من ديواني الذي لا أعلم بأمره شيئاً بعد

إبراهيم محمود
قلتُ: السماء
قالت: الأرض
تلك هي المسافة التي تفصل
بين صوتي وصوتي
بين لغتي ولساني
بين دمي ومائي
بين خريطتي وحدودي
بين رجلي وخطاي
بين اسمي ووجهي
بين برودة الأرض التي أنا عليها
وبرادة السماء التي أسبّح باسمها فرْضاً
بين بيني والمسافة فاتحة شدقيها
بيني وبينها والمسافة مطبَقة علينا
***
قلت: أرأيت ِ؟
قالت: لا عين لي
قلت : أسمعت؟
قالت: لا أذن لي
قلت: أشممت ؟
قالت : لا أنف لي
قلت: أتنبهت ؟
قالت: لا حس لي
قلت: وها أنت أنت فأين أنت؟
قالت: وهأنذا ولست أنذا كما أنت لست أنت
وشعرتَني محمولاً بعظامي خلواً من النسيج
***
قلت: هبيني صورتك
قالت: لا وجه لي
قلت: هبيني اسمك
قالت: لا توقيع لي
قلت: هبيني لمسة منك
قالت: لا جلد لي
قلت: هبيني قلبك
قالت: لا ممر آمناً لي
قلت: هبيني بحَّتك
قالت: لا حنجرة لي
قلت: هبيني صرختك
قالت: لا ظل لي
قلت: هبيني يدك
قالت: لا أصابع لي
وزحفتُ على بطني أمتحن الأرض في غرائبها
***
قلت: هذا كتابي
قالت: أين اسمك؟
قلت: هذي سمائي
قالت: أين أفقك؟
قلت: هذا فُلْكي
قالت: أين بحرك؟
قلت: هذي نجمتي
قالت: أين بُرجك؟
قلت: هذا نبعي
قالت: أين نهرك؟
قلت: هذي موسيقاي
قالت: أين آلتك؟
قلت: هذا مسقط رأسي
قالت: أين برهانك ؟
قلت: هذي أبوَّتي
قالت: أين نسْلُك ؟
قلت: هذا صحيفتي
قالت: أين لغتك ؟
قلت: هذي رفيقة دربي
قالت: أين نسَبُك ؟
قلت: هذا صباحي
قالت: أين شمسك ؟
وصرخت ولم أسمع صوتي
***
قلت: شغفي النقيض
قالت: حين يكون لك آخرُك
قلت: الحلْم متنفسي
قالت: حين  يكون لك نومك
قلت: التأمل إشراقتي
قالت: حين يكون لك جسدك؟
قلت: الريح مركبي
قالت: حين تكون لك جهاتك
قلت: النار ملهمتي
قالت: حين يكون موقدك
قلت: البيت مأمني
قالت: حين تكون لك أرضك
قلت: الشجر رهاني
قالت: حين تكون لك غابتك
قلت: القلم متنفسي
قالت: حين يكون لك حبرك
قلت: الزرع سَعْدي
قالت: حين تكون لك تربتك
قلت: الشرفة إطلالتي
قالت: حين تكون لك حريتك
وانسحبت إلى ذاتي فوجدتها عراء
***
قلت: الماء
قالت: داءٌ
قلت: الهواء
قالت: خنقٌ
قلت: الأفق
قالت: شبهةٌ
قلت : الكتاب
قالت: هاوية
قلت: الطريق
قالت: صفيقٌ
قلت: اليقين
قالت: شرَكٌ
قلت: اللغة
قالت: لغوٌ
قلت: الليل
قالت: بدعةٌ
قلت: الرجاء
قالت: هراءٌ
قلت: التوادد
قالت: لغمٌ
قلت: الحقيقة
قالت: منزلَقٌ
قلت: الغضب
قالت: مهْربٌ
قلت: التسامح
قالت: مخاتلة
قلت: المجتمع
قالت: معتركٌ
قلت: الجنس
قالت: ضلالٌ
قلت: الخليقة
قالت: متاهة
ورأيتني مواجهَاً بعضي ببعضي
***
قلت: يقصف عمرك
قالت: وأين هي حياتي؟
قلت: سحقاً لك
قالت: وأين هو جسمي ؟
قلت: تعساً لك
قالت: وأين هي إقامتي؟
قلت: قبَّحك الله
قالت: وأين هو وجهي؟
قلت: عليك اللعنة
قالت: وأين هو إلهي؟
قلت: لا بورك فيك
قالت: وأين هي غلَّتي ؟
قلت: انقلعي من هنا
قالت: وأين هو مكاني؟
وخرجت لأراني دون مسحة من ظل
***
قلت: لكم أحن إليك
قالت: الطريق غير آمن بيننا
قلت: ليتني استحممت بك
قالت: الكربون استغرق الجسد
قلت: أنا وجهك المنتظَر
قالت: وهل لك وجه لأراك؟
قلت: أنا صوتك الواعد
قالت: وهل لك حنجرة  لأفهمك ؟
قلت: أنا منذور لك
قالت: وأي رصيد حياتي لك ؟
قلت: لو تمهليني وقتاً
قالت: وأي ساعة تتقبلك ؟
قلت: أنا حلمك المعتبَر
قالت: ومن يحررني من كوابيسي؟
قلت: لنختر لنا طريقاً خاصاً بنا
قالت: وأي جهة تعدُك بسلْمها الأهلي
قلت: قدرنا أن نلتقي
قالت: وكيف نضمن ثقتنا به؟
وهمتُ على وجهي غير عالِم بوجهتي !
م: مجتزأ من ديواني الذي كتِب قبل و…ي، ونُشِر بعد ر…ي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري

