“أوراق على حافة الطريق”  لعبد الجابر حبيب: رحلة في عوالم الهايكو

جوان سلو 

 

* الهايكو.. لغة المشهد والدهشة

الهايكو فنٌ شعري مكثَّف، يعتمد على التقاط المشهد الحسي بلغةٍ توقظ في المتلقي شرارة الدهشة أو التأمل. إنه ليس مجرد وصفٍ للواقع، بل هو محاولة لخلق حوارٍ خفي بين الصورة الظاهرة والمعنى الكامن، عبر لغةٍ تتناغم مع إيقاع الطبيعة وانزياحات الروح. هنا، يصبح الشاعر صياداً للمشاهد اليومية بصنارة البصيرة، ليحوِّل العابر إلى خلود، والبسيط إلى فلسفة.

* أوراق على حافة الطريق. من إصدارات دار ميزوبوتاميا للنشر والترجمة لعام ٢٠٢٣ جاء في ١٧٢ صفحة من القطع المتوسط. لوحة الغلاف للفنان أمين عبدو.

*الهايكو بين الشعر والنثر.. أين يكمن جوهره؟

لا يكتفي الهايكو بكونه شكلاً أدبياً، بل هو أداة لتشريح اللحظة الإنسانية بكل أبعادها: الألم، الحلم، الكفاح، والأسئلة الوجودية. فهو يستخدم اللغة كمرآة تعكس ما وراء الكلمات، عبر الإيجاز والآنية والموسمية والإيحاء، لكن شرطه الأساسي هو المعنى فإذا غاب، أصبح الهايكو جسداً بلا روح، أو صورةً فوتوغرافية جامدة تخلو من السرد الخفي الذي يحرك مخيلة القارئ.

*الحكمة.. رحلة المعرفة والتجربة

إن الحكمة في الهايكو – كما في الحياة – ليست مجرد تراكم للمعارف، بل هي نتاج تفاعلٍ بين التجربة الإنسانية والعواطف والفلسفة. كما عبّر الحكماء:  

*ابن القيم* “الحكمة هي فعل ما ينبغي، بالطريقة التي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي”.  

*ابن عربي* “الحكم نتيجة الحكمة، والعلم نتيجة المعرفة”.  

* قراءة في المتن الشعري: بين الحكمة والانزياح

يُقدِّم الديوان نصوصاً تُحاكي قواعد الهايكو الأساسية (الإيجاز، المشهدية، الموسمية)، لكنها تُضيف بُعداً فلسفياً يعكس رؤية الشاعر. لنأخذ مثالاً:  

“مقعد خالٍ 

ما بال النوارس خائفة

من رجل ميت ” 

هذا النص لا يصف مشهداً ساحلياً فحسب، بل يخلق انزياحاً دراماتيكياً بين الحياة (النوارس) والموت (الرجل الميت)، وكأن الخوف من الموت يُلوّن حتى ردود فعل الطبيعة. الانزياح هنا ليس لغوياً بل نفسياً، مما يدفع القارئ إلى التساؤل: هل الخوف من الموت غريزةٌ مشتركة بين الكائنات جميعاً؟  

أما في نص:  

” شجرة 

من أين تأتي بالثمار  

والجذور ناشفة”

فنجد تناقضاً بين الظاهر (الثمار) والباطن (الجذور الناشفة)، وهو تناقضٌ يُجسِّد أزمة الإبداع في ظل ظروف قاسية، أو ربما صراع الإنسان بين إنتاجية الظاهر وجفاف الروح. 

في هذا الديوان، يحوِّل عبد الجابر حبيب الحكمة إلى مشاهد شعرية تتجسد في طيورٍ تحمل أسئلة الوجود، وأوراقٍ تتساقط على حافة الطريق كحكاياتٍ عن زمنٍ غابر

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…