تَصَوُّر خاطئ يُكَبِّل أمَّةً

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت اتجاهها، وبدَّلت مسارها، واستحدثت عناصر جديدة لكيانها؛ فالذي حصل هو أننا نحن المسلمين بقينا على ما كان عليه أسلافنا؛ بينما أنه حصلت تغيراتٌ نوعيَّةٌ في مقومات الحضارة الإنسانية؛ فقد حصلت تحولات نوعية عظيمة وحاسمة؛ غيرت اتجاه الحضارة ففوجئنا بقوة الغرب؛ فتوَهمنا بأننا قد تراجعنا ولم ندرك بأننا لم نتراجع عما كان عليه أسلافنا؛ وإنما حصلت تغيرات نوعية في مقومات الحضارة لم تكن معروفة في أية حضارة سابقة.

يقول عالم الفيزياء بول ديفز في كتابه (الأساس العلمي لعالَمٍ منطقيٍّ): ((الحضارة العلمية الحديثة فقط هي الحضارة الوحيدة التي قامت بمحاولة منهجية لدراسة طبيعة الكون ومكاننا فيه؛ إن نجاح الطريقة العلمية في الكشف عن أسرار الطبيعة مذهلٌ جدا)) ويقول: ((فمقدرة العلم على تفسير الأشياء مذهلة جدا؛ إن العلمَ طريقةٌ هائلةُ القدرة؛ إن نجاحات العلم كثيرة ولا يكاد يمر أسبوع دون إحراز تقدم جديد؛ إن جاذبية الطريقة العلمية تمضي إلى خلف طاقتها ومداها الهائلين)) ويضيف: ((وهناك أيضا النزاهة التي لا تعرف المساومة؛ فكل اكتشافٍ جديدٍ وكل نظريةٍ جديدة؛ مطلوبةٌ لاجتيازها قبولٍ متشدد تُجريها جماعةٌ علميةٌ قبل قبولها؛ فالعلم يقودنا باتجاهِ معرفةٍ موثوقة؛ إنني أعتقد أن باستطاعة العلم أن يفسر كل شيء)) فالالتزام بالمنهج العلمي وتوجيه الجهود العلمية لاكتشاف أسرار الكون وتسخير طاقاته؛ هو المكوِّن الرئيسي الذي طرأ على الحضارة الإنسانية؛ أما المكون الثاني فهو التكنولوجيا؛ فالثورة الصناعية لم تحصل في أية حضارة سابقة، وإنما هي من أهم خصائص الحضارة الحديثة. أما المكوِّن الثالث فهو التنظيم الشامل، فلأول مرة في التاريخ البشري يجري حشد الملايين في مختلف الأوطان في مواقع العمل المنظَّم والإنتاج الكثيف ولأول مرة يتم إنشاء شركات ضخمة بحجم دول للإنتاج. هذه نماذج من التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية. وقد دخلت على حياتنا تحسينات لا نهاية لها، فصرنا أفضل ممَّا كان عليه أسلافنا بما لا يقاس، لأنَّنا استخدمنا منجزات الحضارة المعاصرة بعد التغيُّرات النوعيَّة الهائلة التي طرأت على الحياة البشريَّة في مختلف المجالات. إنَّ القول بأنَّنا تخلَّفنا عن مستوى أسلافنا هو قول بعيد عن الحقيقة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سلمان إبراهيم الخليل
تبدلت ملامحي على دروب الرحيل
ثمة أنفاس تلهث خلف الذكريات
تركض خلف أسفار حزني المستدام
الأرصفة وحدها من تشعر بأنات جسدي
وهو يئن من لهيب المسافات

المطر الأسود ينهش في جغرافيا الروح
وهي تعزف للريح تراتيل الغربة
وأنا ألملم شظايا أحلامي بخرقة هشة
لأتوه في دهاليز المجهول

أمد نظري في الأفق البعيد
أمد يدي لمرابع الطفولة
انتظر لهفة أمي وأبي
لكن ما من أحد يصافح
لقد…

سيماف خالد محمد
كنتُ جالسةً مساءً أستمع إلى الأغاني وأقلب صفحات كتاب، حين ظهر إشعار صغير على شاشة هاتفي، كانت رسالة من فتاة لا أعرفها مجرد متابعة لصفحتي منذ سنوات.
كتبت لي دون مقدمات:
أنا أتابعك دائماً وأرى أنك تكتبين عن القصص الاجتماعية، هل يمكنك أن تكتبي قصتي؟ أريد أن يكتب أحد عن وجع طفولتي، ربما إذا قرأتها…

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…