحد الأرفف في بعض المكتبات المفقودة، في ريكيافيك، أو بلد الوليد، أو فانكوفر.

عاموس أوز

المكتبة هي الطريق إلى المستقبل – ابحث عن مكتبتك.

ماري هيجينز كلارك

ذكريات الإنسان تشكل مكتبته الخاصة.

ألدوس هكسلي

العقل البشري غير قادر على فهم الكون. نحن مثل طفل صغير يدخل مكتبة ضخمة. الجدران مغطاة حتى السقف بكتب بلغات مختلفة. يعرف الطفل أن شخصًا ما قد كتب هذه الكتب. فهو لا يعرف من أو كيف. إنه لا يفهم اللغة التي كتبت بها. لكن الطفل يلاحظ خطة دقيقة في ترتيب الكتب. أمر غامض لا يفهمه، لكنه يشتبه فيه بشكل غامض فقط.

ألبرت أينشتاين

كم من الناس يخبرون أنفسهم أنهم سينتظرون حتى التقاعد لقراءة كومة الكتب المتأخرة التي تتراكم على جميع أرفف كتبنا؟ حتى أننا اخترعنا كلمة لها: المكتبة.

هنري لوفينبروك

عندما أدخل مكتبة، أكتفي بإلقاء نظرة بعيدة على كتبها التي لا تعد ولا تحصى؛ إنها الطريقة التي أعلم بها نفسي مدى جهلي.

ألبرت بري

بكل ما أعرفه، يمكننا أن نصنع كتابًا. مع كل ما لا أعرفه، يمكننا إنشاء مكتبة.

ساشا غيتري

القراءة تكتشف. الاكتشاف يعني المضي قدمًا. المضي قدما هو النجاح. لذا، انتقل من جملة إلى جملة، ومن صفحة إلى أخرى، ومن فصل إلى فصل. نهاية عمل واحد تعلن بداية آخر. هذا سوف يبني شخصيتك ومكتبتك.

خالد لمنور

المكتبة شركة أكثر من كونها وسيلة للقراءة. علاجا وعزاء. عندما نميل إلى احتقار إخواننا من البشر أكثر من اللازم، يكفي أن نتصالح معهم، وأن نتأمل مكتبة كهذه، غنية بالآثار التي أقيمت لعظمة الإنسان.

أرتورو بيريز-ريفرتي

أوروبا باقة من الثقافات ومكتبة كبيرة من المعرفة، وهي مرتع للشباب.

ميشيل ها باتين

المكتبة هي واحدة من أجمل المناظر الطبيعية في العالم.

جاك ستيرنبرغ

كان صمت المكتبة. الجلوس في صمت الكتب هذا، دون فعل أو قول أي شيء، أعطى بالفعل انطباعًا بأنك قرأت.

جان ماري جوريو…إلخ

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…