 

في هذا الزمن الذي يفتقد فيه الناس إلى منابر حقيقية للفكر المستقل، نجد أن المجتمعات التي تتجاهل مثقّفيها تسقط تدريجيًا في شَبر التفاهة الفكرية والانقياد غير الواعي. فحين يغيب صوت النقد، تتحوّل الأصوات إلى تراتيل ترديد آليّة مُسلَّمة، تُروّج بها السلطة والسوق، كذلك يُسيّس القول العام ليصبح جلادًا لمضامين العمق. المثقف، بطبيعته، لا يُسلَّم…

ابراهيم البليهي

 

بعض الأفراد الموهوبين يحققون اختراقا في أي مجال يهوونه ويركزون عليه ويستغرق فيه اهتمامهم فالعبقرية هي اهتمامٌ تلقائي قوي مستغرق ……
إن الأمريكي صمويل مورس قد ترك وطنه أمريكا فسافر إلى أوروبا واكتسب قدرةً فائقةً في الرسم (الفن التشكيلي) واشتهر بدقته الفائقة في رسم الوجوه (بورتريه) فاكتسب في أوروبا شهرةً واسعة لكنه سينجز فيما بعد…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

إنَّ الهُوِيَّةَ في العملِ الأدبيِّ تَتَشَكَّل مِنَ الأحلامِ الفَردية ، والطُّمُوحاتِ الجَماعية ، والتَّجَارِبِ الشَّخصية ، والإفرازاتِ الثقافيةِ ، والعواملِ النَّفْسِيَّة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى وَضْعِ العَملِ الأدبيِّ في أقْصَى مَدَاه ، وإعادةِ إنتاجِ السُّلطة المَعرفية مِنْ مَنظورٍ اجتماعيٍّ قادر على اكتشافِ دَوافع الشَّخصيات ، ودَلالةِ الألفاظ ،…

ماهين شيخاني

“وزارة شؤون اللافتات”

في أحد الأقاليم، تم تأسيس وزارة اسمها: وزارة شؤون اللافتات والشعارات الوطنية.

مهمتها الوحيدة: تغيير شعارات الأحزاب كل 6 أشهر، وإطلاق مصطلحات جديدة مثل: “الخط الثالث المعدّل”، أو “النهج المتجدد الثابت”.

كانت لافتاتهم تسبق أفعالهم، وحين يُسأل الوزير عن خطط الوزارة يقول:

– نحن نؤمن بأن الشعارات تُغيّر الواقع، أما الواقع؟ فمسألة ثانوية!