من المعروف أنّ في المجتمعات المتخلّفة والمقهورة رغبات مكبوتة تحاول الخروج إلى حيّز الوجود، لتؤدّي تلك الرغبات مفعولها وتصل إلى مسعاها، إلاّ أنّها تصطدم بواقع متردٍّ قاسٍ يرفض تلك الرغبات، لأنّها إنْ وُجدت فستؤدي إلى انهيار وانقلاب ذلك الواقع على مُوجده، فالواقع يصدّ تلك الرغبات، لأنّها لا تتوافق وغايات المُوجد لهذا الواقع، فتبقى هذه الرغبات مكبوتة معتّقة ومعقّدة إلى أن تصل إلى ذروتها، لتسبح في دوّامة الكبت حتّى تجد لنفسها مخرجاً، فيأتي دور التنفيس الذي يمارس مهمّته، ليخفّف من حدّة التوتّر الذي مُورس بحقّ تلك الرغبات، فيقوم القائمون بهذه المهمّة ليهيّئوا المنفذ الوهميّ التخريبيّ (التنفيسيّ)، بغية تهدئة الدوافع المستنفرة في هذه المجتمعات المتخلّفة المقهورة لئلاّ تهيج تلك الرغبات المكبوتة المبتورة، ولتسبح في غياهب الوهم والخرافة، ويأخذ التنفيس أشكالاً متعددة، وكلّ شكل له مفعوله من حيث كمّية الجرعات التخديريّة التي تُعطى لك المجتمعات.
غايتي الوصول إلى ممارسات السحر والشعوذة الدنيئة، طبعاً السحر والشعوذة ليسا بشيء جديد نسمع بهما الآن، وليسا بغريبين في جميع الأوساط، وعلى مدى عصور مختلفة، إلاّ إنّهما تأخذان أشكالاً و أساليب شتّى كاستخدام بعض الأحرف الأبجدية، وبعض الأرقام الحسابيّة والرياضيّة البديهيّة لكلّ من يريد أن يشتغل بالسحر والشعوذة، والضحك على لحى ذوي النفوس الضعيفة الهشّة، وذوي العقول الجوفاء في الجماجم الفارغة، موهمة – ظاهريّاً – بأنّها توصل الراغب إلى رغبته، والمتمنّي إلى أمنيته، وتحقيق الأحلام فعليّاً لتكتمل بذلك دورة الحياة، وتُخترق الخوارق، وينكسر كلّ حاجز يقف أمام رغبات ذاك المتلقّي الموجود في حضرة الساحر الدجّال، أو يسمعه ويراه عن بُعد كما هو الحال في بعض الفضائيات (فضائية شهرزاد تحديداً) وعلى وجه الخصوص، هذه الفضائية التي تبثّ يوميّاً ولساعات برامج خاصّة بالخداع والسحر، وإلهاء العالم وإشغالهم عن أمورهم الحياتيّة، والرضوخ والاستسلام لسلطان الوهم والخداع لتبقيهم متقوقعين راكنين إلى أساليب تافهة دنيئة.
تستقبل هذه الفضائيّة في ضيافتها دجّالين محترفين، والبارز في الساحة الّذي يُدعى (أبو علي الشيباني) العراقي الأصل، الشيعيّ الطائفة، هذا الشخص – كما يدّعي- يتّصف بصفات خارقة، فهو الذي بيده كلّ شيء وإليه ترجع الأمور ، كما له وشمة على الجبين، أو الأصحّ هو مُوشم جبينه، والتي تزداد حجماً كلّ يوم، فعلاً، سِماهم في وجوههم ، ولكن ليس من أثر السجود كما يدّعي، ولكن من أثر الكذب والنفاق.
إنّ جرعة الأنويّة زائدة عنده، والأنا في نفسيّته وشخصيّته تطغى على كلّ اعتبار حيث يضع نفسه في مقام الربوبيّة، فيخاطب الناس بـالسين والتسويف (أنا سوف، أنا سـ …)، إنّه يخاطب الهشّين، كلّ متّصل به ضعيف هشّ متخلّف أجوف، ويتكلّم لهم عن أمور غيبيّة، ويقنعهم ويصف لهم الدواء عن بُعد، من خلال بعض الخزعبلات الكتابيّة المرسومة، فيقول لهذا أنت مريض وسأعالجك، ولهذه سوف تلدين أولاداً، ولذلك ستسافر، ولذاك سترزق أموالاً…إلخ تلك الأكاذيب الضالّة المضلّة.
