مهاباد … الشجرة المروية بالدم

 

توفيق عبد المجيد

نتصفح التاريخ الكردي منذ الأربعينيات
نتغلغل في شرايينه
نتعمق في أعماق أعماقه
نقرأ السطور
ثم نقرأ ما بين السطور بإمعان ودقة
وتنتقل العين بسرعة خاطفة من كلمة لأخرى
وكأنها تبحث عن شيء مفقود حنت إليه
كأنها تبحث عن ضالتها

وسرعان ما تعثر العين على كلمة ملونة بألوان قوس قزحية
تقف عندها وتحدق فيها
مهاباد !!!!!!
ذاك الجرح الغائر في الخاصرة الشرقية
ذاك الجرح المازال ينزف دماً بغزارة
تلك العين المازالت تذرف دمعاً
على
جمهورية أقيمت في عهد تشابك وتصادم المصالح
ثم أزيلت مؤقتاً على مذبح هاتيك المصالح
*  *  *
مهاباد !! يا شجرة مروية بالدم
يا صخرة صلدة من الجودي الأزلي
ما أصلدك أيتها الصخرة
ما أعظمك أيتها الشجرة
ثقب الرصاص صدرك
شق الغزاة بطنك
نزع العابثون لحاءك
أسقطت الطبيعة أوراقك
ولكن بقيت جذورك متشبثة بالأرض
متغلغلة في الأعماق
تأبى أن تتخلى عن عزيز التراب
*  *  *
ودار الزمن دورته
وأنجبت الأرض المخضبة بالدم
جنينها الأول
ذاك الذي رأى كل شيء
ذاك الذي شهد أجساد الأبطال
وهى تتدلى من أعواد المشانق
ذاك الذي شهد العبور الأول باتجاه المجهول
عبورنهر آراس وهو يودعهم إلى ديار الغربة
إلى الغربة القاتلة ومجهول المصير
ومرارة الوحشة
وبقي الحلم وكبر
وبقي الأمل وترعرع
وامتزج الشعور عند ذاك الجنين باللاشعور
*  *  *
لم ينس الجنين الأول وهو يحبو
فوق أرض مخضبة بالدماء
 وتحت سماء مدلهمة بالدخان 
 لم ينس منظر أعواد المشانق في ساحة ( جار جرا )
وأجساد الأبطال تترنح عليها
وقاضيهم يرفض أن تعصب عيناه
ليرى الجريمة حتى مشهدها الأخير
ليرى الوطن الحبيب الجميل
الوطن الذي ضحى من أجله
الوطن الذي كان صادقاً معه كل الصدق
وهو يلقن الأطفال اليتامى آخر وصية
وأغلى وصية
*  *  *
لم ينس الجنين الأول
الأمانة الغالية
والوديعة الأغلى
لم ينس !!
ذاك المنظر الطبيعي الجميل
وهو يتبختر حراً في سماء مهاباد
يتمايل مؤقتاً في غفلة عن الدهر
يميناً ويساراً
لم يتمكن من النظر إليه
ولم يتمكن من رسمه
لأن الرسم يستلزم الأدوات
وعندما كبر
كان المنظر ما يزال مرتسماً في عقله الباطن 
ومحفوراً في لا شعوره
فقرر أن يرسمه بالألوان ومن جديد
وفي مكان لا توجد فيه غربان سوداء
وريثما ينجلي عن الساح الغبار
وقد فعل
لقد حافظ على الوديعة
وأدى الأمانة
وترنحت أم الشهيد  طرباً مع الشاعر دلدار
وهي تغني ( أي رقيب )
فنعم الوفاء ونعم الخلف
القامشلي في 22-12-2006

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…