يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في صفحات التاريخ.
إن هذا الكتاب يمثل جهدا جماعيا لإحياء الذاكرة الوطنية الكوردية وتخليد رموزها الذين سطروا ملاحم العطاء والتضحية، كما يأتي نشره على حلقات في إطار التزامنا الثقافي بتقديم محتوى توثيقي رصين يربط الأجيال بماضيها النضالي المشرف.
من خلال هذا المشروع، يسعى ولاتى مه إلى أن يكون جسرا بين القارئ والتاريخ الحي، وفاء لرجال حملوا راية الحرية بإيمان وصبر، وأثبتوا أن الكلمة الصادقة قادرة على إبقاء الذاكرة حية مهما طال الزمن.
ادارة (ولاتى مه)
تشرين الأول 2025
===========
رجال لم ينصفهم التاريخ
أكرم بن عبد الله ملكاني: سيرة من الوفاء والنضال
الفصل الأول: الجذور والنشأة
في مدينة ديرك، إحدى المدن الكردية العريقة التي تقع في غرب كوردستان في المثلث الحدودي، وُلِد أكرم بن عبد الله ملكاني، المعروف بـ “أبو قهرمان”، عام 1952 في كنف عائلة وطنية حملت على عاتقها نهج البارزاني الخالد، ذلك النهج الذي كان رمزًا للحرية والنضال في سبيل الحقوق الكردية. نشأ في بيئة تميزت بالقيم الوطنية الصادقة، واستقى منذ طفولته معاني الإخلاص والوفاء للمبدأ، وهي القيم التي رافقته طوال حياته.
بدأ تعليمه في مدرسة ناظم طبقجلي حيث حصل على الشهادة الابتدائية (السرتفيكا). إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة حالت دون استكماله لمشواره التعليمي، شأنه شأن العديد من أبناء جيله الذين حُرِموا من التعليم بسبب الظروف السياسية والمعيشية القاسية. ومع ذلك، لم تقف هذه العقبات حاجزًا أمام شغفه بالمعرفة ووعيه الوطني، بل زادته عزيمة وإصرارًا على النضال من أجل حقوق شعبه.
لم يكن حرمانه من الجنسية الكردية عام 1962، بسبب الإحصاء الجائر، سوى إحدى المحطات التي اختبرته، لكنها لم تثنه عن التمسك بهويته الكردية، بل زادته إصرارًا على النضال ضد سياسات التمييز والاضطهاد التي مارستها الأنظمة الحاكمة ضد الكرد.
الفصل الثاني: الانخراط في النضال الوطني
رغم التحديات الاقتصادية التي واجهها، انطلق أكرم ملكاني إلى سوق العمل في سن مبكرة، حيث احترف مهنة القصابة ليؤمّن قوت يومه. لكن وعيه القومي كان أكبر من أن ينحصر في هموم المعيشة، فبدأ منذ صغره يتلمس طريق النضال، وانضم في عام 1968 إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، على يد المناضل حجي محمد بوطي. كان انضمامه إلى الحزب نقطة تحول في حياته، حيث بدأ العمل تحت إشراف قيادات وطنية بارزة مثل أبو روشن، محمد أحمو، وعبد الكريم ملا عمر.
أثبت أكرم ملكاني قدرته القيادية سريعًا، ما أهّله ليُنتخب عضوًا في اللجنة المحلية للحزب في ديرك عام 1973، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى عام 1976. خلال هذه الفترة، شهد الحزب والمنطقة بشكل عام تغيرات سياسية كبرى، لا سيما بعد انتكاسة ثورة أيلول عام 1975، التي شكلت صدمة كبرى للحركة الكردية. ورغم ذلك، لم يتراجع أكرم عن مبادئه، بل كان من أوائل من احتضنوا القيادات والبيشمركة الذين وجدوا في منزله ملاذًا آمنًا، رغم المخاطر التي كان ذلك يشكلها عليه.
الفصل الثالث: ملاذ الثوار وقائد المقاومة السرية
في عام 1976، ومع إعادة ترتيب الصفوف بعد الانتكاسة، تم تشكيل قيادة مؤقتة ضمت شخصيات كردية بارزة، مثل السيد جوهر نامق، غازي زيباري، والدكتور جرجيس حسن، حيث كانوا ضيوفًا دائمين في بيت أكرم ملكاني، الذي تحول إلى مركز لمرور القيادات والبيشمركة. ورغم التهديدات الأمنية، لم يتردد يومًا في خدمة القضية الكردية، مؤمنًا بأن التضحية في سبيل الحرية هي الطريق الوحيد لتحقيق الحقوق المشروعة لشعبه.