إنّه يدّعي النبُوّة المبطّنة/ المخفيّة/ التي يحرص على إظهارها حقيقةً، فهو يتحدّى ويقول بأنّ تحصيله لعلمه ليس من الأشخاص، وليس من الكتب، فإن لم يكن علمه من الأشخاص، وإن لم يكن من الكتب، معنى ذلك بأنّ علمه من الوحي الرّبانيّ، فهذا بحدّ ذاته ادّعاء للنبوّة، ويقول بأنّ مَن يشكّك به وبعلمه ويقول عنه دجّال فسوف ينالهم منه مكروه ويصيبهم ما يصيبهم. إنّه لا يكتفي بالنبوّة ولكن يُرقّي نفسه إلى مرتبة الربوبيّة، كما يدّعي بأنّ ما يمارسه هو علم بحدّ ذاته، ومن ينكرون ذلك فهم أغبياء وجهلة .
إنّ هذا لَهو الخرق الحقيقيّ لقواعد وغايات العلم النبيلة، ويكفي بالعلم شرفاً أنّه يسمّى العلم. هذا تحريف لغاية العلم وتهميش لقيمته، ونلاحظ تجميد دور العلوم الطبّية ولدورالأطبّاء، والتحوّل إلى تشخيصات المشخّص دون رؤية الشخص، فهو يعالج كلّ الأمراض المستعصية العضال، باعتباره الطبيب المداوي الذي لا يضاهيه طبيب. إنّه يداوي ويعالج عن بُعد، ويرزق مَن يشاء، ويبشّر الكثيرين بالمراتب العليا، ويبشّر بالأولاد للعاقرين.
إذن.. لماذا لا تغلق المشافي والعيادات أبوابها؟!!
ولماذا لا يتوقّف الناس جميعاً عن ممارسة أعمالهم ليتفرّغوا لمتابعة هؤلاء السفهاء؟!!
وهل معقول أن يصل هؤلاء المبشّرون بالمراتب العليا إلى تلك المراتب وهم أسرى لشخص ضعيف يُمنّون أنفسهم بأمانٍ وآمال من شخص غير مُؤمَّل منه ؟!!
بكلّ بساطة لو كان يجد في نفسه أيّ أمل، فلماذا لا يذهب إلى بلده العراق ويوقف البحور الدموية لطالما علومه حقّ ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟!!
لماذا لا يذهب ليكشف جحور وأوكار الإرهاب في بلده ويصبح بطلاً مشهوراً مخلصاً لوطنه بدل أن يصبح منافقاً دجّالاً مشهوراً ؟!!
ولماذا كان يرضى بالظلم تحت حكم الطاغية صدام حسين ؟!!
لماذا لم يكن يجعل المخلوع صدام يرضخ له ولسلطانه الوهميّ المخادع ليعيش في بلده بأمن وسلام بدل أن يعيش في لبنان؟!! أم كان قد أوقف خدماته على الطاغية المقبور..؟!!
أتدرون يا ناس أين تكمن المصيبة ؟!!!
المصيبة أنّ المتعلّمين من أصحاب الشهادات يتّصلون بهذا الشخص متذلّلين يطلبون العون والمساعدة من عبد مخادع أبله
.
هل مجتمعاتنا بحاجة إلى ضعف أكثر ممّا هي فيه ؟!!
هل مجتمعاتنا بحاجة إلى تهشيش أكثر من هشاشتها؟!!
أهي الهاوية ؟! أم الطريق المؤدّية إلى الهاوية ؟!
ما أودّ التأكيد عليه هو أنّ ( فضائيّة شهرزاد ) تجاريّة بحتة، غايتها تحصيل أكبر قدر ممكن من المال على حساب هؤلاء الضعفاء أصحاب العقول الجوفاء الحاوية على تبن. طبعاً أسمّي هؤلاء أصحاب العقول مجازاً وليس حقيقةً، لأنّ الأصحّ هم لا يملكون عقول، لأنّ مهمّة العقل الأساسيّة التفكير والتدبّر، وهم لا يفكّرون ولا يتدبّرون، وبالتالي هم مصابون بخصاء ذهنيّ بحت معقود بعقد متينة صعبة العلاج والشفاء، والدليل الواضح والبادي للعيان (طبعاً للّذين يملكون العقول أما غيرهم فلا)، إنّ فضائيّة شهرزاد مادّية تجارية بحتة، وهو كلّما زادت اتّصالاتك المبتورة مسبقاً، والتي لا تجد مستقبِلاً لها، كانت الفرصة أمامك أكبر لتتشرّف بالحديث مع مُسيلمة هذا العصر (أبو علي الشيباني)، ومَنْ يدري ربّما هناك اتّفاق مع بعض المتّصلين لتكون اتّصالاتهم إضفاء مصداقية أكثر لِمُسيلمة، لا بل بالتأكيد هو ذاك، والشيء الذي يقنعون به أنفسهم، هو أنّ (أبو علي الشيباني) شخص تقيّ مؤمن، فهو يأتي بآيات ونصوص قرآنيّة، فهو – إذن – لا يكذب . طبعاً هذا هو سلاحه الأقوى والطاغي على بقية أساليبه، فحجاباته تكون مختومة ومصدّقة بآيات ونصوص قرآنية، أي لا أحد يجرؤ على ردّه، ولكن متى كان القرآن والسحر صاحبين ؟!
