محمد سيد حسين، في قصائد من خارج قبره

إبراهيم محمود

 

من يعيش وهْج اللغة، وصفاء الكلمة ، وروحها العفوية، في الذي تركه ثقافة وأدباً، كاتبنا الكردي الراحل: الشاعر والناثر محمد سيد حسين، يدرك إلى أي درجة، تكون ” درجات ” هذا التعبير، عالية، وأي انفتاح، وقلب مطواع، وخيال معتبَر كان لديه، وهو ينبض بكرده في حلهم وترحالهم، في نومهم وصحوهم، في آلامهم وآمالهم، أن الأكثر من ” دزينتين ” من الكتب التي تركها شاهدة على أن الذي كان يقرأه في صمت، ويكتبه في صمت، وحتى ينشر بعضاً مما يكتب في صمت، يشكّل الجهة الدقيقة والصائبة لمعرفة تلك الكردية: روحاً كردستانية، وهوية كردستانية، وهما تشهدان على أنه عرِف الكثير من الأوجاع الخاصة ببني جلدته، ومضى إلى قبره ومعه الكثير الكثير من الحسرات، من نزْف الروح، وملء روحه تطلعٌ إلى ما هو حق لكل إنسان، أن يكون الكردي معرَّفاً باسمه وهويته، وليس بغيره. لكن حلوله في قبره، كأي كان، مسألة حسابية، فما هو هندسي، هو المحك، حيث يُقرَأ بكتاباته، ومن قبل من يمتلك قابلية النظر في الجهة الصحيحة من الحقيقة، وذلك الرأسمال الوجداني والشعري بطابعه الكردي، وهو لن يجد بداً من الاعتراف على أن محمد سيد حسين حي أكثر بكثير من الذين يتباهون بزعم القامات الشعرية أو النثرية، وبشهادة اليومي فيهم.

وكلّي يقين هنا، على وجه التحديد، أن الآتي سيكون ناطقاً بلسانه كثيراً، وسيكون له حضور وتداول في الذي تفتحت عنه وباسمه قريحته الطبيعية، كما هي الأرض التي تعرف نفسها، وتعطي كما هو تاريخها، وليس بالتسميد، ولا أكثر من هؤلاء السماديين من كتابنا في التفافاتهم، وسوف يُنظَر جيداً في ذلك الكم الهائل من المفردات التي يصعب كثيراً العثور عليها في الكثير من قواميسنا الكردية، كما تابعت ذلك، وما عرِف به الراحل من عفوية في التعبير، خارج المنصات والأضواء المسجلة والمولَّفة هنا وهناك، سوف يكون هناك آخرون، سيظهر من يقدّرون موت الكلمة وحياتها، زمنها ، وصلاحية استمراريتها، من خلال تجذّرها في الحياة طبعاً، سينظر في أمره كثيراً، واختلافه الكبير والكثير عن الكثيرين ممن عرفوا قبله وبعده .

وربما من هذا الباب، أو المدخل الساخن، أورد نصوصاً مختارة من ديوانه: ” الوطن جنتي : أنينك جعلني أسير الحب “

-Welat bihuşta mine ” nalîna te kirime dîlê evînê  ” helbest

ومن طبعته الثانية ” 2021 “

لا أزعم أبداً أن الذي قمت به ترجمة، يقابل حيوية ما عرِف به. لكنها محاولة، للفت نظر من يهمه نظرٌ كهذا، ونحن ننبض بآلام وآمال، ونعيش الكردية في أطوارها المختلفة، وهذا المترجَم يقدّم نفسه بنفسه. السلام عليه وروحه حيث يتابع أبديته هناك، في قريته ” الأم “: تل عربيد، وبجواره رفيقة دربه. ومن ترك إرثاً ثقافياً، وفيه من الإبداع الكثير كهذا ما مات اسماً ومسمَّى !