وفي عام 1977، ساهم في تأسيس فرع جديد للحزب في ديرك، رفقة رفاقه عمر لعلي، أبو خنجر، عدنان بشير، عبد الكريم نادر، أحمد حسو، سليمان ميرزا، وغيرهم من المناضلين الذين كان لهم دور بارز في استمرارية النشاط السياسي الكردي.
كان أكرم ملكاني يتمتع بشخصية قيادية ومبادئ ثابتة، ما جعله يتقدم ليُنتخب في عام 1980 عضوًا في اللجنة المنطقية للحزب، حيث أصبح مسؤولًا عن عدة مناطق، منها الكوجرات، ديرك، واليان. لم يكن نشاطه السياسي ليقف عند حد التنظيم، بل كان يرافقه عمل دؤوب في سبيل تأمين لقمة عيشه، حيث عمل في الحِرف الحرة مثل القصابة، كما شغل وظيفة في مصرف التسليف الشعبي، قبل أن يُفصل منها بسبب نشاطه السياسي.
الفصل الرابع: الاعتقال والنضال المستمر
نتيجة لنشاطه السياسي المكثف، تعرض أكرم ملكاني للاعتقال عدة مرات، حيث خضع للاستجواب والتعذيب، لكنه لم يتراجع عن مواقفه، بل ظل ثابتًا في دفاعه عن قضيته العادلة. كان يرى في الاعتقال ثمنًا طبيعيًا للنضال، ولم يكن يتردد في التضحية من أجل مبادئه.
وفي عام 1991، مع اندلاع انتفاضة آذار في كردستان العراق، لعب أكرم ورفاقه دورًا محوريًا في تنظيم الدعم اللوجستي للبيشمركة والثوار، حيث أشرفوا على جمع التبرعات، وتوفير الأغذية والمواد الطبية للثوار في باشور كردستان. رغم قلة إمكانياته المادية، لم يتردد يومًا في التبرع بما يستطيع، ليكون دائمًا في الصفوف الأمامية، داعمًا لرفاقه بكل ما يملك.
الفصل الخامس: الفكر الثقافي ودوره في التوعية الوطنية
لم يكن أكرم ملكاني مناضلًا سياسيًا فحسب، بل كان أيضًا صاحب فكر ثقافي مستنير، يؤمن بأن التوعية والتعليم هما أساس النهضة القومية. في عام 1993، كان مشجعاً للجنه الثقافيه التي نشأها مجموعة من الشباب وهم سمكو عمر لعلي و بهزات خلف ورضوان خوري وهشيار عمر لعلي و محمد بادر واخرون إلى تأسيس لجنة ثقافية سرية، كانت تعقد المحاضرات التوعوية في بيوت الوطنيين المخلصين.
رغم معارضة بعض الأحزاب لهم، لم يتراجع أكرم عن المشروع، وكان هو من الداعمين لتامين مكان المحاضرات، وتجهيز الأماكن، وحشد الحضور، إيمانًا منه بأن الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة الاستبداد.
الفصل السادس: الرحيل وذكرى لا تمحى
لكل بداية نهاية، ولكل مناضل محطة أخيرة. في 28 فبراير 1998، ودّع أكرم ملكاني الحياة، لكنه لم يودع قلوب رفاقه الذين شيّعوه في جنازة مهيبة، حضرها المئات من محبيه ورفاقه، الذين عرفوه قائدًا صلبًا، ومناضلًا وفيًا، وإنسانًا نقيًا. دُفن في مقبرة ديرك، لكن ذكراه بقيت حيّة في وجدان كل من عرفه، وبقي اسمه محفورًا في تاريخ النضال الكردي كرمز من رموز الوفاء والتضحية.
الخاتمة: إرث خالد وروح لا تموت
لم يكن أكرم ملكاني مجرد فرد في مسيرة النضال الكردي، بل كان مثالًا للمخلص الذي أفنى حياته في سبيل قضية آمن بها حتى آخر رمق. لم تغره المناصب، ولم يبحث عن المكاسب، بل جعل من حياته نموذجًا للصدق والإخلاص والتفاني.
في زمنٍ تكثر فيه الحسابات الشخصية، وتختلط فيه المصالح، يبقى ذكر أكرم ملكاني شاهدًا على أن النضال الحقيقي لا يُقاس بالمناصب، بل بالأثر الذي يتركه صاحبه في قلوب رفاقه وفي مسيرة قضيته. سيظل اسمه حاضرًا في ذاكرة الأوفياء، ليكون درسًا للأجيال القادمة في معنى التضحية، والوفاء، والنضال في سبيل الحرية.
سمكو عمر لعلي
كوردستان:هولير