إلى حضن الوطن

مجو ويس
لكَثرةِ ما سمعْتُ بزوال كابوس البطش في بلدي، انتابتني لوهلةٍ رغبةٌ جارفة بأن أُقنِع نفسي بالعودة إلى حضن الوطن؛ فحجزْتُ تذكرةً، وعدت على متن الطائرة إلى حيث أنتمي.
في الحيّ الذي قطنْتُه يوماً ما، مشيْتُ على قدميَّ مقترباً من منزلي.
قبل الوصول إلى مدخل البناء بخطواتٍ، تذكّرْتُ أنني سأشعر بالجوع ليلاً، وبيتنا خالٍ من قاطنيه منذ سنين، فتابعت باتجاه دُكَّان جارنا.
بعد بضع خطواتٍ، تذكّرْتُ أن صاحب الدُّكَّان كان قد غادرَ الوطنَ مثلي، مهاجراً إلى الدانمارك!
ولأن الظلام بدأ يُخيِّم، وازداد عدد حاملي السلاح على حساب المارَّة المدنيين في ساحة الجامع الكبير؛ آثرْتُ أن أبقى آمناً على الشعور بالجوع، لذلك عدت أدراجي.
عبرتُ أحد المارِّين على الرصيف الذي لم يكن ضيّقاً، لكنه كان مشغولاً بثلَّةٍ من المُلتَحين، فأومأتُ للمارِّ بكلمة «شكراً» على إفساحهِ الدرب لي. لم أسمع ردَّهُ؛ فقد كان مُسرِعَ الخُطا مثلي.
على إثرِ سماع المُلتَحين لكلمة «شكراً»، رَغِبَ أحدهم أن يتباهى بسكِّينه أمام رفاقه مجرِّباً إياها:
  • هل أعجبتكم سكِّيني الجديدة؟
فأخذ يرميها عالياً ويعيد مسك رأسها بإبهامه وسبَّابته، ورحْتُ أندُبُ عفويتي وأنا على بعد خطواتٍ من البيت: «لِمَ لم أقل للمارّ ‘الله يعطيك العافية!’ أو على الأقل ‘يعطيك العافية عَمُّو!'”.
وباغتني الملثَّمُ برمية سكِّينٍ كادت تُغرَز في خاصرتي اليمنى، لولا أني تنحَّيتُ بجسدي جانباً، فأصاب رأسُها راحةَ يدي اليمنى. وتابعْتُ المشيَ كأني لم أرَ أو أسمعَ شيئاً أو أشعرَ بشيء.
ضاقَ الوقتُ أكثرَ ولم أستطع أن أبرِّر عفوية نطقي لكلمة «شكراً»، فجاءت رميةُ سكِّين ثانية من ملثَّمٍ آخرَ في صدري لتُخلِّصني من ندمي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…