 

الوطن جنتي

 

بعد أن أصدر الإله الواحد الأوحد

 أمراً في إثْر اليوم الأخير

حينها اجتمع البيشمركة

في ظل الغابة

يحتضنهم الجبل

آخذين بمشورة الاتحاد

وقد حكَّوا جباههم

بصخور الوطن وحافاته العالية

ناثرين نطاف الأماني

 في التربة المعطاءة

***

من بدء الكارثة

قرأت أسطورة وطني

في أقسام أربعة

بهدوء ورويَّة

من فجر التاريخ

أبدع النبي زاردشت

أنشودة الهوية

من قلب الطبيعة النابض

المعطاءة والسخية

من  لون اللغة الكردية

وصوتها وجوهها

جوار شاهدة الخالدين المجهولين

جعل آيات زندافستا

تعاويذ

من أجل الضعفاء

من أخلاق ملائكية

بامتداد مساحة الجنة

على لوح محفوظ

سطَّر سموَّ اسم كردستان

***

يا وطن:

على شفتيك

بقيت أغنية حزينة

أصبحت ميل المكحلة

لتينك العينين الدامعتين

اصبحت جديلة مسبلة

على أكتاف الحور العين

تدفق الأنهار

وسط الحدائق والحقول

عن فواكه بساتينك

التي ذقتها

ضيفاً مالكاً

أصبحت نقطة ساخنة

أعلى حروف اسمك

أصبحت مقتفي أثر آلهة

أمام محرابك

خبراً طروباً

في إثْر أنباء

متسكع نازح

وراء سرابك

أصبحت نداء أخرس

بانتظار صرختك…

***

رشاقتك

جعلتني أسيرَ الحب

ضفيرة نازلة

على خديك

جعلتني عاشق القمر

أصبحت نقطة قطرانية

على جحبين الإنسانية

أصبحت عقدة مقلقة

في رقبة المستغِلين

أصبحت سراً عالياً

يجفف ينابيع الإرهاب

***

حسرتي أن أعرف

بأي لغة

تمارس اللعن

حظي المنحوس

بأي لهجة

تداوي ألم الصمت

لقد كتبت على جبيني

سراج الأساطير

موطنك الفردوسي

وكتبته وطرزته

 على كتف الغيوم السوداء

حفرتُ كياً على ذراعي

تاريخ التقسيم

بمداد الحظ المنكود

فقط وبشكل واضح

لتظهر أسرار

الإله الفريد

لمخلوقات الكون كافة

جلية وبليغة

الفقرات الخمس الأولى من القصيدة

صص 29-31

 

 

 

دعوا فالزمن زمن الحب

 

دعيني

بحيث أنام في عينيك

أكلّم خريطة ملامحك

أرى أحلاماً وردية حمراء بك

من لون الخيالات

رشاقتك

تجعل قلبي

ينبض بصورة أسرع

مثل الطائر البرّي

تطيّره حائراً

من وسط ضلوعي

***

تتذكرين

عندما عشقت للمرة الأولى

وقتها كانت الوحدة تتنحى جانباً

وأنت أيضاً أخبرت

أنه عندما تبكي عيني

لا تستطيع الأخرى

أن تنام بمفردها

لأن عواطف القلب

تعرف سريان فعل الدموع بصورة أفضل

وتعرف أكثر كذلك

التصفيق معها

***

كما يظهر

الحب بذاته حياة

قادرٌ في غمضة عين

بعْث الروح في الحجر

نفْض غبار الشوارع

على رؤوس الحزانى

من عاش تجربة الحب

سيعرف أكثر

من أي عمق ومسافة

ظهرت مشاعر القلب

قادرة على صهر الحجر

مهما كان صلباً وقاسياً

مثل الأسيد

صص 70-71

 

 

مناسبة الحب

 

دعو كاوا الحداد

يعيد ملحمة نوروز

إلى تاريخ الحب

دعوا، الٌأقرباء، الأصدقاء ..و

وجموع الشهداء

مع مجتمعهم

يعيشون الحب الأبدي

***

دعوا الفراشة

تمتص رحيق الزهرة

خالية من الكيمياوي

دعوا الفتيات

يحببن الشباب

يندمجون مع بعضهم بعضاً

المؤسسات الكبيرة

تدير مستقبلاً أجمل

***

دعوا  وخز قلب الكاتب

يقبّل الصفحة البيضاء

بحرية

معنى القول

التعبير بشكل أجمل

***

دعوا الكلمة الأصلية

تظهر سامية وشامخة

في في صنعة الجملة

***

دعوا الثوار

في حمى الأسود

يضمّون شعاعات القنديل

إلى سراج البرق

وحدة الجبال

***

دعوا الكرد الفعليين

يعمّمون

رسائل الصداقة

كل ما يخص الحوار السلمي

والمستقل

والتخلص من التدخلات المشبوهة

بمكنسة ملحمية

في البلد

***

دعوا اللغة الأمل

تدير الثقافة… و

أدب شعب كردستان.

