«عشر سنوات من القراءة»

بسام مرعي

قبل عشر سنوات من الآن انطلق نادي المدى للقراءة – أربيل بروحِ مفعمةٍ بحب المعرفة وشغف القراءة ليكون منصةً تجمع حولها عشاق الكلمة المكتوبة و الروح المحلقة في سماء القراءة ، ومكانًا يفتح أبوابه لكل من يسعى للحوار والمعرفة .

لان هذا النادي تجاوز اختصار فكرة كاتب يجلس خلف طاولته وناقد يشرح ويفسر والحضور يصفق، لأننا ننظر إلى القارئ  كشريك للكاتب لأنه يقرأ و يناقش ويترك إشاراته الخاصة على الكتب، وفي هذا تطويرٌ لمهاراته المعرفية التراكمية التي تتشكل وتتمظهر دون أن يلاحظ تلك الفروق ولو كانت بطيئة.

مما لا شك فيهِ إنَّ فكرة النادي أضافت إلى حياتنا لمسةً من الجمال، وغذت سلوكنا اليومي بعادة حميدة تحولت إلى أسلوب وحياة مليئة بالتفاصيل الثرية تحملها إلينا القراءات المتعددة والمناقشات التي ربما لاتصب في منحى واحد ولكنها توسع مدارك فهم الكتاب وتأويلاته الممكنة.

على مدى عقدٍ من الزمن جمعتنا الكتب بأطيافها  قرأنا، ناقشنا، وتبادلنا الأفكار، فتحول النادي لأكثر من مجرد تجمع ثقافي ليصبح بيتًا ثانياً لنا ولمحبي القراءة وعنواناُ ووجهةً للكثير من المثقفين والقراء و مكانًا يجتمع فيه مبدعو الرواية والقصة والسير الذاتية والترجمة والفلسفة، وسائر صنوف الأدب العربي و الكردي إضافةً إلى المهرجانات والٱمسيات التي تدعم الاهتمامات وتعزز الإنجازات وكذلك النشاطات التي تنظمها إدارة النادي لمساهمة كل أعضاء ورواد النادي لمناقشة الكتب التي  جذبتهم، وفي ذلك ترجمة حقيقية لمنطق النادي وهدفه في جذب الشباب للكتاب، وكذلك قدرته على الحوار والجرأة وكسر حاجز الصمت والخجل من التعبير عن الأفكار التي تتزاحم في مخيلتهم، ولكنهم لايمتلكون تلك الروح الوثابة للتعبير .

في هذه الذكرى العاشرة أقول إن النادي أصبح جسراً ثقافياً يحترم التنوع والاختلاف وتعزيز المعرفة، كما أنه أتاح الفرص الجميلة لالتقاء اسماءٍ لها باع كبير في الكتابة الابداعية  ومناقشة تجاربهم الكتابية الإبداعية وتنظيم لقاءاتهم مع القراء لتكون إضافة غنية للنادي و تجربته .

يجدر بنا ان نذكر إننا وخلال هذه السنوات، ناقشنا أكثر من 130 كتاباً إلى جانب أمسياتٍ أدبيةٍ وشعرية أثرتْ المشهد الثقافي والاجتماعي.

نحتفل اليوم بهذه الذكرى المميزة، ليس فقط باعتبارها محطة زمنية جديرة بالاحتفاء، ولا للفتِ الانتباه إلى الرقم الذي بلغناه بالنسبة للكتب التي تمت مناقشتها ، بل لأنها توضح مدى قدرة الكتاب على توحيد الأرواح وفتح الآفاق وإضافة عمق ومحتوى فهمي جديد ومغاير، لان القراءة تصنع إنساناً جديداً. كما لو أننا نكتشف عالماً جديداً داخل أنفسنا، ونتعلم كيف ننظر إلى الحياة بعيون أوسع وأفق أرحب..

لقد حقق النادي بعض مانصبو إليه في تعزيز ثقافة القراءة بين فئات  الشباب والكبار على حد سواء، وترك بصمة، مؤثرة وواضحة من خلال أعضائه النشطين ودعمه المستمر للمعرفة.

