عبد الجابر حبيب
يا لغرابةِ الجهات،
في زمنٍ لا يعرفُ السكون،
وعلى حافةِ قدري
ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،
والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،
ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،
ولا حتى أنا.
على الحافة،
أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،
يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،
كأنّه يتسرّبُ من جلدي
ثم يذوبُ فيّ.
الجدرانُ تتهامسُ عنّي،
تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،
وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،
كأنّ الزمنَ
لا يريدُ أن يطويَني.
أمَّا أنت…
أيّها الخارجُ من ظلّي،
أيّها الخارجُ من ضلعِ الوجع،
لا تظنَّ أنَّ المسارَ يفضي إلى غيرِ ظلِّه،
لستَ راكباً في قطارٍ،
ولا الزمنُ مسارٌ مرسومٌ على حجر.
الأرضُ تمضغُ خُطاك،
تلوكُ ندمَها،
ترقُبُك في شهقةِ الضوء
كأثرٍ لم يُثبت وجودَه.
لا تُراهنْ على فصاحةِ الغيم،
ولا على تآلفِ الشقوقِ في اللحم.
الأرضُ تُحنُّ… بجوعٍ لا يُشبَع،
وحنينٍ لا يبرأ.
ثمةَ جدارٌ يُطلُّ عليك،
يتذكّركَ كلّما نسيتَ ظلّك.
الضياعُ لا ينتظرُ الواقف،
يمرُّ من خلالكَ،
يخلعُك كما يخلعُ الماءُ جلدَ الوقت.
الأبوابُ من حولكَ أفواهٌ مفتوحةٌ
على صمتٍ قديم،
تبتلعُك كصدى
نسيَ طريقَ الرجوع.
ألم ترَ؟
الضوءُ يغرقُ في البحرِ
ولا يعود،
وأنتَ تلهثُ خلف وَهْمٍ مُنمنمٍ
لا تعترفُ بالخريطة.
لا تسألِ العابرين،
فالأسئلةُ تمشي أمامك،
والأجوبةُ
أشباحٌ هاربة،
تتسكّعُ في المسافة.
لا تُعاتبْ.
كلُّ شيءٍ يطوي ذاتَه،
ولا شيء يتوقّفُ ليُلقي ظلَّ عزاءٍ عليك.
حتى الريحُ،
حين تسهو لحظةً،
يُواصلُ الزمنُ اشتغالَه هناك.
وأنا،
أبحثُ عن ظلٍّ
لا يجرؤ أن يظهر.
أنا…
أنا الذي لا يُقرَأُ إلّا بصمتٍ،
أمشي على حافةِ القدر،
والقدرُ لا يعترفُ بالمكوث.
تركتُ الجوابَ
يمرُّ بجواري،
وأنا
أطارده،
لا أدري،
هل كنتُ السؤال؟
أم كنتُ السرابَ نفسه؟