***

دعوا ألحان الحب

بلغة القصيدة

على أوتار الطنبور

تتنغم على شفاه الفنانين

***

دعوا روح التسامح

الحوار الحضاري

يتوسط الاختلافات

وتجلو التناقضات

***

دعوا السنابل

تستوي في مناخ الحرية

في حفلات الرقص

في مهب النسيم العليل

وهي تمتلىء متعرضة لأشعة الشمس

بثمرات الشوق.

***

دعوا حقيقة

كل المحبين

تميّز ألوان قوس قزح

عن بعضها بعضاً

***

دعوا بؤس الكلمة

يحصّل فرصاً ذهبية

في مسيرتها

وليرفرف علم الحرية

على أعلى الدوائر

مقاطع مختارة من القصيدة: صص 72-76

 

 

 

ملحمة الحزن

 

ملحمة الحزن

بالنسبة لي

هي الرؤية الأولى بداية

لا أعرف كيف

أشرحها لك

أتراها جريمة

لو أننا التقينا

أتمناها من صميم قلبي

أن تكوني قريبة مني

أن تتوسطي عينيّ

أن تحتضنيني بكلتا ذراعيك

بهدوء وسكينة تسرحين

في أعالي صدري ونحري

تصحصحين الفم والشفتين

مع العنق

تبحثين جيداً

عن خريطة جسدي

وتجثمين  بمفردك وبسكَينة

في قلبي

لئلا يسرقك أحد

مني

وتلحني

كم كلمة معسولة

من أجلي

لكم هو النبض محتد وقوي

لكم أنت ملكة رشيقة

في عالم المحبين لافتة للنظر

فدعي لكي

نرى معاً أحلاماً حريرية

ونبني آمالاً عذبة

معاً

وحيث أرى صورتك

فإنني من أعماق قلبي الطروب

أصبح قلب الحب

من يوم ولادتي

أنا عاشق كينونتك

أشعر أنني

خلقتُ من أجلك

أعرف أن عينيك

أي أسرار تقرآنها

أُعلَم بشيء ما

أو ينبّهني إليه

أو أنه قد سمع بأمر استثنائي

تنبهتُ أنني

فقدتُ قلبي

من أقوالك الصغيرة

علمتُ أننا مناسبان لبعضناً بعضاً

أن قلبي معك

مثل الغيم والمطر

 

شعاع الشمس والغابة

مثل رائحة الدمع

الزيزفون ونبتة الريحان

مثل ندى وردة نيسان

أرض المباركين والأم الحنون

مثل البيشمركة والوطنيين

العاشق الوفي لموعده

سنمضي معاً إلى كردستان

 صص181-182

 

 

نداء قامشلو

 