ولا يمكن أن تمر هذه المناسبة دون أن نتوجه بالشكر لكل عضو ساهم في تحقيق هذا النجاح، ولكل قارئ شاركنا أفكاره، ولكل كاتب ألهمنا بكلماته، ولا شك أن لمؤسسة المدى دورها المحوري في دعم هذا المشروع واستمراره، إلى جانب الجهود الذاتية والطوعية العظيمة التي بذلها أعضاء النادي وإدارته على مر السنين، لتكون شاهداً حياً على أهمية العمل الجماعي و فعاليته في تحقيق النجاح. ولا ننسى  فالتعاون مع معهد غوته الألماني في العراق وتنظيم الأنشطة المشتركة ومساهماتهم معنا ، كان له دور كبير في تعزيز فعالية النادي وتنظيمه، و ما حققناه معاً هو ثمرة جهود جماعية وإيمان راسخ بأن الثقافة والقراءة هما أساس بناء مجتمع أكثر وعياً وتنويراً.

فلنجعل هذه الذكرى حافزاً لمواصلة العطاء، والنظر إلى المستقبل برؤية طموحة، يتصدر فيها الكتاب مركز اهتمامنا، ونأي الكتاب والمطالعة عن اعتبارها هوايةً لملئ الفراغ، بل ضرورة واسلوب حياة ، والاستمرار لتحقيق رسالتنا الثقافية بخلق الأجنحة  للكتب، الأجنحة التي تنبت حقيقةً بفعل القارئ المُدرك لما يقرأ،

كل عام ونادي المدى للقراءة منارةً للمعرفة والإبداع والحوار الجاد.

 

هولير 27/11/2024

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

كانت الساعة تجرّ أنفاسها الأخيرة قبل أن ينهار الليل على رؤوس النائمين. برد كانون الثاني ينهش الجدران ويصفع النوافذ بظهر الريح، حين اخترق السكون صوت خافت مشروخ:

– يا بني، الأمن بانتظارك.

صوته لم يكن صوت والد… كان أشبه بنعي عاجل، بجنازةٍ تمشي على قدمين.

خرج مسرعًا من غرفته، نصف عارٍ، يرتجف لا من البرد فقط، بل…

ابراهيم البليهي

 

ينبه المبدع ستيفان زيفايج بأن الشخص قد يكون مبدعًا عظيما في مجال الفن الروائي لكن: ((لا يمكن وصفه بالشاعرية فلفظة الشاعر المجَنَّحة تعني الامتياز والتفرد والسمو بكل ما هو إنسانيٌّ كما يعني ذلك الوَحْد الذي يمتلك الشاعر في نشوةٍ رؤيويةٍ فيجعله يعبر بكلمات سحرية خارقة عن الحقائق اللامرئية كما يعني ذلك الموهبة الفياضة بالحدس التي…

تنكزار ماريني

 

يعتبر والتر بنيامين (1892-1940) أحد أبرز المفكرين في مجال الأدب ونقد الثقافة والنظرية الجمالية خلال القرن العشرين. تتسم أعماله بتحليلات عميقة تربط بين الفن والأدب وسياقاتهما الثقافية والاجتماعية، مما يعكس فهمًا متقدمًا للعلاقات المعقدة بين الجمالية والتاريخ. في هذا السياق، تأتي كتاباته كمصدر إلهام مستمر يفتح آفاقًا جديدة للنقاش والفهم النقدي.

التأثيرات التقنية على الفن

في…

محمد إدريس

 

الثقافة ليست ترفًا ذهنيًا ولا زينة للخطابات الرسمية، بل هي جوهر الوعي الإنساني وروحه العميقة. إنها ليست مجرد تراكم للمعلومات أو حفظٍ للتقاليد، بل هي ذلك النَسغ الذي يتخلل نظرة الإنسان لنفسه وللعالم من حوله.
هي منظومة القيم، والمعارف، والفنون، والعادات، والسلوكيات، وكل ما يصوغ هوية الفرد والمجتمع على حد سواء. والثقافة بهذا المعنى…