حسين السوريستاني

أحمد عبدالقادر محمود 

لم يكون حسين يدري أن نزوله في تلك الليلة إلى القبو سيقلب حياته رأساً على عقب ، من لصٍ دعيٍّ إلى أمير ، بل لم يكون يتصوَّر أن هذا القبو المنسي منذُ سنيين  سيكون برج أحلامه ، نزوله في تلك الليلة كان من أجل العثور على شيءٍ يستطيع استخدامه في إشعال النار ، الليل باردٌ  كجسدٍ نافق ، لا كهرباء و لا ضياء قمر ، ليلة حالكة السواد كلون مدينته ، أشعل كشاف هاتفه المحمول وهبط الدرج الموصول للقبو ، أستقر في عتبة القبو ، اشتم رائحة رطبة عفة ، غطى أنفه بيده وسار باتجاه أشياءٍ مرمية بجانب الجدار المقابل ، كتبٌ قديمة مكدسة ، نعم تصلُح لإشعال النار ، وضعها في قائمة المطالب ، عثر بجانب الكتب على ثيابٍ و إكسوارات ، يبدو أن صاحب هذا المنزل كان يعمل مخرجاً مسرحياً أو سينمائياً !؟ أو ربما متعهّد ، هكذا حدثته نَفْسُه ، سار خطوة أخرى ، ارتطمت قدمه بشيءٍ قاسٍ ، نظر حوله بقلق ، صوت الارتطام أخرجه من حالة السكون و الطمأنينة ، ثم أعاد النظر لموضع قدمه ، وجد صندوقاً خشبياً محكم الإغلاق ، حاول فتحه ، لم يستطع ، تجاوزه مؤقتاً ، ليجد حاوية مليئة بالأدوات المنزلية القديمة ، أراد إفراغ الحاوية ، ولكنه توقف ، ربما إن عدّتُ صباحاً ستكون الحالة أنسب ، سكون الليل مخيف  يوصل الضجيجة بخفة إلى أبعد مدى ،  النهار أستر ، خرج و أغلق باب  القبو بإحكام . 

نسي حسين الغاية من اقتحام المنزل الخالي من أصحابه ، وبدأ ينتظر بزوغ الفجر، التفكير في  الأشياء التي عثر عليها هناك جعلته في يقظة نشطة ، لم ينم ليلته تلك  ، وهو يضع سيناريو غزوته الجديدة لذاك المنزل ، بزغ الشفق و أرخ النهار سدوله ، أنه الوقت المناسب للخروج قبل أن أُرصد من المارة ، خرج متسحباً ووصل المكان الذي كان فيه ليلاً ، أول ما فعله التقلّب في كومة الثياب ، يا إلهي : ثيابٌ تاريخية ! عمائم ، إزارات ، مآزر ، انتقى الصالح منها و ارتداها ، ثم مال على الأكسوارات ، ذقونٌ صناعية ! شعر طويل صناعي ! أساور  ! خلاخل ! ، وجد نفسه أميراً بعد أن ارتدى  ما يلزم ، وجلس على كرسيٍ  وُجد هناك يشبه الكراسي التي توجد عادة في مجالس السلاطين و الأمراء ، في وهلة أخذته حالة العظمة ، و بدأ يجول بنظره في أرجاء القبو و بدت الأشياء أمامه كأنهم جلسائه و خاصته ، وبدأ يشير بيده يمنة و يسرا و كأنه يأمر و ينهي ، أستفاق من حالته بعد برهة من التحول ، يا رباه إن الثياب تفعل فعل السحر و إن كانت مستعارة ، وهذا الكرسي العجيب كآلة الزمن ، ينقلك من زمن إلى زمن ، لنرى ماذا يوجد في هذا الصندوق ، سحب حسين  الصندوق إلى منتصف أرض القبو و تمكن من فتحه بأداتٍ كان قد جلبها معه ، ماذا رأى ، سيوف مصقولة  بأشكالٍ متنوعة ، خناجر بأغمادها  ، كاد الذهول فرحاً أن يخرجه عن طوره بصرخة النصر ، ولكنه تنبه للأمر وصرخ بخفوةٍ و صوتٍ مبحوح ،