ألا يجد هذا الشخص بأنّه يضع ضدّين مختلفين كلّيّاً متقابلين ؟!
متى كانت الكتب السماويّة تدعو إلى السحر ؟!
إلى متى سنخدع تحت ستار الدين ؟!
إلى متى سنضع المستقبل والأمل في الأفق ثمّ نأتي بسلالم وهميّة لنصعد إلى الأفق لنأتي بالمستقبل والأمل غير المؤمَّل منه ؟! وهل بذلك سيأتي المستقبل والأمل ؟
متى سنميز بين الدين والمتديّنين الضائعين المضيّعين الذين لا يفقهون شيئاً من الدين أصلاً ؟!
إنّ الإسلام والقرآن والأديان الأخرى والكتب السماويّة الأخرى بريئة كلّ البراءة من هؤلاء السفهاء .
والسؤال الذي يطرح نفسه ونطرحه نحن :
مَنْ وراء ذلك ؟ ومَنْ المستفيد ؟ ولِمَ السكوت عن هؤلاء ؟
الجواب سهل لِمن يُحكّم عقله، وصعب جدّاً وخارج نطاق الوعي والإدراك عند الضعفاء خائري العقول، هذا إذا تبادر أصلاً إلى أذهانهم الجواب.
إنّ هذه المجتمعات عاجزة عن أن تصنع أنفسها، فلذلك تلجأ إلى مَنْ يصنعها ويصنع لها نسيجاً عنكبوتيّاً وهميّاً ليصبحوا بذلك ضحايا فعليّين لنسيج وهميٍّ لا يستطيعون التخلّص منه.
وإذا بحثنا عن المستقبل، فالمستقبل موجود ولن يهرب، ولكن إذا صنعنا أنفسنا بأنفسنا، وإذا صنعنا أنفسنا أرضخنا المستقبل فيأتينا طوعاً، ولن نستطيع صنع أنفسنا إلاّ إذا تسلّحنا بالعلم والعقل، وجعلنا منابع ومكامن التفكير السليم والصحيح تستنفر في العقل لتصفع وتزيل كلّ تلك الأوهام والخرافات وتلك التحايلات والخداعات التي تلجأ إليها هذه المجتمعات وتجد بأنّها ملاذ لها، لتحاول إخراج ما كُبِتَ إلى الواقع، أملاً بإخراجها إلى الوجود.. ولن تخرج ..!
إنّ الإرادة القويّة الصلبة بالاتّحاد مع تفعيل العقل لتأدية مهامّه الأسمى ستؤدّي بالتأكيد إلى ما تسعى إليه البشريّة، وستهدم كلّ الحواجز الوهميّة، فنصبح بعد ذلك فعّالين في المجتمع الذي ينتج المعرفة متحكّمين بتوجّهاتنا، لا محكومين بتوجهات مَنْ لا توجّه لهم، فنحصد بذلك الرقيّ والتطوّر والتخلّص من سلطان الخداع والخرافة الذي لن يجد بعد ذلك من يتسلّط به، فينقلب على نفسه مدحوراً مهزوماً، فنصنع الحضارة التي نصبو إليها، لأنّ الحضارة ليست إلاّ نتاج العقول الكبيرة الخيّرة.
أُنهي بهذا المثل الصيني الرائع:
“العقول الصغيرة تناقش الأشياء، والعقول المتوسطة تناقش الأشخاص، أمّا العقول الكبيرة فتناقش المبادىء”.
فإذا ناقشنا مبادىء الأشياء التي تستحقّ النقاش توصّلنا إلى حقائق الأشياء التي نستطيع فيما بعد أن نحكم عليها أو نحكم بها على من يتحكّم بها علينا.