في الانتظار…..

هيفي الملا

 

تكون الحياة أجمل عندما لاننتظر ولانتوقع شيء من أحد،  لأننا باختصار  نتوق لمواقف وردود أفعال تتوافق وتصوراتنا الذهنية وتنسجم  مع حالتنا الشعورية واللاشعورية، وفي هذا المسار يتم تناسي المنطق وتنويم العقل والتركيز على العاطفة التي تنساق لما تريد تلقيه ، راسمة سيناريوهات ذهنية ساذجة لا تتلاءم ربما  مع مشاعر ومنطق الطرف الآخر وتوقعاته بل قد تكون خارج حساباته ، فما أشبه هذا الانتظار بالجلوس على فوهة بركان مشتعل، يحرق ويأخذ من العمر و من عافية الجسد و سلامة الروح التي تتآكل بوعي أو دونه، بينما الوقت يتسرب بل ينسكب  مدرارا من مسامات العمر مصحوبا بالقلق والخوف وعدم الثقة وانعدام الشغف تارة وتأججه تارة في حيرة مغلفة باللامنطق ، والتأرجح بين الشك واليقين، و الأظافر تقضم بشفاه جافة و أسنان مصطكة في حالة نفسية متأهبة لأية رد فعل غير مسؤولة.

واسأل نفسي لماذا نراقب مالا يمكننا التحكم به أو التدخل في صياغته، لماذا ننتظر؟ مادام الانتظار  يأخذ من العمر أكثر مما يعطي، رغم أننا نملك طوق نجاة في نوبات  اللايقين ، وهو تغيير وجهة البوصلة لعقولنا لا عواطفنا وتصوراتنا الذهنية التي تفترض الأحسن لأنها تلاءم وتواءم مانتوق إليه لاشعوريا ، وهنا يكون الشرخ النفسي والمنطق الذي يشنق نفسه أمام تراجيديا الانتظار.

ا كلمة بسيطة ومتداولة، وموقف نعيشه كل يوم في حياتنا،و لايوجد شخص غير محكوم بالانتظار أو شخص لم يؤرقه الانتظار بشكل أو بأخر .

ومن وجهة نظري لا يختلف الانتظار في صالة عيادة طبية أو الانتظار في طابور طويل لاستلام ورقة رسمية عن الانتظار المصحوب بالخيبة، ونحن ننتظر الأفضل من غيرنا، باختصار لاننا نتمنى ذلك،ونترقب مايتناغم مع رغباتنا وتصوراتنا التي قد تنافي تصوراتهم.

ولكن الاختلاف في طريقة الانتظار و اختلافه من مقام لمقام، فشعور الذي ينتظر العطلة التي سيشاهد بها أهله، ليس كشعور من ينتظر مريضا قريبا منه في  غرفة العمليات، فهو إذن ليس رفاهية دوما. وربما في حالات كثيرة تتفوق لذة الانتظار  على لذة الحصول على الشيء المنتظر، والذي نتخيل أننا لن نصله أبدا، واذا ضلت قافلة المتوقع طريقها، أو خالفت ماتنتظره توقعاتنا، ربما ستكون لحظات الانتظار الموجعة حينئذ ، سلوى لايام أجمل و أكثر وعي وحكمة ومسؤولية على كافة الأصعد الحياتية.

فهل الانتظار فعل حياتي روتيني، أم موقف وفلسفة وطريقة تفكير. حين لايختلف الانتظار الفلسفي أو المتعلق بالسرديات الكبرى عن الانتظار الفردي المتعلق بأي شخص منا من أبسط المواقف الحياتية وحتى أكثرها  مصيرية وتعقيدا فيما يمس حالتنا النفسية وتداعيات الانتظار عليها،  لأننا عندما ننتظر نشعر بأن الزمن الذي نحن فيه غير مكثف و َكاف. فنتوق لما سيحصل و كل ميولنا و افكارنا وقدرتنا التركيزية معلقة عليه، وهنا تكمن المفارقة أننا نخسر اللحظة والمستقبل معا في الانتظار الذي يمضي فيه الزمن متثاقلا ساخرا بسذاجة الإنسان وانفعالاته التي تخرج عن سيطرته أحيانا.

وهنا تبرز فردانية كل شخص وثقافته الخاصة في تعامله مع الانتظار وتوقع الأفضل من الآخرين ، لأن المعرفة الفلسفية ذاتية لاتراكمية، ولكن  ماينبغي تعميمه هو السعي للتغيير في إطار فلسفة الانتظار لأن المستقبل الذي سيأتي سيكون نتاج هذا الحاضر.

والانتظار بلاشك لايعني أن يكون الإنسان هائما على نفسه معذبا إياها، ومدهوشا من الفراغ الذي يلفه و ينتظر ساكنا أو محترقا،  حتى لاتتأزم هذه المشكلة مع الزمن والوقت، فتصبح مشكلة وجودية، يفقد فيها الإنسان نفسه و قناعاته ويقينه في ظل هوس الاحتمالات الكثيرة التي ربما لن تحدث.

وهنا بالضبط أقصد الانتظار العبثي، الانتظار الذي نلبس فيه ساعة معطلة نخسر فيه استثمار الحاضر، ومن ثم الآتي، عندما لا تأتي الحوادث كما نشتهي، او تأتي متأخرة بعد انطفاء شغفنا بها. ومن منا ينكر إن فقدان الإحساس بالزمن يمثل أزمة هذا العالم المنوط بنا. حيث يتحول الزمن إلى لازمن، والشيء إلى لا شيء والمعنى إلى لامعنى .

وربما أجمل مافي الصدفة ، إنها تأتي نقية عفوية سليمة من لوثة الانتظار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

ولدت الفنانة الكردية السوفييتية سابقاً، في 1945 في قرية ألكز Elegez في أرمينيا. تنحدر من عائلة فنية وطنية غنت أغنيات فلوكلورية مع مجموعة واسعة من الفنانين كمريم خان، سوسيه سموم وآرام ديكران، ١٩٩٧/٢/٢٥ ظهرت بشكل مباشر للمرة الأولى في قناة مد تيفي في 25 شباط 1997 وهي مثقفة ومناضلة، كان اختصاصها في الدراسة…

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…