نعم هذا ما أحتاجه ، الآن اكتملتْ ، لم يَعُد ينقصني  شيء لأكون القائد الذي أرغب  ، نعم الأمير حسين أبا حسن السوريستاني ، وبدأ يتمختر ذهاباً و جيئة في أرجاء القبو وهو رافعٌ سيفاً بيده اليمنى ، و الخنجر في حزام خصره ، 

حين بدأ حسين السوريستاني  يفكر في طريقة ينقل فيها هذه المغانم العظيمة ، وقعت عيناه على الحاوية المليئة بالأدوات المنزلية ، قال في نفسه ، قبل أن أغادر لأرى ماذا يوجد في هذه الحاوية ، ربما أجد ما يفيدني ، بدأ في إفراغها ، طناجرٌ من نحاس أصفر و أحمر ، أباريق مزخرفة ، فوانيس ، أطباق ، مباخر وكلها نحاسية وذات طابع قديم ، جميل سأعيدها إلى الحاوية كي أتمكن من نقلها كلها بمرحلةٍ واحدة ، و هو يعيد الأواني إلى الحاوية  يتفرس كل قطعة بقطعتها ، فوقعت عيناه على مصباحٍ مختلف عن بقية الفوانيس ، بدا شكله غريباً و حتى اصفراره  كان باهتاً ، 

تناول المصباح وجلس على الكرسي مسنداً ظهره على المسند ، يقلًب المصباح بين يديه ، ويسأل نفسه ما هذا  ؟ لأُزيل عنه الغبار ربما يكون من ذهب ، أجتهد في مسحه بكلتا يده ، و ما كاد أن يرفع يده عن المصباح حتى شاهد دخاناً أبيض يتصاعد من فوهته ، يعلو نحو سقف القبو متشكلاً في جسدٍ مفتول العضلات ، وذو هيئة غريبة ، وهو يصيح : أيها الأمير السوريستاني أُطلب تطاع ، و أنا كلي انصياع ، سقط حسينٌ من فوق الكرسي مغشياً على الأرض دون حراك ، و كأن صاعقة أصابته ، مال عليه مارد المصباح ، قم يا سيدي السوريستاني فهذا ليس وقتٌ للعب ، إنما وقت الجد والعمل ، فتح حسين عينيه و بدأ يتلمس جسده وهو ينظر برعب لهذا الكائن الذي ظهر أمامه ، وبصوتٍ متهدجٍ متقطع : أعوذ بالله وبكلمات الله التامات ، من شر الجان و الهامات ، و ما كاد أن يتمم دعاء طرد الجان ، حتى باغته المارد : يا سيدي أنت من أيقظني و أخرجني من المصباح و الأن تريد طردي !؟ عجيبٌ أمركم أيها البشر 

حسين : هل أنت ماردٌ حقاً أم أن مسني جانُ القبو ؟ لا بد أنه كان مسكوناً 

المارد : قم يا سيدي فأنتم أسيادنا و لا حول لنا ولا قوة إلا بكم 

يقف حسين على قدميه بعد أن اطمأن لكلام المارد ، إذا أنت حقاً مارد المصباح ، لستُ في حلم أليس كذلك ؟ 

المارد : لا يا سيدي السوريستاني لستَ في حلم ، إلا إذا كنت ترى ما جرى في سوريا منذُ عقدٍ و نيف ما هو إلا حُلم !

حسين : حسناً  و ماذا الآن هل أستطيع أستخدامك ؟ 

المارد : بالطبع فأنا هنا لخدمتك ولكن لي شروط قبل أُلبي طلباتك 

حسين : أشرط ما تشاء فأنا طوع شروطك ولن تجدني إلا الخادم الأمين لك ، في سبيل أن ترفع من شأني وتجعلني سيداً على العباد .