أحاول

أن أعيش

مبتهجاً وسعيداً

في ساحات الشرق

لا أريد أبداً

أن يعكّر أحدهم صفو حياتي

أن يضيّق القبّر علي وأنا حي

لا أريد للكابوس

أن يخيف أحلامي

لهذا أحاول

أن أبدّل البؤس بالأغنية

أمضي آلامي وهمومي

بالجمل الرشيقة السامية

أظهِر علامة الحزن

أعيش طبيعة الحياة

كما هي

أموت في الساعة التي

سجّلت باسمي

***

أريد أن أعانق الشباب الثوار

واحداً واحداً

أقسّم جهاتي

جهة جهة

عليهم

برؤوس ضفائري

أعرضهم للهواء العليل

ليعيشوا بسلام

في خريطة كردستان

وكما أن الشاعر لا يريد لأحد

أن يخطف منه الكلمة الأصلية

فإن هولير، آمد، مهاباد

عاشقاتي الأصليات

نحن سواء في كل شيء

الأعداء المثلثون

محل شبهة في كل شيء

شبابنا هداء دائماً

سنزورهم معاً

لأننا ضعاف

فقط نبكي على بعضنا بعضاً

***

لماذا ولو مرة

مثل سنبلة القمح

في مهب النسيم العليل

أمام شعاع الشمس

لم ننضج معاً

لم نحلف برؤوس بعضنا بعضاً

بصدق صدوق

لماذا لا تتفتح

نسارين ونباتات طيبة الرائحة

في حدائقنا

لا نميّز بين الصالح والطالح فينا

لا نروي ظمأنا مرة كذلك

من ينبوع الشباب

لا نحني رؤوسنا

أمام رسالة الاتفاق

مثل محبّي الحرية والسلام

لماذا لا نسلك طريق

ثقافة بهيئة عصرية

الثقافة الإنسانية والديمقراطية

بكامل الثقة..

لماذا ولماذا..

” مقاطع، صص 195-203

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

 

الفنان الراحل (صابر كوردستاني) واسمه الكامل “صابر محمد احمد كوردستاني” ولد سنة 1955 في مدينة كركوك منذ الصغر فقد عينيه واصبح ضريرا .. ولكن الله خالقنا العظيم وهبه صوتا جميلا وقدرة مميزة في الموسيقى والغناء ” فلكلور كوردي “، و اصبح معروفا في عموم كوردستان .. ومنذ بداية السبعينيات القرن الماضي…

فراس حج محمد| فلسطين

-1-

لا تعدّوا الوردْ

فما زالتِ الطريقُ طويلةً

لا نحن تعبنا

ولا هم يسأمون…

-2-

ثمّةَ أُناسٌ طيّبونَ ههنا

يغرّدونَ بما أوتوا من الوحيِ، السذاجةِ، الحبِّ الجميلْ

ويندمجون في المشهدْ

ويقاومون…

ويعترفون: الليلُ أجملُ ما فيه أنّ الجوّ باردْ

-3-

مع التغريدِ في صباحٍ أو مساءْ

عصرنة النداءْ

يقولُ الحرفُ أشياءً

ويُخفي

وتُخْتَصَرُ الحكايةُ كالهواءْ

يظلّ الملعبُ الكرويُّ

مدّاً

تُدَحْرِجُهُ الغِوايَةُ في العراءْ…

-4-

مهاجرٌ؛ لاجئٌ من هناك

التقيته صدفة هنا

مررتُ به عابراً في…

عبد الستار نورعلي

(بمناسبة عيد المرأة)

 

حين تكون المرأةُ الأحلامْ

تنسدلُ الستائرُ الحريرْ،

فلا نرى أبعدَ من أنوفنا،

وخافقٌ يضربُ في صدورنا،

فكلّ نبض امرأةٍ هديرْ

والمطر الغزيرْ،

 

نفتحُ حينها عقولَنا

أم نسرجُ الخيولْ

والسيفَ والرمحَ

وصوتَ الحلمِ الغريرْ؟

 

في حلمٍ

يُبرعمُ الربيعُ فوقَ صدرِها،

ينتظراللحظةَ كي يدخلَ في الفؤادْ،

يُعطّرُ الروحَ بدفء روحها،

يقتطفُ العشقَ

ويبدأ الحصادْ،

 

في كتبِ الروايةِ الأولى:

غزالةٌ تسلَقتْ تفاحةَ البقاءْ،

وانتزعتْ تفاحةً لتقضمَ الغرامَ

واللعنةَ، والدهاءْ،

 

امرأةُ العزيزِ راودَتْ فتاها

عنْ…

عبدالجابر حبيب

 

دور المسرح في المجتمع

المسرح ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو فن يحمل رسالة، يعكس قضايا الناس، ويشكّل وعياً جمعياً. منذ نشأته، كان المسرح مساحةً للحوار، يسلط الضوء على المآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويجسد الأحلام والآمال. فهو “مرآة تُعرض عليها الفضائل والرذائل”، كما وصفه الكاتب المسرحي شكسبير.

يقول جان فيلار: “المسرح مدرسة الشعب”، وهذه المقولة…