المارد: الشرط الأول أن تخلع عنك هذه الملابس فهي لا تناسب هذه المرحلة ! الشرط الثاني أن أكون ظلك و تكون الكلمة الأولى و الأخيرة لي ، الشرط الثالث سأضع  أمامك خطوطاً حمراء لا يجب أن تتجاوزها ، الشرط الرابع ممنوع التذاكي فأنا أستطيع قبض روحك متى شئتُ ، الشرط الخامس أن تنفّذ جميع الشروط السابقة بلا إعتراضٍ و لا تزمر مفهوم .

حسين : حاضر يا سيدي لن تجدني إلاّ شبيك لبيك أبو حسن السوريستاني عبدك وبين يديك .

المارد : الأن أذهب حيث أُمرتْ .

حسين : هل لي بطلب يا سيدي المارد ؟ 

المارد : لا تقلق ستجدُ حاشيتك محيطة بك  ، و سأُسخر لك كل من أهانك و أجعلهم أبواق يسبحون بحمدك ، 

خرج حسين من القبو الرطب ذو الرائحة العفنة النتنة ، بعد أن أستأذن سيده المارد ، وانطلق كالسهم إلى حيث أُمر . 

 

هولير \ إقليم كردستان 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

في زمن تتآكل فيه الهويات، وتُقصف فيه الذاكرة، تأتي روايتا «الغابة السوداء» و«داريا الحكاية»، للروائي السوري مازن عرفة بوصفهما مغامرتين سرديتين، تسعيان لا إلى توثيق الواقع، بل إلى تفكيك بنيته النفسية والوجودية، عبر استحضار المنفى كمنفى داخلي، والثورة كتصدّع وجودي، طويل الأمد.

ليست «الغابة السوداء» حكاية لاجئ فقط، بل مرآة مشروخة للذات المنفية…

قامشلو – ولاتي مه – شفيق جانكير
أقام منتدى الكلمة الحرة مساء الجمعة 25 تموز 2025 حفلا تكريميا مميزا في مدينة قامشلو، احتفاء بعدد من الشخصيات البارزة التي قدمت خدمات استثنائية في مجالات متعددة، من العمل الإنساني والخدمي، مرورا بالأدب والفن، وصولا إلى النضال السياسي والاجتماعي. وشهد…

زوزان ويسو بوزان

على امتداد الفرات، وما شرقه
نجلسُ في محطّة الحياة،
نرقبُ قطار “نجاة الصغيرة”،
كمن ينتظر أغنيةً تُنقذه من الغرق.

نُطفئ ضجيجنا على أفواهنا،
كي لا تُخطئ قلوبنا،
ونوقدُ شعلتنا من دم الشهداء،
فهم الذين أضاءوا لنا درب البقاء.

كم حاولوا شطبنا من فسيفساء الوجود،
لكننا رسمنا زهرتنا
على ضفاف نهرٍ لا يعرف الجفاف،
زرعنا النبل كما نزرع السلام
ومن يزرع الحب… لا يحصد الخراب.

فالحبُّ،…

د. فاضل محمود

كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ
مَنْ يَكْرَهْنِي… فَلْيَنْفَجِرْ
مَنْ يُعَادِينِي… فَلْيَنْتَحِرْ
كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ

لَا أَهَابُ الْمَوْتَ… وَلَا الْخَطَرَ
قَلْبِي فُولَاذٌ… أَقْسَى مِنَ الصَّخْرِ
وَصَرْخَتِي زِلْزَالٌ… يَهُزُّ الْحَجَرَ
رَايَتِي عَلَى الْقِمَمِ… تَرْفُرِفُ وَتَزْدَهِرْ
تُعَانِقُ السَّمَاءَ… بِلَوْنِ الدَّمِ وَالنَّصْرِ
فَوْقَ الْهَامَاتِ… لَا تَسْتَكِنُّ وَلَا تَنْحَدِرْ
وَالرِّيحُ إِذَا هَبَّتْ… تَهْتِفُ:
كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ

وُلِدْتُ حُرًّا… كَالصَّقْرِ
إِنْ حَاوَلُوا قَيْدِي… فَقَيْدُهُمْ يَنْكَسِرْ
لَا أَرْضَى قَيْدًا… وَلَا أَرْضَى الْأَسْرَ
هَكَذَا عِشْتُ… وَهَكَذَا سَأَحْيَا حَتَّى…